حددت بطاقة قياس الأداء المؤسسي الجديدة للبنك الدولي هدفاً بالغ الأهمية، يتمثل في خلق الملايين من الوظائف بأجر جيد، ولهذا أهمية كبرى للمنطقة، حيث من المتوقع أن يدخل نحو 300 مليون شاب سوق العمل في السنوات الخمس والعشرين القادمة (الشكل 1)، ويتضح من تجربة المنطقة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية أنه من غير المرجح أن تؤدي الجهود الحالية إلى خلق فرص عمل كافية للأجيال القادمة، وبالتالي هناك حاجة ماسة إلى أجندة جديدة لخلق فرص العمل.
الشكل 1. الاتجاهات السكانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقي
المصدر: حسابات المؤلفين استنادا إلى التوقعات السكانية في العالم للأمم المتحدة.
سجل المنطقة الخاص بالنمو الديموغرافي والاقتصادي
منذ عام 2000، نما إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمنطقة بمعدل سنوي قدره 3.3%، وحتى يتسنى لنا فهم ذلك فيما يتعلق بخلق فرص العمل والتشغيل، يمكننا تحليل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 3 مكونات: (1) النمو السكاني، (2) نمو معدل المشاركة الاقتصادية، و(3) نمو الإنتاجية لكل عامل. ويمثل المكونان الأولان معاً "زيادة عدد الوظائف"، ويمثل المكون الثالث "وظائف أفضل" بأجر أعلى.
وعلى مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، ساهم النمو السكاني في المنطقة بنسبة 1.9 نقطة مئوية في نمو إجمالي الناتج المحلي سنوياً (الشكل 2)، وبالمقارنة، فمع زيادة عدد السكان في سن العمل بوتيرة أسرع من إجمالي السكان، أضافت الزيادة في معدل المشاركة الاقتصادية 0.4 نقطة مئوية، وزيادة الإنتاجية نقطة مئوية واحدة.
الشكل 2. مستهدف النمو في المنطقة في ظل سيناريوهات مستقبلية مختلفة
المصدر: حسابات المؤلفين استنادا إلى مؤشرات التنمية العالمية والتوقعات السكانية في العالم للأمم المتحدة.
كيف يُقارن هذا الأداء بالاقتصادات الأخرى؟ في عام 2000، بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة 26% فقط من إجمالي الناتج المحلي للاقتصادات الرائدة على مستوى العالم، ومع الانتقال سريعاً إلى عام 2023، لا يزال المعدل حول هذا المستوى، وهذا لا يدعو إلى التفاؤل، لأننا كاقتصاديين نتوقع في العادة أن تنمو البلدان الأكثر فقراً بوتيرة أسرع، مما يعكس تأثير التقارب المدفوع بزيادة عوائد الاستثمارات عندما تكون نسب رأس المال إلى العمالة منخفضة في البداية، لكن من الواضح أن الحال لم يكن على هذا الوضع بالنسبة للمنطقة في العقود الأخيرة. والأسوأ من ذلك، أنه مع تغير الديناميكيات الديموغرافية، من المرجح أن تكون السنوات الخمس والعشرون المقبلة أكثر صعوبة بالنسبة للمنطقة.
قضية "أجندة الوظائف" للمنطقة
ما المطلوب لكي تصل المنطقة إلى نصف معدل نمو الاقتصاد الرائد بحلول عام 2050؟ تشير تقديرات تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ضرورة نمو إجمالي الناتج المحلي للمنطقة بنسبة 4.9% سنويا حتى يتحقق ذلك، وهذا المعدل أعلى بنحو 1.5 مرة عن المعدل التاريخي. علاوة على ذلك، سيؤدي تباطؤ النمو السكاني إلى مساهمة لن تتجاوز 1.1 نقطة مئوية في هذا النمو، وسيعتمد المعدل المتبقي للنمو على تطور السياسات.
وعلينا أن ننظر أولاً إلى سيناريو "بقاء الأمور على حالها" مع ثبات معدلات المشاركة في القوى العاملة والبطالة، حيث لن يكون معدل المشاركة الاقتصادية مدفوعا إلا بالتغيرات الديموغرافية فقط، وفي هذه الحالة سيكون من المتوقع أن يتراجع نمو السكان في سن العمل في المنطقة قليلا عن نمو السكان بوجه عام على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة، ولذلك، لن يسهم معدل المشاركة الاقتصادية كثيراً في النمو، بل ستكون المساهمة ضئيلة للغاية بحيث تكون لا تذكر. وبالتالي، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يتحقق النمو؟ الإجابة قولاً واحداً من خلال زيادة الإنتاجية. وللوصول إلى المستوى المستهدف لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي (نصف الاقتصاد الرائد)، سيتعين أن تنمو الإنتاجية في المنطقة بنسبة 3.8% سنوياً في العقود القادمة. وتعادل هذه النسبة تقريباً 4 أمثال المعدل التاريخي الذي تحقق على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، مما يضع عبئاً ثقيلاً على أجندة خلق "وظائف أفضل" ذات إنتاجية وأجور أعلى. ومن حسن الحظ أن هذا السيناريو غير الإيجابي ليس الخيار الوحيد، فهناك سيناريو بديل هو "الأجندة الاستباقية لخلق الوظائف"، ولهذا السيناريو هدف مزدوج: (1) تعزيز معدل المشاركة الاقتصادية، و(2) تعزيز الإنتاجية. ومن الملاحظ أن المنطقة تسجل أدنى معدل لمشاركة الإناث في القوى العاملة، وهو 16% على مستوى العالم، وإذا زادت مشاركة الإناث في القوى العاملة في المنطقة تدريجياً وبلغت نسبة مماثلة لمشاركة الرجال (74%) بحلول عام 2050، فإن نسبة التشغيل إلى عدد السكان ستسهم بنقطتين مئويتين في تحقيق مستهدف النمو في المنطقة البالغ 4.9%. ومن شأن هذا النهج أيضا أن يخفض العبء فيما يتعلق بأجندة خلق "وظائف أفضل" إلى 1.8 نقطة مئوية، وبالتالي يمكن الوصول إلى هذا المعدل على نحو معقول. وبالتالي، فإن المستهدف المزدوج المتمثل في "زيادة فرص العمل" و خلق "وظائف أفضل"، الذي تدعمه الأجندة الاستباقية لخلق الوظائف، يمثل مساراً أكثر قابلية للتطبيق لبلدان المنطقة.
تصميم أجندة الوظائف بما يتلاءم مع التحديات القطرية
تتسم المنطقة بعدم التجانس، فعلى سبيل المثال، هناك تباين شديد بين بلدان المنطقة فيما يتعلق بالوصول إلى مستوى الاقتصاد الرائد، والسمات الديمغرافية، ومعدلات المشاركة الاقتصادية. ولذلك، ينبغي صياغة أجندات الوظائف بما يلائم أوضاع كل بلد على حدة.
ويمكن للبلدان النامية في المنطقة أن تستفيد من سيناريو "المزيد من الوظائف" و"وظائف أفضل" على نحو متماثل. ومن شأن سد الفجوات بين الجنسين في المشاركة في قوة العمل في هذه البلدان أن يعزز نسبة التشغيل إلى عدد السكان بنحو 1.7% سنوياً، وسيؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط على الإنتاجية، التي سيتعين أن تنمو بنسبة 2.1% سنوياً حتى عام 2050. فعلى سبيل المثال، تتوقع مصر نمواً سكانياً بنسبة 1.3% سنويا في العقود القادمة. ويمكن أن يؤدي سد الفجوات بين الجنسين في المشاركة في القوى العاملة إلى زيادة نسبة التشغيل إلى عدد السكان بنحو 2.1% سنوياً. ومع نمو الإنتاجية بنسبة 1.7% فقط سنوياً، يمكن لمصر أن تحقق المستهدف الخاص بالمنطقة.
وعلى سبيل المقارنة، ومع توافر عدد كبير من العمالة المهاجرة، فإن تحسين جودة الوظائف يمثل التحدي الرئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي. ولسد هذه الفجوة التي تحول دون إلى الوصول إلى منتصف معدلات النمو في الاقتصادات الرائدة، يجب أن تنمو إنتاجية الوظائف في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 3.2% سنوياً، وفي الوقت نفسه ستساهم المكاسب الناتجة عن سد الفجوات بين الجنسين بنسبة إضافية قدرها 0.6% سنوياً. ولننظر إلى المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، فمع توقع نمو عدد سكانها بنسبة 1.3% خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة، على المملكة تحقيق تحسن أسرع في إنتاجية الوظائف، بهدف تحقيق زيادة سنوية بنسبة 2.8%، مقارنة بزيادة سنوية قدرها 1% في نسبة التشغيل إلى عدد السكان نتيجة زيادة سد الفجوات بين الجنسين.
تجدر الإشارة إلى أن وضع أجندة استباقية لخلق الوظائف أمر بالغ الأهمية لمستقبل المنطقة، فكل بلد بحاجة إلى سياسات مصممة خصيصاً على نحو يلائم سياقه الاقتصادي والديموغرافي الفريد، بعضها يركز على "زيادة فرص العمل" والبعض الآخر على "الوظائف الأفضل"، وهذا المستهدف المزدوج هو المطلوب والمرغوب ويمكن تحقيقه من خلال السياسات الصحيحة.
هذه هي المدونة الثانية في سلسلة مدونات الوظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تابع المزيد من المدونات.
انضم إلى النقاش