نشر في أصوات عربية

الهوية الرقمية: نحو تأسيس البنية التحتية الرقمية العامة في لبنان

الصفحة متوفرة باللغة:
الهوية الرقمية: نحو تأسيس البنية التحتية الرقمية العامة في لبنان رجل يحمل الهاتف الخليوي (Shutterstock.com/AS Photo Family).

ثمة توافق عالمي ناشئ يقر بدور البنية التحتية الرقمية العامة (DPI) في تسهيل التحول الرقمي للبلدان على نطاق واسع. وتُعتبر الهوية الرقمية (digital ID) بشكل عام الركيزة الأساسية لإرساء بنية تحتية رقمية عامة موثوقة، تُخول التحقق من هوية المستخدم وإجراء المعاملات بين الأفراد والحكومات والشركات على نحو موثوق. 

تعتبر الهوية الرقمية عنصر تمكين رئيسي لتقديم الخدمات الرقمية العامة والخاصة مثل إدارة وتوفير الرعاية الصحية، وتوزيع مخصصات الرعاية الاجتماعية، والمعاملات المصرفية، والمدفوعات الضريبية. فمن وجهة نظر المستخدم، تساعد الهوية الرقمية في توفير الراحة، وتقليص أوقات الانتظار، وتخفيض كلفة التنقل من خلال تفعيل خدمات التحقق من هوية المستخدم عن بعد. ومن وجهة نظر الحكومة، تعزز الهوية الرقمية الفعالية الإدارية وتحد من مخاطر انتحال الهوية. ومن وجهة نظر الشركات، تخفض الهوية الرقمية التكاليف على نحوٍ ملحوظ وتدعم الامتثال التنظيمي، فضلاً عن أنها تسهل التحقّق من السير الذاتيّة للموظفين بطريقة موثوقة.  وهناك العديد من الأمثلة العالمية الدالة على أهمية الهوية الرقمية: ففي إستونيا على سبيل المثال، يتم إصدار هوية رقمية لكل مقيم، ويتم تقديم ٩٩٪ من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، مما يوفر على المقيم حوالي خمسة أيام في السنة وعلى الدولة  ١٤٠٠ سنة من وقت العمل سنوياً.

في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية الحادة، شرع لبنان في رحلة طموحة لتأسيس البنية التحتية الرقمية العامة ، بهدف تسهيل المعاملات بين الأفراد والحكومة والحد من الفساد. وتعكس إستراتيجية التحول الرقمي للبنان٢٠٢٠- ٢٠٣٠ التي اطلقها مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية وأقرها مجلس الوزراء عام ٢٠٢٢، التزام الحكومة بالتنمية الرقمية. وتحدد هذه الإستراتيجية رؤية طويلة الأمد للتحول الرقمي، بما في ذلك إعطاء الأولوية للتحقق من الهوية على نحو موثوق من خلال استعمال الهوية الرقمية والتوقيع الإلكتروني. وتعكس هذه الإستراتيجية إمكانية المضي بالتحول الرقمي في قطاعات متعددة على صعيد الحكومة والاقتصاد اللبناني، ويعتمد ذلك في المقام الأول على إقامة الركائز الأساسية للبنية التحتية الرقمية العامة على مستوى الحكومة بأكملها. وتشمل الدعائم الأساسية لهذه البنية التحتية الرقمية العامة معايير قابلية التشغيل البيني(interoperability) للسماح بمشاركة البيانات بطريقة سهلة وآمنة ، والتحقق الموثوق من الهوية وفق مقتضيات تقنية الهوية الرقمية والتوقيع الإلكتروني، فضلاً عن أطر متينة لإدارة البيانات وحمايتها. ومن هذا المنظور، يعمل مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية جاهداً مع وزارة العدل لتعزيز الإطار القانوني والتنظيمي للمعاملات الإلكترونية وحماية البيانات الشخصية.

يعود التعاون بين البنك الدولي ولبنان إلى أمد بعيد، وقد اكتسبت هذه الشراكة الإستراتيجية أهمية جديدة في خضم الأزمات الحالية التي تواجه البلاد. ونظراً للضرورة الملحة للتخفيف من التحديات الناتجة عن التدهور الذي يشهده العديد من القطاعات الاقتصادية، تحوّل محور تركيز المساعدة الفنية التي يقدمها البنك الدولي نحو تحديد أولويات إستراتيجية التحول الرقمي للبنان ٢٠٢٠- ٢٠٣٠ وتنفيذها وتعميمها، مع التركيز على الانتقال إلى بنية متطورة للحكومة الرقمية، وتقييم فرص استخدام الحوسبة السحابية للحد من التحديات المستمرة التي تهدد البنية التحتية الحكومية لتكنولوجيا المعلومات ، وتدعيم البنية التحتية الرقمية العامة (بما في ذلك الهوية الرقمية والمدفوعات الرقمية والتبادل الآمن للبيانات)، وتسريع وتيرة تقديم الخدمات الرقمية. ومن خلال التعاون مع الحكومة اللبنانية في هذه الجوانب الحيوية للرقمنة، يدعم البنك الدولي لبنان في إرساء أسس الثقة بالخدمات الرقمية ، والتعافي من الأزمات، وتحقيق النمو على المدى الطويل . كما يساند البنك الدولي الحكومة اللبنانية في إجراء مشاورات واسعة مع أصحاب المصلحة والأطراف المعنية على مستوى القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لضمان أن تكون البنية التحتية الرقمية العامة - بما في ذلك الهوية الرقمية - ملائمة للبنان وتلبي احتياجات أصحاب المصلحة والأطراف المعنية، وفي الوقت نفسه تساعد على الحد من المخاطر.

ومن أجل المساعدة في تطوير وتنفيذ تقنية الهوية الرقمية في لبنان على نحو يستند إلى معلومات صحيحة ودقيقة، قام البنك الدولي بنشر التقريرين الدراسة التشخيصية لنظام الهوية في لبنان و حالات استخدام الهوية الرقمية في لبنان. ويقدم هذان التقريران نظرة عامة وتحليلاً للمنظومة التأسيسية للهوية في لبنان. كما يستعرضان احتياجات مقدمي الخدمات الذين يعتمدون على التحقق من الهوية الرقمية، ويقدمان التوصيات بشأن تعزيز المنظومة الوطنية للهوية الرقمية. ففي بعض الحالات مثلاً، يمكن تحقيق بعض المكاسب السريعة بتكلفة زهيدة وبتغيير بسيط في الخدمات الحالية - مثل استخدام الباركود الموجود على الجزء الخلفي لبطاقات الهوية الوطنية للحد من مشاكل إدخال البيانات. وفي حالات أخرى، هناك  ضرورة لاستثمارات أكثر شمولاً وتحليل أكثر عمقاً للأنظمة القائمة، مثل تقديم تقنية التوقيع الإلكتروني أو تنفيذ خدمة التحقق الرقمي من بطاقة الهوية الوطنية الحالية. وبناء على التوصيات الواردة في هذين التقريرين، سيواصل البنك الدولي العمل مع الحكومة اللبنانية للنهوض بأجندة التنمية الرقمية ودعم تطوير حكومة إلكترونية تكون محل ثقة من الجميع وتعمل على تسريع وتيرة التحول الرقمي في لبنان.


عبد الله جبّور

كبير اخصائيي التنمية الرقمية

كريستوفر توليس

أخصائي أول في التنمية الرقمية

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000