* نقدم مدونتين تعالجان التحدى المعقد للتنمية في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراعات. يستخدم د. علاء الترتير مدير البرامج في شبكة السياسات الفلسطينية، مثال الأراضي الفلسطينية للتأكيد على الحاجة إلى فهم الأبعاد السياسية لعدم الاستقرار من أجل وضع سياسات فاعلة للتصدي لها. ويقول ستين يورجنسن، المدير القطري للبنك الدولي في الأراضي الفلسطينية إن المساعدات تمثل أمرا ملحا على وجه خاص في البيئات الهشة، لحماية الفئات الأكثر ضعفا، ولتعزيز التنمية التي تمثل مفتاح السلام والاستقرار في نهاية المطاف
هل أعاقت "النوايا الحسنة" للمجتمع الدولي ومؤسساته الدولية كالبنك الدولي التقدم والنمو في البلدان والأراضي التي تعاني من الاضطرابات والعنف؟ حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة تجيب "بنعم" قوية ومؤكدة على هذا السؤال.
ظل المانحون الدوليون خلال تصديهم لما بات يعرف "بالأوضاع الهشة"، متمسكين بنهج يخلو من أي جوهر سياسي. بل إن نهجهم يؤكد على محورين أساسيين: تفوق الدلائل الكمية المستندة إلى مؤشرات احصائية على الأيديولوجيا في التأثير على السياسات وتحديد شكلها؛ وقوة المبادرة والإقدام والايجابية بدلا من الالتزام بالوضع الدفاعي والسلبية فقط.
ونتيجة لذلك، وبدلا من معالجة الأسباب الجذرية لأوضاع الهشاشة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعامل المانحون، بما فيهم البنك الدولي، مع أعراض المشكلة بشكل أساسي وليس مع جوهرها. ومن ثم، فقد تسببوا بدورهم في استمرار الوضع الراهن، من هشاشة وإدارة للصراع واحتلال عسكري وانتهاكات لحقوق الإنسان. والنتيجة، المزيد من التكريس لأوضاع الهشاشة وإخفاق الدولة في القيام بوظائفها وغياب بل انكار التنمية.
من الأهمية بمكان الإقرار بأن الأسباب الرئيسية لأوضاع الهشاشة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والاستعمار، وأنظمة وهياكل الفصل العنصري. ومن ثم، تحتاج السياسات والإجراءات التدخلية الاقتصادية إلى التعاطي مع هذا الواقع، وليس إلى اعتبار فلسطين إطارا هشا في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع. ومن المهم أن نتذكر أيضاً أن الفقر والبطالة وعدم المساواة والتحديات الإنمائية الأخرى تنبع جميعا من السياسة، أي أن جذور هذه التحديات سياسية بالأساس. ويجب أن تكون هذه الحقائق، التي تجعل التحليل الاقتصادي تحليلا صعبا وغير تقليدي، نقطة الانطلاق لأي تدخل خارجي. بمعنى آخر، بدلا من وضع حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة في إطار معين، ينبغي بالأحرى توسيع هذا الإطار ليضم المستويات المتعددة للأوضاع المعقدة.
وبلا شك، يمكن القول جدلا بأن فلسطين حالة استثنائية وغريبة. لكني لا أتفق مع ذلك. بالفعل، أنا أحاجج بأنه إذا أراد البنك الدولي أن "يحدث ثورة" في نشاطه في مجال الهشاشة، فعليه أن يتخذ من حالة فلسطين المحتلة مسبارا لقياس نجاحه أو فشله. فالأراضي الفلسطينية المحتلة ليست حالة استثنائية، خاصة وأن مسئولي البنك الدولي أبلغوني بأنهم يخططون لتصدير "النموذج الفلسطيني"، الذي يصل عمره إلى ربع قرن، إلى العالم العربي الجديد. (المزيد من التحليل لصناعة المساعدات الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أعقاب الانتفاضات العربية في عام 2011 يمكن الاطلاع عليه هنا).
ورغم ما يمكن التذرع به من أن تفويض البنك الدولي محدود، وبأنه لا يتدخل في السياسة، فإنني أعتقد وأحاجج بأن سياسات البنك الدولي بالتحديد، وسياسات مجتمع المانحين الدوليين على نطاق واسع، مدفوعة سياسيا بمنطق اقتصادي، و/أو تنجم عنها مدلولات وعواقب سياسية كبرى. وهنا يكمن التوتر الخطير الذي ينبغي التصدي له ومعالجته لضمان الحصول على نتائج أفضل.
فالحلول الفنية والتقنية وحدها، بغض النظر عن مدى جودتها، ستأتي دوما ناقصة في معالجة المشاكل السياسية كالأوضاع الهشة. وكفكرة ناشئة، من المهم التحقق من الفرضيات والافتراضات ومجموعة التوصيات الخاصة بالسياسات الناجمة عن أوضاع الهشاشة. ولا يقل أهمية عن ذلك وضع وتحليل الأوضاع الهشة وهشاشة الدول في إطار الاقتصاد السياسي، وهو إطار غير موظّف حاليا. كيف يمكن الفصل بين السياسة وتحليل الهشاشة؟ كيف يمكن ضمان ألا يؤدي الإطار والفهم الحالي لأوضاع الهشاشة، وفقا لما تبناه البنك الدولي وأطراف فاعلة رئيسية أخرى في صناعة المساعدات الدولية، إلى استمرار الوضع الراهن من الصراع المستمر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؟ هذا أمر حيوي لأن استمرار الوضع الراهن يعني استمرار العوامل الرئيسية التي خلقت الظروف الهشة في الأساس.
وباستبعاد السياسة، فإننا سنواصل الدوران حول المشكلة ولن نتصدى أبدا لأسبابها الجذرية. ومن الأفضل كثيرا إدراك أن أسباب الأوضاع الهشة هي في أصلها وجوهرها سياسية.
في النهاية، حان الوقت لكي يأخذ نظام المساعدات الدولية مأخذ الجد الحاجة إلى تقرير المصير وإلى القيادة الديمقراطية المحلية لعملية التنمية. وفوق كل هذا، تمثل الكرامة الإنسانية العنصر الأهم في التصدي لأوضاع الهشاشة وغياب التنمية. فالإذلال لا يسبب فقط الشعور بالمرارة: بل إنه يكرّس الأوضاع الهشة ومن ثم يزيد من التكلفة الاقتصادية. فاحترام الكرامة الإنسانية وإعلائها في سياق الهشاشة ليس نهجا ذا دوافع أيديولوجية؛ بل إنه بالأحرى خيار تدعمه الكثير من الشواهد والدلائل.
هل أعاقت "النوايا الحسنة" للمجتمع الدولي ومؤسساته الدولية كالبنك الدولي التقدم والنمو في البلدان والأراضي التي تعاني من الاضطرابات والعنف؟ حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة تجيب "بنعم" قوية ومؤكدة على هذا السؤال.
ظل المانحون الدوليون خلال تصديهم لما بات يعرف "بالأوضاع الهشة"، متمسكين بنهج يخلو من أي جوهر سياسي. بل إن نهجهم يؤكد على محورين أساسيين: تفوق الدلائل الكمية المستندة إلى مؤشرات احصائية على الأيديولوجيا في التأثير على السياسات وتحديد شكلها؛ وقوة المبادرة والإقدام والايجابية بدلا من الالتزام بالوضع الدفاعي والسلبية فقط.
ونتيجة لذلك، وبدلا من معالجة الأسباب الجذرية لأوضاع الهشاشة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعامل المانحون، بما فيهم البنك الدولي، مع أعراض المشكلة بشكل أساسي وليس مع جوهرها. ومن ثم، فقد تسببوا بدورهم في استمرار الوضع الراهن، من هشاشة وإدارة للصراع واحتلال عسكري وانتهاكات لحقوق الإنسان. والنتيجة، المزيد من التكريس لأوضاع الهشاشة وإخفاق الدولة في القيام بوظائفها وغياب بل انكار التنمية.
من الأهمية بمكان الإقرار بأن الأسباب الرئيسية لأوضاع الهشاشة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والاستعمار، وأنظمة وهياكل الفصل العنصري. ومن ثم، تحتاج السياسات والإجراءات التدخلية الاقتصادية إلى التعاطي مع هذا الواقع، وليس إلى اعتبار فلسطين إطارا هشا في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع. ومن المهم أن نتذكر أيضاً أن الفقر والبطالة وعدم المساواة والتحديات الإنمائية الأخرى تنبع جميعا من السياسة، أي أن جذور هذه التحديات سياسية بالأساس. ويجب أن تكون هذه الحقائق، التي تجعل التحليل الاقتصادي تحليلا صعبا وغير تقليدي، نقطة الانطلاق لأي تدخل خارجي. بمعنى آخر، بدلا من وضع حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة في إطار معين، ينبغي بالأحرى توسيع هذا الإطار ليضم المستويات المتعددة للأوضاع المعقدة.
وبلا شك، يمكن القول جدلا بأن فلسطين حالة استثنائية وغريبة. لكني لا أتفق مع ذلك. بالفعل، أنا أحاجج بأنه إذا أراد البنك الدولي أن "يحدث ثورة" في نشاطه في مجال الهشاشة، فعليه أن يتخذ من حالة فلسطين المحتلة مسبارا لقياس نجاحه أو فشله. فالأراضي الفلسطينية المحتلة ليست حالة استثنائية، خاصة وأن مسئولي البنك الدولي أبلغوني بأنهم يخططون لتصدير "النموذج الفلسطيني"، الذي يصل عمره إلى ربع قرن، إلى العالم العربي الجديد. (المزيد من التحليل لصناعة المساعدات الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أعقاب الانتفاضات العربية في عام 2011 يمكن الاطلاع عليه هنا).
ورغم ما يمكن التذرع به من أن تفويض البنك الدولي محدود، وبأنه لا يتدخل في السياسة، فإنني أعتقد وأحاجج بأن سياسات البنك الدولي بالتحديد، وسياسات مجتمع المانحين الدوليين على نطاق واسع، مدفوعة سياسيا بمنطق اقتصادي، و/أو تنجم عنها مدلولات وعواقب سياسية كبرى. وهنا يكمن التوتر الخطير الذي ينبغي التصدي له ومعالجته لضمان الحصول على نتائج أفضل.
فالحلول الفنية والتقنية وحدها، بغض النظر عن مدى جودتها، ستأتي دوما ناقصة في معالجة المشاكل السياسية كالأوضاع الهشة. وكفكرة ناشئة، من المهم التحقق من الفرضيات والافتراضات ومجموعة التوصيات الخاصة بالسياسات الناجمة عن أوضاع الهشاشة. ولا يقل أهمية عن ذلك وضع وتحليل الأوضاع الهشة وهشاشة الدول في إطار الاقتصاد السياسي، وهو إطار غير موظّف حاليا. كيف يمكن الفصل بين السياسة وتحليل الهشاشة؟ كيف يمكن ضمان ألا يؤدي الإطار والفهم الحالي لأوضاع الهشاشة، وفقا لما تبناه البنك الدولي وأطراف فاعلة رئيسية أخرى في صناعة المساعدات الدولية، إلى استمرار الوضع الراهن من الصراع المستمر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؟ هذا أمر حيوي لأن استمرار الوضع الراهن يعني استمرار العوامل الرئيسية التي خلقت الظروف الهشة في الأساس.
وباستبعاد السياسة، فإننا سنواصل الدوران حول المشكلة ولن نتصدى أبدا لأسبابها الجذرية. ومن الأفضل كثيرا إدراك أن أسباب الأوضاع الهشة هي في أصلها وجوهرها سياسية.
في النهاية، حان الوقت لكي يأخذ نظام المساعدات الدولية مأخذ الجد الحاجة إلى تقرير المصير وإلى القيادة الديمقراطية المحلية لعملية التنمية. وفوق كل هذا، تمثل الكرامة الإنسانية العنصر الأهم في التصدي لأوضاع الهشاشة وغياب التنمية. فالإذلال لا يسبب فقط الشعور بالمرارة: بل إنه يكرّس الأوضاع الهشة ومن ثم يزيد من التكلفة الاقتصادية. فاحترام الكرامة الإنسانية وإعلائها في سياق الهشاشة ليس نهجا ذا دوافع أيديولوجية؛ بل إنه بالأحرى خيار تدعمه الكثير من الشواهد والدلائل.
انضم إلى النقاش