تسببت جائحة فيروس كورونا في ركود اقتصادي شديد في معظم بلدان العالم لدرجة أنهما باتا يشكلان معاً أسوأ أزمة اقتصادية يمر بها العالم منذ الكساد الكبير في 1929-1933. وتظهر النتائج التي خلص إليها البنك الدولي مؤخراً أن تداعيات جائحة كورونا في عامي 2020/2021 من المحتمل أن تزيد عدد من يعيشون في فقر مدقع ما بين 110 ملايين و150 مليون شخص.
وقد ساعدت الإصلاحات التي نفذتها مصر في الاقتصاد الكلي في السنوات الاخيرة على استقرار وضع الاقتصاد، مما مكَّن البلاد من مواجهة الجائحة بمستوى معقول من الاستقرار الاقتصادي، الأمر الذي خفف إلى حد ما من الصدمة التي أحدثتها أزمة كورونا. على الرغم من ذلك، كان لآثار الجائحة تداعيات على آفاق النمو في البلاد - مما أدى إلى إطالة أمد قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية القائمة منذ وقت طويل، إلا أنها أظهرت أيضاً ما يمكن لمصر فعله لتحقيق التعافي وإعادة البناء على نحو أفضل بطريقة تمكن البلاد من تحقيق كامل إمكاناتها.
لتحقيق هذه الغاية، ثمة حاجة إلى تبني نهج متعدد الأبعاد لوضع مصر على طريق التنمية الشاملة الخضراء، وحماية الفقراء، وتعزيز رأس المال البشري، والمساعدة في خلق فرص العمل في القطاع الخاص، وتعزيز السياسات العامة والمؤسسات والاستثمارات.
وجاء الدعم الذي قدمه البنك الدولي على النحو التالي:
- حماية المواطنين الفقراء وتعزيز رأس المال البشري .
- منذ بدئه عام 2015، تمكن مشروع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي في مصر، بقيمة 400 مليون دولار، والتمويل الإضافي، بمبلغ 500 مليون دولار، من الوصول إلى ما يقرب من 3.4 مليون أسرة (نحو 12 مليون مواطن). وساعد الدعم المقدم لبرنامج "تكافل وكرامة" للتحويلات النقدية المشروطة وغير المشروطة على تعزيز رأس المال البشري في مصر، بما في ذلك في مجالي الصحة والتعليم. وتمثل النساء ثلاثة أرباع المستفيدين من البرنامج، وتوجه 67% من مدفوعات البرنامج إلى الصعيد. وأضافت تلك العملية 411 ألف أسرة أثناء الجائحة، مما عزز قدرة برنامج "تكافل وكرامة" وكفاءته في الوصول إلى أكثر الأسر فقراً وضعفاً. ولتشجيع استقلال المستفيدين مالياً، ينفذ المشروع برامج تجريبية لنماذج الشمول الاقتصادي ونماذج التأهيل في ثماني محافظات في إطار برنامج "فرصة". وتوفر هذه البرامج التجريبية عمليات الربط اللازمة للحصول على الفرص الاقتصادية من خلال توفير أصول الإنتاج ونقل ملكيتها للمستحقين وتوفير فرص عمل بأجر والتدريب، مع التركيز بصفة خاصة على النساء والشباب.
- يهدف برنامج دعم نظام التأمين الصحي الشامل في مصر، الذي بدأ عام 2020، بإجمالي 400 مليون دولار، إلى دعم الجهود المبذولة لضمان توافر رعاية صحية شاملة عادلة وعالية الجودة. وبالإضافة إلى وضع اللبنات الأساسية لنظام الرعاية الصحية الشامل عن طريق إنشاء أنظمة مالية وتشغيلية وتأمينية، ومن خلال دعم أربع هيئات جديدة معنية بهذا النظام، يدعم هذا المشروع بدء المرحلة الأولى من نظام الرعاية الصحية الشامل في محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وجنوب سيناء والأقصر وأسوان. ووفر المشروع حماية مالية مؤقتة للمواطنين الأكثر ضعفاً في جميع أنحاء البلاد من تكاليف الخدمات الصحية الباهظة الناتجة عن فيروس كورونا.
- للمساعدة في إعداد الطلاب للحصول على وظائف في المستقبل، وإكسابهم المهارات الأكاديمية والحياتية اللازمة ليصبحوا مواطنين مؤثرين ومنتجين، بدأ مشروع دعم إصلاح التعليم في مصر عام 2018 بغية دعم الإصلاحات التي تنفذها الحكومة. وتهدف هذه العملية إلى تحسين عمليتي التعليم والتعلم في المدارس الحكومية، وذلك عن طريق: (1) تحسين جودة عملية التعليم في رياض الأطفال لمساعدة الأطفال على الاستعداد للالتحاق بالمدارس والتعلم؛ (2) تعزيز أنظمة التطوير المهني وممارساتها الفعالة للمعلمين والمشرفين والقيادات التعليمية؛ (3) الاستخدام المكثف للموارد الرقمية في عمليتي التعليم والتعلم؛ (4) إصلاح شامل لنظام تقييم الطلاب من أجل تحسين عملية التعلم، مع التركيز بصفة أساسية على امتحانات المرحلة الثانوية (التي تحدد الانتقال إلى الجامعة).
- خلق فرص العمل
- صدر تقرير الدراسة التشخيصية للقطاع الخاص في مصر في شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 بهدف دعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص عن طريق تحليل التحديات التي يواجهها هذا القطاع. ويهدف التقرير أيضاً إلى تسليط الضوء على الاستثمار الخاص، وإمكانيات النمو في مجال خلق فرص العمل لإيجاد بيئة أعمال أكثر ديناميكية. ويحدد التقرير التجارة والخدمات اللوجيستية ودور الدولة والمنافسة والعدالة التجارية باعتبارها مجالات بالغة الأهمية وتحتاج إلى بعض الإصلاحات، في حين تم تحديد الصناعات الغذائية والتصنيع وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بوصفها قطاعات تمثل فرصاً كبيرة لتحقيق النمو والتوسع.
- بدأ مشروع تحفيز ريادة الأعمال لخلق فرص العمل عام 2020 لتوفير حزمة شاملة من الدعم المالي وغير المالي للمؤسسات التقليدية الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، وأيضاً للشركات الناشئة التي تتسم بمعدلات نمو مرتفع مع التركيز على النساء والشباب. ويتعاون المشروع مع وسطاء ماليين بغية تيسير التمويل بالإقراض وتدبير رأس مال إضافي. وحتى اليوم، وفرت هذه العملية ما يربو على 30 ألف وظيفة وحافظت على استمرارها، وهي تهدف إلى خلق 100 ألف وظيفة بحلول عام 2025.
- تعزيز السياسات والمؤسسات والاستثمارات لتحقيق التعافي المستدام والقادر على الصمود
- بدأ مشروع إدارة جودة الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى في سبتمبر/كانون الأول 2020 للمساهمة في تحقيق تعافٍ مستدام وقادر على الصمود، بما في ذلك الاستجابات المحددة لمكافحة فيروس كورونا، وذلك دعماً للجهود الحكومية الرامية إلى التخفيف من حدة المخاطر الصحية والبيئية. وتركز أنشطة المشروع على بناء قدرة المؤسسات والأنظمة على الاستجابة والصمود، مع التركيز على قطاع الصحة الذي يتولى معالجة النفايات الملوثة والحد منها، وعلى قطاع الخدمات الذي يعزز سلامة العمال، ويزيد الوعي بشأن الارتباط بين المخاطر المتزايدة لأمراض الجهاز التنفسي الناتجة عن تلوث الهواء. بالإضافة إلى العمل داخل المستشفيات الجامعية لدعم إدارة أفضل للنفايات الصحية، تُعد الأنشطة التي ينفذها المشروع المتعلقة بفيروس كورونا بالغة الأهمية نظراً لوجود عدد كبير من العمال، الرسميين منهم وغير الرسميين، الذين يشاركون في إدارة النفايات في منطقة القاهرة الكبرى الذين قد لا تتوافر لهم إمكانية الحصول على معدات الحماية وتلقي التدريب.
- تسعى هذه العملية إلى تحقيق أهدافها العامة عن طريق ما يلي: 1) تحديث النظام المصري لرصد جودة الهواء؛ 2) مساندة إدارة المخلفات الصلبة في القاهرة الكبرى؛ 3) الإسهام في تقليص انبعاثات المركبات عن طريق مساندة تجربة نظام الحافلات الكهربائية في القطاع العام؛ 4) تدعيم الأنشطة الرامية إلى تغير السلوكيات المجتمعية وسلوكيات مقدمي الخدمات وضمان مشاركة المواطنين في تصميم المشروع وتنفيذه.
ويكمل شمول النهج الذي يتبعه البنك الدولي الموجة الثانية من الإصلاحات الهيكلية التي شرعت فيها البلاد، وسيساعد مصر على تمهيد الطريق لتحقيق تعافٍ أكثر قدرة على الصمود يتسم بالاستدامة والشمول بعد انحسار جائحة كورونا. على الرغم من أن الكشف عن آثار هذه الجائحة سيستغرق سنوات على الأرجح، فإن البنك الدولي يفخر بالشراكة مع مصر في رحلتها لإعادة البناء بشكل أفضل وتحقيق نمو اقتصادي بمقدوره الصمود أمام اختبار الزمن وتحقيق الفائدة لجميع المصريين.
مواضيع ذات صلة
البنك الدولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
انضم إلى النقاش