نشر في أصوات عربية

تقدير الآثار الاقتصادية للذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية

الصفحة متوفرة باللغة:
تقدير الآثار الاقتصادية للذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية أيدي على لوحة مفاتيح الكمبيوتر المحمول وكلمة "AI" (shutterstock.com/Sompaen)

ظل البنك الدولي منذ عام 2019 يعمل بنشاط مع السلطات السعودية لتعزيز القطاع الرقمي في المملكة. ويستمر هذا الجهد مع انتشار اعتماد واستخدام الذكاء الاصطناعي بسرعة مذهلة في جميع أنحاء العالم. وكان الهدف وراء تعاوننا وجهودنا هو تغيير تجربة الناس في المملكة فيما يتعلق بإجراء المعاملات اليومية عبر الإنترنت، وتيسير تقديم الخدمات الحكومية من خلال إقامة الشراكات مع أربع مؤسسات حكومية رئيسية وتقديم المساعدة الفنية لها، وهي: 1) وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، 2) هيئة الحكومة الرقمية السعودية، 3) الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، 4) منظمة التعاون الرقمي. 

وتجدر الإشارة إلى تحقيق نتائج ملموسة في هذا الشأن. فعلى سبيل المثال، نجحت المملكة في تنفيذ إصلاحات رئيسية أحدثت ثورة في إنتاج وتقديم الخدمات العامة من خلال الوسائل الرقمية. وقد أدت هذه الإصلاحات إلى تحسين خدمات الدعم المتعلقة بإدارة البيانات والمعلومات، وتبسيط سير العمل والإجراءات المتعلقة بإنجاز مصالح الناس وتلبية احتياجاتهم، فضلاً عن تحسين واجهات المستخدمين على نحو يؤدي إلى تسهيل إنجاز الأعمال عبر الإنترنت. ونتيجة لذلك، احتلت السعودية مؤخراً المرتبة السادسة من بين 193 بلداً في مسح الأمم المتحدة الخاص بالحكومة الإلكترونية لعام 2024.

ولمواصلة البناء على هذا الإنجاز اللافت للنظر، تطلعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى الخطوة الكبيرة التالية، ألا وهي: تسخير الذكاء الاصطناعي. وأرادت أن تجيب عن سؤال مهم: هل يمكننا التنبؤ بدقة بتأثير الذكاء الاصطناعي على النمو الاقتصادي وأداء سوق العمل في بلد ما؟

أعدت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات دراسة حالة عن المملكة للإجابة عن هذا السؤال. وعلى الرغم من أن أي تحليل من هذا النوع يخضع لدرجات واسعة من عدم اليقين نظراً لأن العديد من حالات استخدام الذكاء الاصطناعي لا تزال قيد الظهور والتطور، فإن النتائج كانت مشجعة. 

 ويتطلب تقييم أثر الذكاء الاصطناعي بوجه عام على إجمالي الناتج المحلي دراسة كيفية قيام الصناعات والقطاعات بدمجه في عملياتها. وتشكل الصناعات والقطاعات التي تتولى ذلك قوام الاقتصاد الرقمي واسع النطاق، الذي يشمل إنتاج سلع وخدمات تقنية المعلومات والاتصالات، والمنصات الرقمية (مثل التجارة الإلكترونية، وتطبيقات خدمات النقل والمواصلات، ووسائل التواصل الاجتماعي)، والأنشطة على مستوى القطاعات التي تعززها الأدوات الرقمية على نحو كبير، مثل الزراعة الدقيقة، والتصنيع الذكي، وتطبيقات التقنيات المالية (التكنولوجيا المالية)، والرعاية الصحية الإلكترونية.

وفي عام 2023، أفادت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أن الاقتصاد الرقمي يمثل نحو 15% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة، في حين أن أنشطة الذكاء الاصطناعي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة تبلغ نحو 1% من إجمالي هذا الرقم. وحتى يتسنى التنبؤ بالأثر المحتمل للاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، اعتمدت هذه الاستثمارات على نموذج التوازن العام القابل للحساب للاقتصاد السعودي الذي تم تطويره بالتعاون مع فريق العمل الرقمي بالبنك الدولي من خلال مشروع مدته سنتان انتهى في عام 2023. 

وتمثل هذه النماذج أدوات قوية للاقتصاد الكلي ترصد التفاعلات المعقدة بين القطاعات والأطراف الفاعلة في النشاط الاقتصادي والأسواق في اقتصاد ما. وهي ترتكز على نظرية الاقتصاد الجزئي وتستند إلى نظام من المعادلات المترابطة التي تصف سلوكيات الأطراف الفاعلة في النشاط الاقتصادي، مثل الأسر المعيشية والشركات والحكومة والقطاع الخارجي (وهو مجموع يمثل بقية العالم الذي توجد معه علاقات استيراد وتصدير) فيما يتعلق بالإنتاج والاستثمار والاستهلاك. وبعبارة أخرى، تساعدنا هذه النماذج على فهم كيف يمكن للتغيرات في أحد جوانب النشاط الاقتصادي، مثل الاستثمارات التي تتم في الذكاء الاصطناعي، أن تنتشر وتتضاعف وتعيد تشكيل كل شيء آخر.

وعلى وجه التحديد، تأتي تقديرات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لآثار الذكاء الاصطناعي على مستوى الاقتصاد بافتراض أنه يؤدي إلى تحسين كفاءة استخدام عوامل الإنتاج مثل رأس المال والعمالة. ومن خلال اتباع نهج حذر وتحوطي، تشير تقديرات الوزارة إلى أن التحسن في الإنتاجية يرجع إلى مساهمة الذكاء الاصطناعي الحالية بواقع 2.3% في إجمالي الناتج المحلي المحقق في قطاعات التقنيات المتقدمة في المملكة، مع عدم حساب معدلات النمو المستقبلية التي يمكن توقعها عند وصول هذه التقنيات إلى مراحل التقدم والنضج. وفي هذا الإطار، يمكن لنموذج التوازن العام القابل للحساب محاكاة التوقعات المبكرة لسيناريوهات مستقبلية متعددة استناداً إلى النمو المحتمل لأسواق الذكاء الاصطناعي في المملكة. 

نتائج واعدة ومسار للمضي قدماً

تشير النتائج إلى أن الذكاء الاصطناعي من المرجح أن يعزز نمو إجمالي الناتج المحلي في المملكة على نحو كبير. فعلى سبيل المثال، يتوقع سيناريو يفترض معدل نمو سنوي بنسبة 20% في سوق الذكاء الاصطناعي من عام 2024 إلى عام 2030 نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0.6% فوق خط الأساس خلال الفترة نفسها. وعلى صعيد سوق العمل، تظهر نماذج المحاكاة أن نحو 20.5% من الوظائف في المملكة يمكن الاستغناء عنها بسبب الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تبلغ نسبة إمكانية خلق فرص عمل جديدة 23%، مما دفع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى تقدير أنه بحلول عام 2030، يمكن أن يزيد عدد الوظائف المتاحة بنحو 2.5%. وهذه الأرقام، وإن كانت واعدة، تخضع أيضاً لدرجة عالية من عدم اليقين لأن تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تزال قيد التطوير ويحتاج الأفراد والمؤسسات والشركات إلى وقت لتعلم كيفية استخدامها بفاعلية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلنت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات عن تجاربها وخبراتها ونتائجها في المنتدى الإحصائي لصندوق النقد الدولي في واشنطن.

وبعيداً عن المجال العلمي للدراسة وأسباب الاهتمام بها، فإن من دواعي سرور فريق عمل البنك الدولي أن يرى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والمملكة العربية السعودية وهما تضطلعان بدور فعال في المناقشات العامة حول الأثر الاقتصادي لثورة الذكاء الاصطناعي باستخدام أدوات تحليلية تم تطويرها في إطار التعاون وتضافر الجهود بين المملكة والبنك.

ويأتي هذا العمل في إطار أنشطتنا وبرامجنا الأوسع نطاقا مع السلطات السعودية. ولا يزال البنك الدولي ملتزماً بدعم المملكة من خلال خدماتنا الاستشارية والفنية في ظل استمرار المملكة في المضي نحو تحقيق الابتكار والتكيف مع واقع التطورات الرقمية والتقنية الآخذ في التغير على مستوى العالم من أجل تحسين فرص العمل وتحقيق النمو.

 


أندريا بارون

خبير اقتصادي أول، البنك الدولي، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أنيلا غروب

محللة عمليات، البنك الدولي

سامية ملحم

كبيرة الخبراء بقطاع الممارسات العالمية للقدرات الرقمية والبنية التحتية والشراكة بين القطاعين العام والخاص

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000