يمكن لتوفير خدمات الرعاية الجيدة للأطفال أن يتيح مسارات للإفلات من براثن الفقر، وبناء رأس المال البشري، وتعزيز تنمية الطفولة المبكرة، وزيادة الإنصاف. ويكتسب الحديث عن أهمية توفير خدمات رعاية الأطفال وجدواها وارتباطها بمشاركة النساء في القوى العاملة زخماً آخذاً في التزايد، لا سيما بعد تفشي جائحة كورونا.
يغطي تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2022 ما مجموعه 190 اقتصاداً، ويتضمن دراسة تجريبية في 95 اقتصاداً لمعرفة إلى أي مدى يمكن لسن القوانين والسياسات الخاصة بإتاحة خدمات رعاية الأطفال بتكلفة ميسورة وجودة لائقة تحقيقُ نتائج أفضل للنساء في سوق العمل، وتحسين نتائج نمو الأطفال، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي. ويخلص التقرير إلى أن درجة توافر خدمات رعاية الأطفال وتنظيمها يتفاوتان تفاوتاً كبيراً من منطقة إلى أخرى، ولا يتبعان دوماً أنماطاً يمكن تمييزها بوضوح. علاوة على ذلك، فقد تعرضت النساء في جميع أنحاء العالم للإقصاء من القوى العاملة منذ بدء جائحة كورونا، وأماطت هذه الأزمة اللثامَ عن وجود حاجة هائلة لتوفير خدمات رعاية الأطفال ميسورة التكلفة وذات الجودة المعقولة، وهي الحاجة التي لم تتم تلبيتها.
ولا يختلف هذا الأمر في مصر؛ إذ يُعد النقص في خدمات رعاية الأطفال ميسورة التكلفة إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون دخول النساء إلى سوق العمل. ولا تزال معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة في مصر تشهد انخفاضاً بمرور الوقت. فبينما بلغ معدل مشاركتها 27% في عام 2006، انخفض هذا المعدل إلى 21% في عام 2018، ثم تراجع إلى 14.3% في عام 2020.
وأشارت دراسة أجرتها الأمم المتحدة إلى أن النساء يتحملن عبئاً غير متناسب مقارنة بالرجال، ويتمثل هذا العبء في أعمال المنزل ورعاية الأطفال، ومن ثم يصبح من الصعب عليهن الانخراط في عمل مدفوع الأجر خارج المنزل. ولا يزال معدل الالتحاق بدور رعاية الأطفال محدوداً. ويتضح هذا الأمر من معدل الالتحاق بدور الحضانة التي تشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعي، وتقدم خدمات رعاية الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن 4 سنوات، وهو المعدل الذي لا يتجاوز 8%. أما معدل الالتحاق برياض الأطفال التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، وتخدم الأطفال في الفئة العمرية من 4 إلى 6 سنوات، فلم يتجاوز 31%.
بالإضافة إلى نقص خدمات رعاية الأطفال، تتمثل العقبات الرئيسية الأخرى التي تحول دون مشاركة المرأة في القوى العاملة في ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة من حيث الوقت، ومحدودية الحصول على عمل، والأعراف المقيدة المتعلقة بدور المرأة. وبالتعاون مع مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر، وبتمويل من مختبر الابتكار المعني بالمساواة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للبنك الدولي، تم إطلاق دراسة لتقييم أثر الإجراءات التدخلية باستخدام تجارب موجهة قائمة على عينات عشوائية لاختبار تأثير إجراءين محتملين من الإجراءات التدخلية للتصدي لهذه العقبات التي تحول دون عمل المرأة، ويتمثلان في تقديم الدعم لرعاية الأطفال وتوفير خدمات التوظيف.
وتشير الدراسة إلى أن تقديم الدعم لخدمات رعاية الأطفال يمكنه أن يخفف من مسؤوليات الرعاية وأن يقلل من تكلفة الفرصة البديلة التي تتحملها النساء العاملات. كما يمكن لخدمات التوظيف أن تساعد النساء في العثور على الوظائف والتوفيق بين ظروفهن وبين فرص العمل المتاحة. وتتباين فعالية هذين الإجراءين التدخليين، إلا أن فعاليتهما قد تكون بالغة لا سيما للنساء اللاتي يواجهن قيوداً على دخولهن سوق العمل.
نتائج تقييم أثر الإجراءات التدخلية
أتاح الدعم المقدم لخدمات رعاية الأطفال، الذي خضع للتقييم في دراستنا، تغطية 25% إلى 75% من التكلفة الفعلية لمصروفات دور الحضانة، ولكن نتائج استخدام النساء لهذا الدعم لا تزال محدودة إلى حد ما. فالنساء اللاتي حصلن على خصم نسبته 25% استخدمن قسائم مصروفات دور الحضانة في 1.4% فقط من المدة المحددة، ولكن النساء اللاتي حصلن على خصم نسبته 75% استخدمن القسائم بنسبة 4.2% من المدة.
وذكرت النساء اللاتي شملتهن الدراسة أن دور الحضانة كانت بعيدة تماماً عن منازلهن، على الرغم من وجود دور الحضانة التي عُرضت عليهن في محيط دائرة نصف قطرها كيلومترين، وفقدَ العديد منهن قسائمهن، ورأت أخريات أن أطفالهن لا يزالون أصغر من أن يلتحقوا بدور الحضانة.
وأجرت الدراسة تقييماً لأثر خدمات التوظيف المقدمة عبر منصة "فرصنا" والتي تيسّر على النساء تقديم طلبات الحصول على عمل، وتساعد في توفيق ظروفهن مع الوظائف الشاغرة بناءً على معايير التوظيف. وهناك إجراءان لا بد من القيام بهما للحصول على خدمات التوظيف عبر هذه المنصة: الأول هو إنشاء ملف تعريف شخصي، الذي يُعد دليلاً قوياً على اهتمام النساء وبحثهن عن عمل، والآخر هو تقديم طلب بالفعل للحصول على عمل. وقد أنشأ 29.8% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة ملفات تعريف شخصية، وقدم نحو نصفهن (13.9%) بالفعل طلبات للحصول على وظائف. أما النساء اللاتي لم يستخدمن خدمات التوظيف أو لم يقدمن طلبات للحصول على عمل، فقد أرجعن هذا الأمر إلى أسباب كان أكثرها شيوعاً رفضُ أزواجهن هذا الأمر، وعدم رغبتهن في العمل، وبُعد مكان العمل، وعدم توافق خصائص الوظائف مع ما يفضلنه، وعدم توافر رعاية للأطفال.
وعند سؤال النساء عن الوظائف العادية التي قد يقبلنها، أبدى عدد قليل للغاية منهن استعدادهن للعمل سائقات، أو مندوبات مبيعات خارجية، أو في خدمات التوصيل، أو عاملات زراعيات، وكان عدد أقل من ذلك يرغبن في العمل نادلات أو عاملات في قطاع الصناعة. وكان لدى أقل من نصف النساء اللاتي شملهن استطلاع الرأي رغبة في العمل في وظائف مكتبية مثل العمل كصرافين بالبنوك أو بمهنة التدريس. وكانت الوظائف الوحيدة التي أبدت الغالبية العظمى من النساء رغبتهن في الحصول عليها هي وظائف القطاع العام (72%) أو العمل مساعدات إداريات (56%).
ووفقاً للدراسة التي أجريناها، لم يعزز الدعم أو خدمات التوظيف المقدمة إلى النساء سلوكهن في البحث عن عمل، ولم يُحدث أي منهما تغييراً ملحوظاً في ظروف العمل الحالية. والنساء المصريات، لا سيما المتزوجات اللاتي لديهن أطفال صغار، تواجهن مجموعةً كاملة من المعوقات التي تحول دون حصولهن على عمل. وقد لا يكون التخفيف من وطأة واحد أو اثنين من هذه المعوقات كافياً لتمكين المرأة من الحصول على عمل.
لذلك، من الضروري الإشارة إلى أن البرامج والسياسات الخاصة بتعزيز عمل المرأة في مصر (ولا سيما عمل النساء المتزوجات) ربما تتطلب بالمثل حزمة كبيرة من الإجراءات التدخلية للتصدي لمجموعة من القيود في آن واحد، بما في ذلك تكلفة رعاية الأطفال وخدمات التوظيف، وأيضاً الأعراف المتعلقة بدور المرأة، وجودة رعاية الأطفال، والتمييز من جانب أصحاب العمل في المعاملة، وأساسيات الطلب على العمالة.
انضم إلى النقاش