ها نحن قد بدأنا أو على وشك أن نبدأ العام الدراسي الجديد 2020/2021. لكن يبدو أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول من المعتاد كي يتمكن 22 مليون طالب من العودة إلى المدرسة.
كانت الحكومة قد قررت في 13 مارس/ آذار 2020 إغلاق جميع المدارس عقب التحذير من حدوث عاصفة، ولم تلبث أن قررت تمديد الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وقد منعت هذه الجائحة ما يقرب من نحو مليار طالب من العودة إلى المدرسة في جميع أنحاء العالم حتى الآن. وقد كافحت كل دولة، بما في ذلك مصر، للحفاظ على مستوى معين من التعلم والتحصيل العلمي.
ومع العام الدراسي الجديد، الذي يبدأ رسميا في المدارس الحكومية في 17 أكتوبر/ تشرين أول 2020، نتذكر دراسة عن معدلات فقر التعلم في مصر، وهي دراسة تناولت مقدار ما يتعلمه الطفل في مصر، وخلصت إلى أن حوالي 70% من الأطفال في سن العاشرة في مصر لا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهمه. علاوة على ذلك فان مؤشر رأس المال البشري في مصر يبلغ حاليًا 0.49، ويعني ذلك أن معدل إنتاجية الطفل المولود في مصر اليوم عندما يصل إلى سن 18 سنة سيكون 49% فقط مقارنة مع نسبة إنتاجية كاملة اذا تمتع بقدر كامل من التعليم والصحة الجيدة.
ولكي نكون منصفين، فان التقييمات الدولية لم ترصد بعد الإصلاحات التي بدأتها مصر في عام 2018 إذ يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تظهر هذه الإصلاحات على مؤشر رأس المال البشري.
وتمثلت السمة الغالبة في استراتيجية الإصلاح والتطوير التي وضعتها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية في التوسع في التعليم الرقمي والبنية التحتية التكنولوجية. وقلص هذ التوسع من أثر إغلاق المدارس بينما عزز قدرة الحكومة على التصدي لهذه الجائحة. وكانت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني قد بدأت، قبل الجائحة، تقديم منهج دراسي جديد لمرحلة رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي. وفي السنتين الماضيتين، قامت الوزارة بإحداث تغييرات نوعية في المرحلة الثانوية، وقامت بعقد امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي (في سن 16 - 17 سنة) باستخدام الكمبيوتر اللوحي (التابلت). وأدى هذا التوسع في المحتوى الرقمي إلى إعداد المنظومة التعليمية على نحو أفضل حتى تكون جاهزة مع إعادة فتح المدارس في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
وربما أتاحت جائحة كورونا الفرصة لتسريع وتيرة بعض الإصلاحات، حيث أرست استراتيجيات التعافي من هذه الأزمة الأساس للتحسينات طويلة الأجل في التقييم، والمناهج التربوية، والتكنولوجيا، والتمويل، ومشاركة أولياء الأمور في العملية التعليمية. وعلى الرغم من بعض المخاوف، تشير الأدلة والشواهد المتواترة إلى إشادة الطلاب وأولياء الأمور بمزايا التكنولوجيا المتاحة لهم، ويشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر: (أ) الاتصال بشبكة الإنترنت: ربط 2500 مدرسة حكومية بشبكة الإنترنت من خلال تقنية الألياف البصرية (الفايبر) (ب) البنية التحتية الرقمية: سبورات ذكية وأجهزة تابلت لمعلمي المدارس الثانوية وطلابها؛ و(ج) اختبارات الطلاب: استخدام الكمبيوتر في الاختبارات بما يتيح وضع أكثر من نسخة للامتحان الواحد.
وعلى الرغم من أن البنية التحتية التكنولوجية السابقة قد تساعد مصر على التكيف مع التعلم الهجين أي دمج الطرق التقليدية مع التعلم عن البعد، فمما لا شك فيه أن دور المعلمين ومديري المدارس والنظار والموجّهين في استخدام هذه الوسائل قد أضحى أكثر أهمية. وأكدت هذه الجائحة مجددًا أن المعلم هو محور ارتكاز العملية التعليمية.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن نغفل أن عودة المدارس إلى طبيعتها في العام الدراسي 2020/2021 سيحمل في طياته المزيد من التغييرات والمزيد من التحديات التي تواجه أولياء الأمور، منها: (1) ا التعلم الهجين: أسلوب يجمع بين التعلم في الفصول الدراسية مع تواجد الطالب فعليًا في الفصل والتعلم عن بعد من المنزل (لضمان التباعد الاجتماعي)؛ (ب) إتاحة وسائل التعلم الرقمية واستخدام التابلت وشاشات العرض: توفير هذه الوسائل للصفوف من الرابع الابتدائي حتى الثالث الثانوي مع وضع في الاعتبار تصميم هذه الوسائل على نحو يراعي الطلاب الذين تتوفر لهم أجهزة رقمية وشبكة إنترنت وهؤلاء الذين لا يتوفر لهم أي من ذلك على حد سواء؛ (ج) إيجاد منصة رقمية جديدة للتطوير المهني بغرض تدريب المعلمين وإجازتهم؛ (د) تمكين مديري المدارس والنظار من تحمل مسؤوليات أكبر وزيادة مخصصات المدارس لتجهيز البنية التحتية؛ و(ه) نظام امتحانات جديد باستخدام الكمبيوتر للتخرج في المدرسة يراعي المهارات المطلوبة في القرن الحادي والعشرين.
وعلى الصعيد العالمي، أثَّرت هذه الجائحة على الطلاب الأقل حظاً والأكثر حرمانًا، فقد حُرم هؤلاء الطلاب من سبل استخدام وسائل التعلم عن بعد التي كانت متوفرة في بعض البلدان. وقدم البنك الدولي أنواعا مختلفة من المساندة للتصدي لهذه الأزمة، وتضمن ذلك متابعة سبل التصدي لها على الصعيد الوطني والمشاركة فيها. كما أجرى البنك الدولي تقييما أوليا لتأثير هذه الجائحة على التعلم، ووجد أن التأثير قد يصل إلى ضياع ما يعادل نصف سنة دراسية تقريبًا.
وقبل جائحة كورونا، كان العالم بصدد أزمة تعلم، وكان 53% من الأطفال في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يعانون من فقر التعلم. وما لم تتخذ إجراءات علاجية جذرية، فإن الآثار المتصورة هنا قد تؤدي إلى انتكاسة على صعيد تحقيق الهدف العالمي المتمثل في خفض فقر التعلم إلى النصف بحلول 2030.
ومع العودة إلى المدرسة، قد تختلف المستلزمات المدرسية هذا العام، بالنسبة للبعض على الأقل، وستقل الحاجة إلى الكتب والأدوات المكتبية والورقية وسيحل محلها المستلزمات الأخرى المطلوبة للتعلم الهجين.
وكما يقول المثل "اليد الواحدة لا تصفق" وانطلاقًا مما حققناه في السنة الدراسية الماضية ــ سواءً في ظل جائحة كورونا أو من دونها، فإن إصلاح نظام التعليم في مصر يتطلب تضافر جهود الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين والمجتمع بأسره. والمعلمون المدربون تدريبا جيدا سواءً أكانوا في المدرسة أو عن بعد هم حلقة الوصل بين الطلاب والتعلم.
انضم إلى النقاش