نشر في أصوات عربية

الاستفادة من الفرص التي يوفرها العمل المناخي لتحويل دول مجلس التعاون الخليجي إلى منطقة أكثر اخضراراً

الصفحة متوفرة باللغة:
Photo of a cell phone with COP28 UAE on the screen. (Shutterstock.com) Photo of a cell phone with COP28 UAE on the screen. (Shutterstock.com)

اختتم مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للمناخ، المعروف باسم (28COP)، أعماله في دبي في ديسمبر/كانون الأول، بإبرام اتفاق تاريخي بين الأطراف الـ198، إيذاناً بحقبة جديدة من العمل المناخي. وقد شهدت المفاوضات النهائية إدراج العديد من الالتزامات البارزة على جدول أعمالها، بما في ذلك الإشارة غير المسبوقة إلى التحول عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة ومضاعفة قدرة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات كجزء من "اتفاق الإمارات". وكان للبنك الدولي دورٌ رئيسي في الدفع بجدول الأعمال قدماً، حيث أنجز تقارير قطرية عن المناخ والتنمية لِما مجموعه 42 اقتصاداً، وتعهد بتقديم 45% من تمويله السنوي للمشروعات المتعلقة بالمناخ خلال السنة المالية 2025، كما تم تكليفه باستضافة صندوق الخسائر والأضرار.

كذلك، أصدرت بعض أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، إعلانات مهمة بشأن التزاماتها باعتماد الطاقة النظيفة. وشكل هذا الحدث فرصة فريدة لدول مجلس التعاون الخليجي لإعادة تأكيد التزامها بالنمو الأخضر وبأجندة التكيف مع تغير المناخ.  وأعلنت مجموعة التنسيق العربية، وهي تحالف استراتيجي لمؤسسات التنمية الإقليمية والدولية، عن عزمها تخصيص 10 مليار دولار أمريكي حتى العام 2030 وهو ما يتماشى مع التعهد السابق للمجموعة بتخصيص 24 مليار دولار لدعم التحول الأخضر.

في السنوات الأخيرة، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن أهداف وطنية ومبادرات إقليمية طموحة لمواجهة تغير المناخ.  ومن تلك المبادرات على سبيل المثال: التزام الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان بتحقيق انبعاثات صفرية بحلول عام 2050؛ والتزام المملكة العربية السعودية بالوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر. كما انضم الكثيرون إلى التعهد العالمي بشأن الميثان (وهو عبارة عن جهد دولي لتقليل انبعاثات غاز الميثان بنسبة 30% كحد أدنى بحلول عام 2030) واستثمروا في برامج كفيلة بدعم تقنيات منخفضة الكربون مثل الهيدروجين الأخضر، واقتصاد الكربون الدائري، وزيادة المشاركة في أسواق الكربون، ومبادرات كفاءة الطاقة المحلية، على سبيل المثال لا الحصر.

ويلعب القطاع الخاص دوراً حاسماً في نجاح المبادرات المناخية في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال الدفع باتجاه التحول المنخفض الكربون وجذب الاستثمارات الخضراء.  وسيحتاج تحويل استهلاك الموارد وإنتاج الطاقة وعمليات التصنيع والأنظمة الاقتصادية الأخرى، إلى استثمارات كبيرة للتمكن من تحقيق أهداف المناخ. فعلى سبيل المثال، تقدّر المساهمات المحددة وطنياً لدولة الإمارات العربية المتحدة من احتياجات الاستثمار إلى بما يقارب 36 مليار دولار بين عامَي 2023 و2030 لتحقيق أهداف المناخ.  وتشير التقديرات العالمية للوكالة الدولية للطاقة إلى تحقيق الاستثمارات في الطاقة المتجددة مستوى قياسياً بلغ 1.7 تريليون دولار في عام 2022، بعد أن سجلت 530 مليار دولار في عام 2021 ، ويأتي جزء كبير من هذه الاستثمارات من القطاع الخاص. 

وثمة حاجة أيضاً إلى التزام مستدام من جانب القطاع العام جنبا إلى جنب مع تدخلات سياسية ملموسة لدفع التغيير بالسرعة وعلى النطاق المطلوبَين لمواجهة التحديات البيئية ودعم التحول المنخفض الكربون. ومن بين أولى هذه الإجراءات، يجب إدماج النمو الأخضر كسياسة وطنية تساهم في رسم المستقبل في جميع القطاعات ذات الصلة؛ كالطاقة والمياه والأمن الغذائي والتخطيط الحضري والخدمات، وغيرها.

ويوفر النمو الأخضر السريع عبر القطاعات - بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة والمركبات الكهربائية والمباني الخضراء واقتصاد الكربون الدائري وإعادة تدوير النفايات - فرصاً للوظائف التي تتطلب مهارات، ولنمو الإنتاجية والتنويع الاقتصادي وتحوّلها. وفي هذا السياق، تقدّر مؤسسة التمويل الدولية أن دعم الاستثمارات منخفضة الكربون في 10 قطاعات رئيسية في 21 سوقاً ناشئة كفيل بتوليد 10.2 تريليون دولار من الفرص الاستثمارية، وخلق  213 مليون فرصة عمل، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار 4 مليارات طُن بحلول عام 2030. ومن أجل الاستفادة من هذه الفوائد بالكامل، ستحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى التزامات وطنية مستدامة تجاه تلك الأولويات، واستراتيجيات مناخية، وتوفير إمكانية الوصول إلى التمويل للشركات، وبيئة مواتية للاستثمار الأخضر. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه في حال استمرّت دول مجلس التعاون الخليجي في العمل كالمعتاد، فإن إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعةً سيصل إلى 6 تريليون دولار بحلول عام 2050. ومع ذلك، فإن تنفيذ استراتيجية  للنمو الأخضرمن شأنه أن يسرّع تنوعها الاقتصادي، وربما يساهم في زيادة ناتجها المحلي الإجمالي إلى أكثر من 13 تريليون دولار بحلول عام 2050.

تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيق أهداف طموحة لتوليد الكهرباء من مصادر الموارد المتجددة. فعلى سبيل المثال، تهدف المملكة العربية السعودية إلى الحصول على 50% من مزيج الطاقة لديها من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بينما تسعى عُمان إلى تأمين 30% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.  وقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة التي تضم بالفعل ثلاثة من أكبر محطات الطاقة الشمسية وأقّلها تكلفةً في العالم، عن خارطة طريق تحقيق الريادة في مجال الهيدروجين، وتخطط شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) لاحتجاز 10 ملايين طُن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بالإضافة إلى استثمارات طموحة في مجال الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، تتجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو استراتيجيات التنمية الموجهة نحو استخدام وسائل النقل العام مع افتتاح أنظمة النقل الجماعي في دبي والدوحة، وهي على وشك الاكتمال في الرياض.

وتُعتبر دول مجلس التعاون الخليجي في وضعية جيدة تسمح لها بالمساهمة في التحول العالمي إلى اقتصاد منخفض الكربون، وتحقيق التوازن بين أمن الطاقة ونشر مصادر الطاقة المتجددة من أجل مستقبل خالٍ من الكربون.  وهي قادرة على أن تصبح رائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم، من خلال استثمار مواردها وقدراتها في سبيل مناخ أفضل و كوكب صالح للعيش.

 


بقلم

صفاء الطيب الكوقلي

مديرة البنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي

سيد عديل عباس

المنسق الإقليمي لشؤون تغير المناخ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000