تُبيِّن لنا التجارب العالمية أنَّ ريادة الأعمال تُحفِّز على خلق الوظائف في الاقتصاد. وتتوقف درجة نجاح رواد الأعمال على نضج بيئة الأعمال الأساسية. إلا أن السبل التقليدية لخلق الوظائف والنمو قد لا تؤدي إلى إيجاد وظائف كافية في المستقبل. ولم تفتأ الحكومة الأردنية تُشجِّع على ريادة الأعمال لتغيير هذه التنبؤات، وتسريع وتيرة خلق الوظائف.
لقد برزت بيئة ريادة الأعمال في الأردن خلال السنوات العشر الماضية، لكن ثمة تحديات كبيرة أعاقت نموها وترابطها. وتحسَّن ترتيب الأردن على مؤشر ريادة الأعمال العالمي بمقدار 23 مركزا بين عامي 2014 و2018 (مرتفعا من المركز 72 إلى المركز 49). ويقيس هذا المؤشر جودة ريادة الأعمال ونطاق وعمق البيئة الداعمة لريادة الأعمال في 137 بلدا. وأظهر مؤشر ريادة الأعمال العالمي 2018 أن درجة تقييم الأردن تعادل متوسط درجة تقييم المنطقة العربية البالغ 37%. ويتفوق الأردن على المنطقة في مؤشرات ابتكار المنتجات والخدمات، واستيعاب التكنولوجيا، والمنافسة، ومهارات الشركات الناشئة، والدعم الثقافي. وفي الجانب الآخر، يتخلف الأردن في مؤشرات النمو المرتفع، ورأس المال المُخاطِر، وتقبُّل المخاطر، والترابط الشبكي، ورأس المال البشري.
في عام 2019، أدرج المنتدى الاقتصادي العالمي 27 شركة ناشئة أردنية ضمن أفضل 100 شركة في العالم العربي. وكان لرواد أعمال التكنولوجيا في الأردن دور كبير في تشكيل مشهد التكنولوجيا في المنطقة خلال العشر سنوات الماضية (مكتوب، وسوق دوت كوم، وطقس العرب، وموضوع 3 وغيرها الكثير). وهناك آلاف من المهنيين الأردنيين المتخصصين في التكنولوجيا الذين يشغلون مناصب رفيعة في شركات تكنولوجيا رئيسية في منطقة الخليج العربي ويبحثون عن فرص جيدة للعودة والعمل في الأردن.
وخلصت دراسة استقصائية للبنك الدولي شملت 230 من رواد الأعمال الأردنيين في الآونة الأخيرة إلى أن رواد الأعمال الأردنيين يتمتعون بقسط وافر من التعليم ولديهم خبرة متينة في إدارة الأعمال. وأظهرت الدراسة أن 94% من المؤسسين الرئيسيين للشركات الأردنية الناشئة يحملون درجة البكالوريوس أو ما فوقها، و62% لديهم خبرة عشر سنوات أو أكثر، و20% لديهم خبرة 6-9 سنوات. ويمتلك أغلب رواد الأعمال الأردنيين (71%) خبرة سابقة في العمل في وظائف ذات مستويات متوسطة أو عليا، ومعظمهم (91%) كانوا موظفين يعملون في شركات خاصة، بما في ذلك شركات خاصة بهم قبل أن يقوموا بتأسيس أعمال تجارية.
يعمل رواد الأعمال الأردنيون في العادة في مجموعات حيث يجتذب المؤسسون مزيجا من المهارات المتنوعة وإن كانت متكاملة لدعم عمليات شركاتهم. وتُظهر هذه الخصائص تركيبة عالية الجودة تتسق وخصائص أفضل 100 شركة ناشئة في العالم العربي في تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017. وأجرى البنك الدولي دراسة استقصائية لأفضل 100 شركة ناشئة آنذاك، وتناولت الدراسة اتجاهات وسياسات ريادة الأعمال، ونشر فصلا عن ريادة الأعمال في تقرير التنافسية في العالم العربي 2018 لإثراء السياسات الحكومية في المنطقة.
وفي خطوة لدعم طموحات رواد الأعمال، قامت الحكومة الأردنية والبنك الدولي بتسهيل مشاركة 14 من رواد الأعمال البارزين من الأردن في مبادرة لندن 2019. وأظهر رواد الأعمال مدى طموح عملية التحوُّل الاقتصادي في الأردن، وسلطوا الضوء على إمكانيات النمو التي تنطوي عليها ريادة الأعمال الرقمية، وأبلغوا الصناديق العالمية عن الفرص الاستثمارية المتاحة. ويعد التوسُّع في الأسواق الإقليمية/العالمية الأرحب خطوة ضرورية لرواد الأعمال الأردنيين بالنظر إلى صغر حجم السوق المحلية نسبيا.
فيما يتعلق بالتحديات، يري رواد الأعمال الأردنيون أن الضرائب هي الحاجز الرئيسي الذي تواجهه أنشطة أعمالهم (73%)، تليها القوانين التي تنظم الاستثمار في الشركات الناشئة (62%)، والإجراءات الشكلية البيروقراطية المفرطة (58%)، وعقبات أخرى متصلة بالقوانين واللوائح التنظيمية للجمارك (55%)، والأمن الاجتماعي (52%). وقدَّمت مجموعات النقاش المركز آراء قيمة بشأن هذه التحديات، وذهبت إلى القول بأن رواد أعمال التكنولوجيا غير واضحين بشأن التصنيف الاقتصادي للأنشطة المعفاة من الضرائب، وتثقل كاهلهم ضريبة مرتفعة نسبيا على المستلزمات/الخدمات المستوردة (26%)، ويشعرون بالقلق من القواعد التي تلزمهم بتقديم إقرار ضريبي على أساس شهري. وعبَّرت الشركات الناشئة أيضا عن شواغلها بشأن العمليات المعقدة لإعادة هيكلة الشركات (زيادة/خفض رأس المال، تغيير المساهمين، إلخ)، وصعوبة الحصول على تراخيص العمل للأيدي العاملة الماهرة من الأجانب، والتقدير غير المتسق لرسوم الجمارك على الواردات. ومن الواضح، أنه يُمكِن للحكومة إجراء إصلاحات قانونية وإجرائية مُعيَّنة لدعم مؤسسات الأعمال في الأردن. وأظهرت الدراسة الاستقصائية للبنك الدولي أن رواد الأعمال يتوقعون من الحكومة أن تعمل لتوفير بيئة أعمال داعمة، وأن تساعد على فتح الأسواق المحلية والإقليمية، وأن تقوم بتطوير بيئة ريادة الأعمال المحلية.
وفي مايو/أيار 2019، أنشأت الحكومة الأردنية وزارة جديدة للاقتصاد الرقمي والريادة لتوسيع صلاحيات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابقة، ودعم ريادة الأعمال الرقمية، والمدفوعات الإلكترونية، وتنمية المهارات الرقمية. وتعد هذه خطوة حيوية لدعم الدور المتزايد للحكومة في مساندة هذه الركائز للاقتصاد الرقمي.
وقد اتخذت الحكومة الأردنية خطوات رئيسية لدعم الاقتصاد الرقمي من خلال إقراراها نموذجاً من الشراكة بين القطاعين العام والخاص يهدف إلى توسيع شبكة الإنترنت السريع في المملكة، ودعم تنمية المهارات الرقمية لمئات الشباب وإطلاق خطة طموحة للدفع الإلكتروني للمعاملات الحكومية ودعم ريادي الأعمال في الحصول على التمويل والوصول إلى الأسواق العالمية. وستسهم هذه الجهود في دعم مبادرة البنك الدولي الطموحة التي تدعو إلى مضاعفة إمكانية الوصول إلى الإنترنت السريع في المنطقة بحلول عام 2021 و توسيع الدفع الإلكتروني.
ولتهيئة بيئة مواتية للأعمال التجارية في الأردن، بدأ ممثلو منظومة ريادة الأعمال (ومنهم إنتاج، وأويسس 500، وإنديفور، وجمعية الريادة والإبداع، ومجلس الشركات الناشئة وآخرون) ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة مشاورات ساعد في تسهيلها البنك الدولي ومنتدى إستراتيجية الأردن - وهو معهد أبحاث محلي رفيع- لوضع مزيج من السياسات لمعالجة هذه التحديات. وستوصي الوزارة بإجراء إصلاحات تنظيمية محددة وترفعها إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه، وتقود تنفيذها بعد ذلك.
ولدعم تطوير الاقتصاد الرقمي في الأردن ومنطقة المشرق العربي (الأردن ولبنان والعراق)، ستستضيف الحكومة الأردنية أول منتدى للمشرق الرقمي في عمَّان في 29-30 يونيو/حزيران. وستكون الفعالية الإقليمية رفيعة المستوى التي تستمر يومين منتدى لمناقشة دور الرقمنة في تشكيل مستقبل المنطقة من منظور الحكومات وكبار رجال الأعمال. وسيتيح المنتدى فرصة للتواصل الشبكي بشأن الأعمال لرواد الأعمال الأردنيين مع مستثمرين إقليميين وعالميين. وسيُسلِّط المنتدى أيضا الضوء على الأردن بوصفه مركزا إقليميا للخدمات التي تستند إلى التكنولوجيا. وستتيح تطوير بيئة ريادة الأعمال ورقمنة أنشطة الأعمال في الأردن آفاقا واعدة لنمو الاقتصاد.
انضم إلى النقاش