قد أكون كما يقول البعض "دقة قديمة"، لكني أفضل دوماً أن أستقي الأخبار من مقالات أو كلمات أحد الصحفيين أو المعلقين المعروفين.وحينما يسقط أحدهم كما سقط أنتوني شديد مراسل صحيفة نيويورك تايمز وهو في طريقه خارجا من سوريا، فإن شيئا غير عادي قد ضاع، شيئا يربط آلاف القراء في شبكة مشتركة من التفاهم والتقدير.ونحن ننعي أنتوني زميلا وصديقا،عرفناه مع أننَّا لم نقابله قط،إننا نشعر بعظم المصاب لفقدان عزيز علينا في جريدة كثيراً ما تناولتها أيدينا.
لقد لعبت أصوات الآلاف من المواطنين دورا محوريا في الأحداث التي شهدها العالم العربي خلال العام المنصرم، وحتى قبل ذلك في إيران عام 2009. ولولا الكثير من مَن نسميهم الآن بالمواطنين الصحفيين، أولئك الذين يُسجِّلون الوقائع على طبيعتها باستخدام الهواتف المحمولة فقط، لكان جانبا كبيرا من المأساة التي تتكشف أبعادها بقسوة في سوريا الآن قد ظل سرا مخفيا. إلا أن أنتوني لم يكن إلا واحدا من قلة قليلة من الصحفيين الشجعان الذين تسللوا إلى داخل البلاد وسط مخاطر شديدة.وتحرص معظم تقارير وسائل الإعلام على التنويه حينما لا يمكن التحقق من مصادر أخبارها من المواطنين، أو بعبارة أخرى حينما لا يكونون صحفيين معروفين. وعليه، فما الذي يجعل الصحفي متميزا موثوقا به وصادقا؟هناك نظام معقد للتفحص والتحقق في الصحف، والأسماء الكبيرة من المنشورات والمطبوعات في شتَّى أنحاء العالم تسعى جاهدة للتحقق من صحة الأحداث والوقائع.وتوجد أيضا قواعد للسلوك وأخلاقيات للمهنة.ولكن قبل ذلك كله تأتي الثقة التي يكتسبها الصحفي.لقد عملت في مجال الصحافة طوال قرابة 20 عاما وكان أغلى شيء عندي هو اسمي الصحفي.فإذا تصرف الصحفي باستهتار ولامبالاة، وشوَّه الحقائق، فإن اسمه يفقد قيمته وبريقه، ويخسر هو مصداقيته. فإذا كنت شغوفا بشيء يجب ألا تُضخِّم أو تبالغ، فدورك كصحفي هو أن تلاحظ وتسأل.وكصحفية كنت أقدر الامتيازات التي أتمتع بها، لأنني وكمراسلة صحفية لي "الحق" في أن أتصل بأي شخصية معروفة أو مسؤول لأسأله عن رأيه، ولماذا فعل شيئا ما.وبالطبع قد لا تنجح دائما في الوصول إلى ذلك الشخص أو قد يرفض الرد على سؤالك ولكن تحاول دائما.
ثم هناك ما هو متعلق بالملاحظة ومشاهدة شيء ما يحدث ومتابعة التفاصيل وتجميعها على نحو يصلح للقراءة. وقد كان أنتوني شديد من أولئك الصحفيين دقيقي الملاحظة. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز أحد آخر مقالاته قبل وفاته من مدينة طرابلس الليبية، ولفت نظري دقة ملاحظته وسلاسة وصفه وأهمية الأسئلة التي يطرحها والتعليقات التي يسجلها.فهو يرصد أيضا سياق الأحداث، وهي مهمة دقيقة لأي صحفي، إنها الخيط الذي يربط السياق الكامل بالإطار الأوسع للأشياء.ويكتب أنتوني عن ليبيا: "يسود هنا شعور بالتشوش والفوضى" وهي جملة مثيرة للعواطف على نحو مدهش تتراوح حولها رواياته المباشرة للأحداث من المواطنين العاديين الذين تعصف بهم الأحداث وحتى المصادر الرسمية.
رغم عشقي لوسائل الإعلام الجديدة لكنني أرجو أيضا أن يكون بيننا أمثال أنتوني شديد، محترفون من طراز خاص، يتطلع إليهم زملاؤهم والقراء وهم يكتبون موضوعا متميزا على الصفحة الأولى. شكرا لك أنتوني.
انضم إلى النقاش