تشير الأبحاث إلى أن المساواة بين الجنسين مهمة من الناحية التجارية وانها عنصر أساسي في تشجيع النموالاقتصادي. ولكن المرأة لا تزال مستبعدة من المجال الاقتصادي .وتأتي مصر ضمن الدول التي يمكنها استثمار الطفرة الاقتصادية في المرحلة الانتقالية لا سيما وأن ملايين الأسر التي تعتمد على قطاع السياحة المتراجع تعاني من صعوبات في تلبية احتياجات الحياة الأساسية.
وواقع الحال أن ما قمنا به من أبحاث أظهرت أن المرأة المصرية التي تقبل على القيام يمشروعات خاصة تواجه تحديات عديدة خاصة في الحصول على تمويل. فبالنظر إلى تكاليف التمويل، تشير االبيانات إلى أن البنوك تضع شروطاً أكثر صرامة بالنسبة للضمانات اللازمة لحصول صاحبة المشروع الخاص على تمويل، نظراٌ لتصنيف هذا النوع من التمويل كونه عالى المخاطر. كما أن تقديم الضمانات يمثل أيضاً عائقاً أمام السيدات اللاتي هم تحت وصاية أقاربهن الذكور وغير قادرات على إدارة أصولهن على نحو مستقل.
ونتيجة لذلك، نجد أن خدمات التمويل محدودة للغاية أمام المرأة في مصر. ولا تزيد نسبة الحاصلات على تمويل من البنوك إلى الاجمالي عن 10 إلى 25 في المائة، ومعظمهن يحصلن على تمويل متناهي الصغر. حيث أن نسبة صاحبات العمل الخاص اللاتي يحصلن على تمويل من البنوك التجارية لا تتجاوز 20 في المائة.
وفي إطار أنشطة البنك الدولي في مجال مساندة وتمكين المرأة وتحسين فرص الحصول على التمويل، نستهدف وضع البرامج التي تعمل على إتاحة المزيد من الفرص الاقتصادية أمام المرأة من خلال زيادة فرص حصولها على التمويل .
وقد أتاح مشروع البنك الدولي الخاص بـتعزيز قدرة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة على الحصول على التمويل للمرأة في مصر، فرصة لتحقيق حلمها البسيط في إقامة مشروع من خلال توفير تمويل بقيمة 300 مليون دولار يتم إتاحتها بالأساس للمشروعات الصغرى والصغيرة لا سيما تلك المشروعات التي تديرها المرأة في القرى الفقيرة والنائية. ويجري حالياً التوسع في هذا المشروع كي يتضمن أشكالاً أخرى من التمويل لقطاعات تربية الدواجن والماشية والحرف اليدوية ــ والتي تعد قطاعات واعدة وهامة وتمثل مشروعات يمكن من خلالها تحقيق الاستدامة والنمو. كما يقوم البنك بالعمل على تكييف هذه المنتجات والقروض مع الثقافة المحلية السائدة بما يتماشى مع أحكام الشريعة، وهو ما تطالب به المرأة في المناطق الريفية.
وتشير دراساتنا إلى أن ما نقوم به من جهود لتحقيق المساواة في هذا المجال يحقق الفائدة المرجوة منه. فمن خلال القروض المتناهية الصغر التي نقدمها استطاعت السيدات اللاتي تدير مشروعات ممولة من خلال برامجنا عمل مشروعات ناجحة في أنشطة متعددة منها محلات للبقالة وورش حياكة صغيرة قادرة على الاستدامة والاستمرار في النشاط وتحقيق أرباح. وقد تحقق التمكين الاقتصادي لما يزيد على 15 ألف صاحبة مشروع خاص في الإسكندرية والأقصر وغيرها من المحافظات وإن كان ما تم صرفه من تمويل لم يتجاوز نصف المستهدف.
وحقيقة الأمر أن المنافع المتحققة من تلك المشروعات عديدة، بل إن نطاقها قد يتجاوز الأسر إلى المجتمع بأسره. فقد وجدنا من خلال ما نقوم به من مشروعات أن توفير التمويل اللازم لم يحقق فقط التمكين الاقتصادي للمرأة، بل مكنها أيضا من تحسين مستوى معيشة أسرتها والمشاركة في اتخاذ قرارات الأسرة الخاصة بأولويات الإنفاق. كما أن صاحبات المشروعات الخاصة بدأن في المشاركة بايجابية في حل مشكلات المجتمع، وهن الآن يساهمن في الإنفاق على أوجه الرعاية الصحية وتعليم أطفالهن، ويعملن على توسيع مجالات مشروعاتهم ويوفرن فرص عمل لآخرين. والحق نقول أن تجربتنا في مصر أظهرت أن الاعتماد على المرأة، وتوفير لها ما تحتاجه من تمويل يعود بعائداً هائلاً لها وللأسرة والمجتمع، وتوسيع المجال أمامها سينعكس على فرص تنمية الاقتصاد ككل. وإنني أجزم يقيناً أن توسيع نطاق الفرص الاقتصادية أمام المرأة خيار هام واستراتيجي للنمو ليس فقط في مصر ولكن في جميع أنحاء العالم.
انضم إلى النقاش