نشر في أصوات عربية

البناء من أجل النمو، لا الصفوة

الصفحة متوفرة باللغة:

Image

تتحدث وسائل الإعلام عن اكتشاف متاهة من الأنفاق مكيفة الهواء تحت مجمع معمر القذافي. وإلى أن تمت الإطاحة بصدام حسين ، كان قد شيّد حوالى 80 قصرا في العراق، مع نقش الأحرف الأولى من اسمه على الجدران والأعمدة والأسقف. وهذا بالطبع ليس مقصورا على المنطقة؛ فمنزل الجمهورية الذي كان نيكولاي شاوشيسكو يقيم فيه في رومانيا مازال ثاني أكبر مبنى في العالم، إذ يضم 1000 غرفة وحوالي 500 ثريا من الكريستال.

إن هذه المباني التي تتسم بالبذخ تلقي الضوء على الأسباب التي تحول  دون أن تؤدي الاستثمارات في مجال البنية التحنية  من دفع عجلة النمو، خصوصا مع غياب الحكم الرشيد. فغياب الشفافية والمحاسبة يؤدي إلى عدم معاقبة الإسراف في الإنفاق.

ويؤكد تقرير آفاق التنمية الإقتصاديةالمزمع إصداره قريباًعلى هذه المشكلة، وخاصة في البلدان المصدرة للنفط، مثل ليبيا وسوريا واليمن. وتؤكد النتائج التجريبية أن هناك علاقة إيجابية وذات دلالة بين التوسع في الاستثمار العام ونمو الدخل في البلدان التي تتمتع بدرجة جيدة من سيادة القانون (بما يتجاوز الوسيط الحسابي)، لكن هذه العلاقة تنهار في البلدان التي تعاني من الحكم السيئ.

فحين يكون الحكم رشيدا، تجتذب الاستثمارات العامة الاستثمارات الخاصة عن طريق توفير الطاقة والطرق واللوجستيات وروابط الاتصال الضرورية للشركات كي تنتج.

ومع الحكم غير الرشيد، تنافس الاستثمارات العامة على الأرجح الاستثمارات الخاصة باستخدام الموارد التي كان القطاع الخاص سيستخدمها،إذا رفعت الاستثمارات الحكومية -على سبيل المثال- تكلفة الموارد على القطاع الخاص.ويحدث ذلك على الأرجح حين تسرف الحكومات في الاقتراض ويرفع الإنفاق العام أسعار الفائدة.

وعلاوة على ذلك، فإن الاستثمار العام في ظل الحكم غير الرشيد قد لا يحفز النمو لأنه ينفق على أصول غير إنتاجية لا يرغبها سوى مجموعات المصالح الخاصة، كمتاهة الأنفاق أو عشرات القصور. ومع غياب المحاسبة، قد يؤدي الاستثمار العام أيضا إلى سلوك مفرط يبحث عن ريع غير منتج، مع تنافس الوكلاء على العقود السخية.

وبشكل عام، تؤكد النتائج أن الاستثمار العام لا يمكن أن يعوض الاستثمار الخاص، وخاصة حين يكون الحكم غير رشيد.والعكس صحيح أيضا؛ الاستثمار الخاص يتردد في التوجه إلى البلدان التي تعاني ضعف سيادة القانون لأن حقوق الملكية تكون غير راسخة وتكلفة الموارد يحيطها الغموض.

 وكي يستعيد الاستثمار مستويات ما قبل الربيع العربي وأعلى منها، ينبغي تعزيز الشفافية والمحاسبة؛ فالاستثمار قفز في كثير من البلدان التي تشهد فترات انتقالية والتي قامت بتحركات واضحة لتحسين نظام الإدارة العامة. وتجتذب البلدان التي تحتل مراكز مرتفعة على مؤشرات سيادة القانون قدرا أكبر من الاستثمارات الأجنبية عن طريق الشركات المتعددة الجنسيات.

إن نظام الإدارة العامة يقوم على إعلاء صوت المواطن، لكنه ضروري أيضا للحيلولة دون سوء تخصيص الموارد.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000