خمسون عامًا من الشراكة والتنمية مع المملكة العربية السعودية

الصفحة متوفرة باللغة:
خمسون عامًا من الشراكة والتنمية مع المملكة العربية السعودية المملكة العربية السعودية تحتفل باليوم الوطني الخامس والتسعين. (freshcare/Shutterstock)

بينما تحتفي المملكة العربية السعودية بيومها الوطني، نُشاركها نحن في مجموعة البنك الدولي هذا اليوم عبر الإشادة بالإنجازات البارزة التي حقَّقتها المملكة وشعبها. وتُعَدُّ هذه المناسبة فرصة ثمينة للتأمُّل في المسار الطموح الذي قطعته المملكة في سبيل النهوض باقتصادها ومجتمعها، مدفوعة بروح راسخة من الوحدة والرؤية المشتركة للمستقبل. كما تُتيح لنا هذه المناسبة الفرصة للاحتفاء بشراكتنا طويلة الأمد مع المملكة، وهي شراكة مبنية على الثقة المتبادلة، وتستند إلى رؤية مشتركة، وإلى التزام راسخ بدعم مسار التنمية التحويلية. وعلى مدار العقود، واصل تعاوننا مع المملكة تطوره، مسترشدًا برؤى مشتركة وتوافق استراتيجي مع أولويات التنمية. 

لقد كانت رحلتنا مع المملكة العربية السعودية طويلة وزاخرة بالإنجازات، وهي تمتدُّ لعقود بدأت في أغسطس عام 1957، حين انضمت المملكة إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD)، والمعروف أكثر باسم البنك الدولي. وقد أعقب ذلك انضمامها إلى المؤسسات الأربع الأخرى التابعة لمجموعة البنك الدولي1، في خطوة تعكس رؤيتها الاستشرافية والتزامها الراسخ بالتقدم الاقتصادي على الصعيد العالمي. وفي سبعينيات القرن الماضي، ساهمنا في دعم مبادرات تنموية رئيسية من خلال مشروعات للمساعدة الفنية شملت مجالات النقل، وتخطيط القوى العاملة، وبرامج لمحو الأمية، وتحسين مرافق الحج والعمرة، فضلاً عن دراسات جدوى لمشروع الجسر البري السعودي-البحريني. 

وقد أرست هذه اللبنات الأولى من التعاون أسُس علاقة أعمق، تُوِّجت بتوقيع مذكرة تفاهم لاتفاقية بشأن برنامج تعاون فني مشترك في ديسمبر 1975، وافتتاح مكتب بعثتنا المقيمة في الرياض. ونحن نحتفي هذا العام، وبكلِّ فخر، بالذكرى الخمسين لهذه المحطة المفصلية في مسار شراكتنا. فما بدأ قبل خمسين عامًا كبعثة مقيمة تضمُّ أربعة خبراء فقط، نما ليُصبح مكتبًا إقليميًّا يُعنى بدول مجلس التعاون الخليجي. واليوم، بات هذا المكتب، الذي يرأسه مدير إقليمي، يضمُّ أكثر من خمسين كادرًا مهنيًّا يساندون مبادرات القطاعين العام والخاص في المملكة العربية السعودية، وعبر دول مجلس التعاون الخليجي.

يُعَدُّ تطور المملكة العربية السعودية منذ ذلك الحين من أبرز قصص النجاح في هذا العصر، لا سيَّما خلال العقد الماضي، ونحن نفخر بكوننا جزءًا من هذه المسيرة. وبصفتها أول دولة تستعين بخدمات البنك الدولي الاستشارية مستردة التكلفة (RAS)، المصمَّمة خصيصًا للدول الأعضاء ذات الدخل المرتفع، استفادت المملكة من هذا الدعم الفني والاستشاري في وضع الاستراتيجيات، وإطلاق الإصلاحات، وتنفيذ البرامج في العديد من القطاعات الحيوية. 

لقد أدَّت مجموعة البنك الدولي دورًا محوريًّا في دعم مسيرة المملكة نحو تحقيق رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني، من خلال عُرى تعاون امتدَّت لتشمل معظم القطاعات، بدءًا من تنويع الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار، وإصلاحات سوق العمل، والتنمية الرقمية، ووصولاً إلى تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، ورفع جودة الرعاية الصحية والتعليم، وتحسين السلامة على الطرق، وتطوير التنمية الحضرية، وتعزيز السياحة المستدامة. وفي حين أنَّ أثر شراكتنا ملموس في العديد من المجالات، أودُّ أن أسلط الضوء على ثلاثة أمثلة بارزة على ما نُقدِّمه من دعم:

  • التمكين الاقتصادي للمرأة: أسهم البنك الدولي في تعزيز الإصلاحات التي مكَّنت المرأة من المشاركة بشكل أقوى في سوق العمل. وقد أسفر ذلك عن نتائج استثنائية ملموسة، حيث ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 24٪ في عام 2019 إلى 34٪ في عام 2024، ما يعكس تحولاً نوعيًّا في تمكين المرأة اقتصاديًّا.

  • التنمية الرقمية – الحكومة الإلكترونية: ساند البنك الدولي التحول الرقمي الحكومي في المملكة العربية السعودية منذ عام 2019، مما أسهم في رفع تصنيف المملكة في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية الصادر عن الأمم المتحدة من المرتبة 52 في عام 2019 إلى المرتبة 6 في عام 2024. وقد أثمرت هذه الجهود عن إعداد أبحاث وأطر عمل مشتركة. هذا ويأتي استثمار المملكة البالغ 25 مليار دولار في عام 2025 في البنية التحتية الرقمية، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والمهارات الرقمية ضمن مساعيها لتعزيز خلق فرص عمل مدفوعة بالتكنولوجيا وترسيخ مكانتها كمركز تقني إقليمي.

  • نظام الحماية الاجتماعية: قدَّم البنك الدولي خدمات استشارية ومساعدة فنية لدعم تعزيز نظام الحماية الاجتماعية في المملكة، الذي يُعَد اليوم من أبرز الأنظمة الحديثة لتقديم الخدمات الاجتماعية على مستوى العالم.

وتعود المنفعة من هذه الشراكة على كلا الجانبين؛ إذ وطَّدت المملكة العربية السعودية علاقتها مع مجموعة البنك الدولي لتصبح أكبر مساهم عربي وواحدة من أبرز عشرين جهة مانحة منذ انطلاق هذه الشراكة، مساهمةً بذلك في دعم التنمية العالمية ورسم ملامح مستقبل التعاون الدولي. وبصفتها إحدى الدول الرائدة في المنطقة، تضطلع المملكة العربية السعودية بدور فاعل في تعزيز جهود التنمية، من خلال مبادرات نوعية مثل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وأكاديمية سوق العمل العالمية، ومنظمة التعاون الرقمي، وغيرها. 

وفي ديسمبر الماضي، وقَّع رئيس مجموعة البنك الدولي، أجاي بانغا، اتفاقية مع معالي الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي لإنشاء أول مركز معرفي (K-Hub) مشترك بين مجموعة البنك الدولي والمملكة العربية السعودية، وذلك بالشراكة مع المركز الوطني للتنافسية (NCC) في الرياض. ويُعَدُّ هذا المركز منصة عالمية لتبادل الأفكار، والخبرات، وأفضل الممارسات، بهدف التصدي لأبرز التحديات التنموية، مع تعزيز مشاركة المملكة لتجاربها التحويلية على الصعيد الدولي ومواصلة استفادتها من الخبرات والتجارب العالمية.

ومع استشراف الخمسين عامًا المقبلة، ينبغي أن تتَّسم شراكتنا بالتوسع والإقدام. فالمملكة العربية السعودية، بموجب رؤية 2030، تُعيد هيكلة مؤسساتها، وتستثمر في البنية الرقمية، وتُوسِّع الفرص أمام الشباب والنساء، وتفتح آفاقًا جديدة للابتكار وريادة الأعمال والاستدامة. وهذه ليست مجرد أهداف وطنية، بل طموحات عالمية نتشاركها في مجموعة البنك الدولي، حيث تستدعي رسالتنا – المتمثِّلة في بناء عالم خالٍ من الفقر على كوكب صالح للعيش – تحقيق نمو شامل، وإقامة مؤسسات قوية، والدفع نحو تحول مناخي يُراعي الجميع. ونجد في المملكة العربية السعودية شريكًا واعيًا للتحديات، وراغبًا في أن يكون قدوةً يُحتذى بها.

في هذا اليوم الوطني، تتجلى قوة شراكتنا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، فيما يعد المستقبل بتعميق أواصر التعاون، وتوسيع نطاق التأثير، وفتح آفاق أوسع للمملكة والعالم في ميدان التنمية.

[1] المؤسسة الدولية للتنمية (IDA): 1960؛ مؤسسة التمويل الدولية (IFC): 1962؛ المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID): 1980؛ الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA): 1988


صفاء الطيب الكوقلي

مديرة البنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000