أجبر تفشي جائحة فيروس كورونا بلدان العالم على إغلاق المدارس، الأمر الذي أثّر على 103 ملايين طالب في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي منتصف مارس/آذار الماضي، كان الأردن من أولى البلدان في المنطقة التي تستجيب للأزمة بفرض حظر التجول وإغلاق كافة المؤسسات التعليمية على مستوى المملكة. ولاستدامة التعلم أثناء الجائحة، لجأت وزارة التربية والتعليم إلى أدوات التعلم عن بعد، حيث سارع المسؤولون إلى الاستفادة من المواد المتاحة لدى القطاع الخاص لتطوير بوابة تعليمية تسمى "درسك" فضلاً عن قناتين تلفزيونيتين مخصصتين لتقديم محاضرات على الإنترنت. وتغطي هذه الموارد الموضوعات الأساسية التي يشتمل عليها المنهج الدراسي، وهي اللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم للصفوف من الأول الابتدائي إلى الثالث الثانوي.
بالإضافة إلى ذلك، أعيدت تهيئة القناة التلفزيونية الرياضية الأردنية لإذاعة برامج تعليمية مصممة خصيصاً للطلاب الذي يستعدون لخوض امتحان الثانوية العامة "التوجيهي". كما ساندت وزارة التربية والتعليم أيضاً المعلمين بتطبيق إجراءات تدخلية جديدة لتسهيل عملية الانتقال إلى التعلم عن بعد. منصة أُطلقت حديثاً لتدريب المعلمين تقدم دورات تدريبية حول أدوات التعلم عن بعد، والتعلم المختلط، وتكنولوجيا التعليم. وانطلاقا من الرغبة في عدم ترك أحد يتخلف عن الركب، حث رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الآباء على المشاركة في جهود الحكومة لضمان النجاح في التعلم عن بُعد. وتساعد هذه التدابير مُحكمة التوقيت على احتواء وتخفيف تأثير الجائحة على التعلم في الأردن.
الخطوة التالية هي أن تنظر الوزارة بعناية في نطاق الوصول والجودة. وقد أظهر تفشي الجائحات السابقة كأزمة إيبولا أن إغلاق المدارس يمكنه أن يفضي إلى خسائر على صعيد التعلم تؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأولى بالرعاية من السكان. كما سلطت الضوء أيضاً على أهمية استخدام أدوات التعلم عن بعد بشكل فعال مع تعزيز تكافؤ فرص الوصول لتقليل أثر الاضطرابات. يعطينا التحليل استناداً إلى برنامج التقييم الدولي للطلاب التابع لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي 2018، الذي أُجري على عينة تمثيلية وطنيّاً من الطلاب أعمار 15 سنة، فكرة عن استعداد الأردن للتعلم الرقمي واسع النطاق عبر "الفجوة الرقمية" بأبعادها الثلاثة الرئيسية: (1) إمكانية الوصول إلى الأجهزة الرقمية والإنترنت، (2) واستخدام الموارد عبر الإنترنت، (3) واستعداد المدرسة والمدرس للاستفادة من الحلول الرقمية من أجل التعلم.
في الأردن، يتمتع كثير من الأطفال بإمكانية الوصول، لكن الوصول الشامل لم يتحقق بعد. يفتقر أكثر من 16% من الطلاب في الأردن إلى إمكانية الوصول إلى الإنترنت، أي أقل بـ 16 نقطة مئوية عن متوسط منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، فيما لا يملك ثلثهم جهاز كمبيوتر يصلح لاستخدامه في أداء الواجبات المدرسية، أي أقل بـ 25 نقطة مئوية عن المعيار المرجعي لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وبإمعان النظر بمزيد من التفصيل، يتبين أن هذه الفجوة الرقمية توجد غالباً في الأسر منخفضة الدخل؛ فأقل من 30% من الطلاب الذين ينتمون إلى الفئات الأدنى من الوضع الاقتصادي لديهم جهاز كمبيوتر لأداء الواجبات المدرسية، وحوالي 50% فقط يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت.
ملاحظة: حسابات البنك الدولي استناداً إلى بيانات برنامج التقييم الدولي للطلاب 2018
نحتاج إلى المزيد من البيانات حول الاستخدام الرقمي. تشير نتائج برنامج التقييم الدولي للطلاب إلى أن الطلاب الذين يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت يستخدمون الموارد عبر الإنترنت، حيث أفاد 94% من الطلاب باستخدامهم الإنترنت لقراءة الرسائل البريدية الإلكترونية والبحث والمشاركة في المناقشة عبر الإنترنت والمراسلة. وتعتبر إمكانية الوصول ضرورية لكنها غير كافية للتعلم الفعال عن بُعد، ويجب أن تكمّلها بيئة تمكينية داعمة، سواء داخل النظام أو في تطوير الكفاءات الرئيسية بين الطلاب والمعلمين. وفي الفترة المقبلة، يلزم إجراء تقييم دقيق للمهارات التي تغطيها الموارد عبر الإنترنت، والتوصل إلى فهم لسبل نقل هذه المهارات إلى الطلاب بالشكل الأفضل. ومن دون مبادئ توجيهية واضحة، يعتبر التفاعل مع المحتوى عبر الإنترنت مهمة شاقة وأقل توجّهاً نحو التعلم، خاصة بين المجتمعات المحلية التي ربما لا تملك المهارات الرقمية اللازمة لتحقيق الاستفادة المثلى من الأدوات التي طورتها وزارة التربية والتعليم.
هناك أمثلة نموذجية لمدارس أردنية جاهزة للانتقال إلى التعلم عبر الإنترنت، لكن يمكن بذل المزيد من الجهود. وتلعب المدارس دوراً حاسم الأهمية في رصد وتعزيز انخراط الطلاب مع مواد التعلم الرقمية. وتكشف نتائج برنامج التقييم الدولي للطلاب أن معظم المدارس في الأردن ليست مستعدة جيداً لمواصلة تقديم الدروس بشكل افتراضي وتقديم مساندة فردية للطلاب. فهناك 43% فقط من الطلاب أعمار 15 سنة في الأردن مقيدون في مدارس لديها منصة فعالة لدعم التعلم عبر الإنترنت (حسب إفادات مديري المدارس). بالإضافة إلى ذلك، فإن أقل من نصف المدارس يملك الموارد المهنية اللازمة للمعلمين للاستفادة من المواد الرقمية، وهذه نسبة أقل بكثير من متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 72%. كما تشير النتائج أيضاً إلى أن معظم المعلمين يفتقرون إلى المهارات الفنية والتربوية اللازمة لدمج الموارد الرقمية في تدريسهم. ويعتبر ربط الموارد المادية والإنترنت أمراً بالغ الأهمية؛ حيث إنه يخلق نظاماً إيكولوجيّاً يحفز تنمية المهارات في استخدام حلول تكنولوجيا التعليم.
ملاحظة: حسابات البنك الدولي استناداً إلى بيانات برنامج التقييم الدولي للطلاب 2018
كانت استجابة البنك الدولي ووزارة التربية والتعليم سريعة. وفي إطار مساندته المستمرة لنظام التعليم الأردني، يساعد البنك الدولي الحكومة على ضمان إمكانية استفادة جميع الأطفال بشكل فعال من فرص التعلم عن بُعد. وعلى الرغم محدودية الوضوح بشأن تأثير التعلم عن بُعد على الأداء التعليمي، تتيح هذه الجائحة فرصة لسد الفجوة الرقمية. وقد وضعت الوزارة خطة طوارئ مفصلة وتعكف على التعاون الوثيق مع البنك الدولي وشركاء التنمية الآخرين لتطوير نظام مرن للتعلم عن بُعد يمكنه ضمان الجودة والإنصاف في التعليم في أوقات الأزمات.
انضم إلى النقاش