تُظهر الشواهد أن تنمية الأطفال ومشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي تؤديان إلى زيادة النمو والحد من الفقر وتحسين رفاهة الأسر . ويسهم توفير رعاية الأطفال الجيدة وبتكلفة معقولة في تحقيق كلا الأمرين. غير أنه في كثير من الأحيان، نظر الباحثون وواضعو السياسات في المنافع المترتبة على مساندة تشغيل المرأة ورعاية الأطفال بمعزل عن بعضها البعض - حيث اهتمت مجموعة من الأشخاص بتحسين تنمية الطفولة المبكرة، في حين اهتمت أخرى بالتمكين الاقتصادي للمرأة. وقد نجحت ورقتنا البحثية الجديدة في سد هذه الفجوة، حيث ستدرس ما إذا كانت مراكز رعاية الأطفال المجتمعية يمكنها القيام بكلا الأمرين معاً أم لا.
بيئة الدراسة
قام مشروع توظيف الشباب وتنمية مهاراتهم في بوركينا فاصو التابع للبنك الدولي باختيار شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً للمشاركة في الأشغال العامة كثيفة العمالة لمدة ستة أشهر. وحدد فريق البرنامج 36 موقعاً من مواقع العمل في المناطق الحضرية التي يمكنها أن تستضيف مركزاً لرعاية الأطفال. ومن بين هذه المواقع، اخترنا عشوائياً 18 موقعاً لاستضافة مركز، بينما لم يتم اختيار الثمانية عشر (18) موقعاً المتبقية لذلك. وتم إنشاء جميع مراكز رعاية الأطفال المجتمعية البالغ عددها 18 مركزاً كما كان مقرراً خلال مدة الستة أشهر للأشغال العامة، علماً بأنها مستمرة في العمل بعد انتهاء الأشغال العامة. ويمكن أن يستوعب كل مركز ما يصل إلى 50 طفلاً، ويعمل به سبعة إلى 10 من المشاركين في الأشغال العامة ممّن تلقوا تدريباً لمدة ثلاثة أيام لتشغيل المراكز، بدلاً من القيام بالأشغال العامة كثيفة العمالة.
وأجرينا مقابلات مع عينة تضم نحو 2000 امرأة من المشاركات في الأشغال العامة اللاتي لديهن أطفال في سن السادسة أو أقل في جميع مواقع الدراسة الستة والثلاثين. وبعد 14 شهراً من افتتاح مراكز رعاية الأطفال، تتبعنا نفس النساء لمعرفة ما إذا كُنّ قد استفدن من خدمات مراكز رعاية الأطفال، وللسؤال عن أنشطتهن الاقتصادية ورفاهتهن وتنمية أطفالهن. وفي منتصف دراستنا، أجبرت جائحة فيروس كورونا مراكز رعاية الأطفال على إغلاق أبوابها لمدة 4 أشهر، ولكن عادت هذه المراكز للعمل مرة أخرى عندما تحدثنا مجدداً مع المشاركين والمشاركات في البرنامج في فبراير/شباط 2021.
الأسر التي استخدمت مراكز رعاية الأطفال
وجدنا أن مراكز رعاية الأطفال المجتمعية قد وسّعت نطاق الحصول على خدمات رعاية الأطفال. واستخدم نحو 25% من المشاركين والمشاركات في البرنامج في مواقع العمل التي بها مراكز جديدة لرعاية الأطفال هذه المراكز مرة واحدة على الأقل خلال العام الماضي. ونظراً لوجود خدمات أخرى لرعاية الأطفال، أفادت 12% من الأسر في مجموعة الضبط بأنها استخدمت أي مراكز متاحة لرعاية الأطفال في العام الماضي . ولكن نسبة الأسر التي استخدمت أي مراكز لرعاية الأطفال كانت أعلى بثلاثة أمثال تقريباً في المواقع التي ضمت مراكز جديدة لرعاية الأطفال - حيث ارتفعت إلى 37 في المائة (الشكل 1). وعلى الرغم من توقف بعض الأسر عن استخدام مراكز رعاية الأطفال الجديدة بمجرد انتهاء برنامج الأشغال العامة، استمرت الفجوة بين المجموعتين، حيث استخدم 10% من الأسر في مواقع الضبط مركزاً لرعاية الأطفال في الساعات الأربع والعشرين السابقة لمسح المتابعة الذي أجريناه، في حين استخدم حوالي 22% من الأسر في المواقع التي خضعت للمعالجة أحد هذه المراكز.
الشكل 1. استخدام مراكز رعاية الأطفال على مدى الاثني عشر شهراً الماضية
تَحسَّن تشغيل المرأة ونواتجه المالية لها، كما تحسنت رفاهتها النفسية والاجتماعية
تحسن معدل تشغيل المرأة في المواقع التي كانت مراكز رعاية الأطفال متاحة فيها، مع تحقيق زيادة بانحراف معياري بواقع 0.08 في المتوسط . وكانت أجورهن الشهرية أعلى مما وفرته الوظائف ذات الرواتب، ووجدنا شواهد تفيد بأن ذلك مدفوع جزئياً على الأقل بزيادة الوقت الذي قضينه في العمل بأجر. ويرجع جزء من هذا التحول في العمل إلى أن بعض النساء عملن مباشرة في مراكز رعاية الأطفال (67 من بين 928 امرأة من اللاتي أجرينا معهم مقابلات في المواقع التي أُنشِئت فيها مراكز جديدة لرعاية الأطفال انتهى بهن المطاف إلى العمل كمقدمات رعاية للأطفال في المراكز الجديدة). ولكننا نلاحظ أيضاً تحسن النواتج بالنسبة للنساء اللائي لم يكنّ يعملن في مراكز رعاية الأطفال، وهو ما يشير إلى أن التغيير حدث جزئياً على الأقل من خلال تحرير وقت المرأة. كما حققت النساء نواتج مالية أفضل، حيث تمكنت من زيادة المدخرات وتحسين قدرتهن على الحصول على النقد في حالات الطوارئ. ونجد أيضاً بعض الشواهد على حدوث تحسن في الصحة العقلية، وهو بُعد غالباً ما يتم تجاهله في الدراسات التي تبحث آثار الأنشطة التدخلية المعنية بتنمية الطفولة المبكرة (الشكل 2).
الشكل 2. آثار مراكز رعاية الأطفال
ولاية المرأة على نفسها لم تتغير
هل تُرجم التحسن في تشغيل المرأة إلى مزيد من التحكم في القرارات الأسرية أو إلى تغيير المواقف تجاه المساواة بين الجنسين؟ لا نرى تغيرات كبيرة طرأت على مشاركة المرأة في عملية اتخاذ القرارات في الأسرة، أو المواقف السائدة تجاه المساواة بين الجنسين، أو حرية تنقلها، أو مشاركة شركائها في رعاية الأطفال وغيرها من الأنشطة المنزلية. لماذا لم تتغير هذه الأمور؟ ربما تكون هذه القضايا أكثر رسوخاً وتستغرق وقتاً في التطور. أو قد لا يكون الحصول على المزيد من الدخل سبباً كافياً لتغيير التوازن في سلطة اتخاذ القرارات. ومن ثم، هناك المزيد مما يتعين القيام به لفهم ما الذي يشكل الديناميكيات داخل الأسرة فهماً كاملاً.
تحسن تنمية الأطفال
تحسنت درجات تنمية الطفولة المبكرة لدى الأطفال في المواقع التي ضمت مراكز جديدة لرعاية الأطفال، حيث شهدت في المتوسط زيادة بانحراف معياري قدره 0.2. وظهرت هذه الزيادات في المقام الأول في المهارات الحركية الكلية والدقيقة، دون أي تحسن أو تدهور في تنمية المهارات اللغوية. ولأن مراكز رعاية الأطفال أُغلقت لمدة ثلث فترة الدراسة بسبب جائحة فيروس كورونا، كان من الممكن أن تكون هذه الآثار الإيجابية على تنمية الأطفال أعلى من ذلك.
الجميع رابحون
تقدم النتائج التي توصلنا إليها شواهد جديدة على أن تقديم خدمات رعاية الأطفال يمكن أن يؤثر تأثيراً إيجابياً على التمكين الاقتصادي للمرأة وتنمية الأطفال . ومع ذلك، ثمة مجال لإجراء مزيد من التحسينات- فلم تتغير ولاية المرأة في اتخاذ القرارات ولا مشاركة الشركاء.
وأخيراً - هل كان البرنامج فعالاً من حيث التكلفة؟ موّلت مراكز رعاية الأطفال تكاليفها من خلال مواردها الذاتية بشكل أساسي. وبلغت التكلفة الشهرية لتشغيل كل مركز 16.6 دولار لكل طفل مع العمل بكامل الطاقة الاستيعابية. وكان في هذه المراكز في العادة نحو 33 طفلاً مسجلين بدلاً من الحد الأقصى البالغ 50 طفلاً، مما رفع تكاليف التشغيل إلى 25.2 دولار أمريكي للطفل الواحد في المتوسط. وقد حصلت النساء اللاتي استفدن من خدمات مراكز رعاية الأطفال على ما يتراوح بين 23 و25 دولاراً شهرياً. وإذا أخذنا في الحسبان أي منافع إضافية من تحسن تنمية الأطفال، فإن المكاسب الاجتماعية تكون أعلى.
انضم إلى النقاش