نشر في أصوات عربية

الإنترنت السريع وقيم الربيع العربي

الصفحة متوفرة باللغة:
High-Speed Internet and the values of the Arab springأتذكر أن سألني ذات مرة أحد أعضاء البرلمان من الشباب خلال مؤتمر عقد في تونس عن منطق الاستثمار في مد كابل من الألياف البصرية إلى قرية نائية في جربة بدلاً من تحسين خدمات أساسية أكثر إلحاحاً مثل شبكات الكهرباء أو مياه الري. والشيء المثير للاهتمام هو أن الاثنين لا ينفصمان عن بعضهما بعضا، حيث إن مشاريع البنية التحتية التقليدية لديها القدرة أيضاً في كثير من الأحيان على مد كابلات الألياف بتكلفة إضافية صغيرة. ولكنني أجبت في ذلك الوقت بأن الاستثمار في البنية التحتية للإنترنت لا ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره نشاطاً اقتصادياً فقط ولكن أيضاً على أنه توسيع لنطاق قيم "الربيع العربي".

فعلى مستوى العالم العربي، لعبت شبكة الإنترنت دوراً رئيسياً في دفع عجلة الاشتمال الاجتماعي والمساءلة وحقوق الإنسان والمشاركة المدنية. وخلال الربيع العربي جعل الدور القوي الذي تلعبه برامج التواصل الاجتماعي من شبكة الإنترنت أداة لتمكين الديمقراطية والتحول الاجتماعي. ومع ذلك، وبعد ثلاث سنوات من انطلاق مسيرة الربيع العربي، فإن شباب المنطقة يمرون بفترة مضطربة من التحول السياسي لها تداعيات اقتصادية صعبة. أما اليوم، فإن واحداً من بين كل أربعة من الشباب في العالم العربي عاطل عن العمل، وفي مقابل كل واحد من البالغين ممن هم بدون عمل فإن هناك أربعة من الشباب ليست لديهم وظائف. وفي هذه البيئة المثيرة للقلق، أصبح واضحاً للشباب في العالم العربي أن الديمقراطيات التي يسعون إليها لا يمكن أن تنجح تماماً إلا إذا تمكنت البلدان من الحفاظ على نمو اقتصادي قوي، بالإضافة إلى حرية التعبير، يُترجم إلى فرص عمل للشباب. إذاً السؤال الآن هو ما إذا كانت شبكة الإنترنت، التي كانت حيوية جداً خلال الربيع العربي، لها دور لا يقل أهمية كي تقوم به فيما يتعلق بتلبية هذه التطلعات الجديدة.

وعلى ضوء أن حوالي 30 في المائة من سكان العالم العربي تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً، فإن هناك جيلا يضم نحو 100 مليون من الشباب الذين يشبون في ظل عصر تحسين إمكانية التوصيل على مستوى العالم والتطور السريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهذا يضع العالم العربي في وضع مؤاتٍ - يكون لديه فيه جيل يتميز بوجود عدد كبير من المتواصلين على الإنترنت والبارعين في أمور التكنولوجيا الذين يتوقون للاستفادة من ثورة المعرفة على مستوى العالم.

وبحلول عام 2020، سيكون هناك 50 ملياراً من الأجهزة المتصلة بالإنترنت، مما سيجعل البيانات والمحتوى عبر الإنترنت وقود ونفط المستقبل. والأسئلة الرئيسية هي: ما مدى استعداد العالم العربي، وما مدى قوة اتصاله بالإنترنت؟ فاليوم أقل من 20 في المائة من العالم العربي لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت ذات النطاق العريض. ومن ثم فإن تحسين أداء شبكة الإنترنت السريع وإمكانية الوصول إليه يجب أن يحظى بأولوية رئيسية في سياسات الحكومات. وبدون إمكانية الوصول إلى الإنترنت بأسعار معقولة وبجودة عالية، سيتم اقصاء 100 مليون من الشباب عن هذه الظاهرة العالمية وسيتم استبعادهم من وفرة فرص الأعمال التجارية وتبادل المعرفة. ماذا بعد؟

رغم ما تم انجازه من قدر لا بأس به من العمل فيما يتعلق باستراتيجيات النطاق العريض الوطنية في جميع أنحاء العالم العربي، فإن أهمية الإنترنت كمنصة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لا تزال مفهوماً غريباً على معظم القطاعات الحكومية. وربما تساعد بعض الأرقام على وضع الأمور في سياقها الصحيح.

كل يوم في العالم العربي هناك:
  • 100 مليون بحث على محرك البحث جوجل. وهذا يعني ما يساوي 70000 يوم من خلق المعرفة وتبادلها، إذا كان كل بحث على غوغل يستغرق ما يقل عن دقيقة.
  • 36000 من مستخدمي جديد لموقع التواصل الاجتماعي يسجلون أسمائهم على الموقع. وهذا العدد أكبر من عدد الأشخاص الذين يولدون في المنطقة في اليوم الواحد.
  • يتم تحميل قدر مذهل من أفلام الفيديو يعادل 60 يوما من أشرطة الفيديو على موقع يوتيوب. وهذا يعادل نفس حجم المحتوى الذي تبثه محطات التلفزيون الرائدة في المنطقة.
  • 10832000 تغريدة يومياً. وهذا يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف محتوى جميع الصحف العربية المطبوعة في اليوم الواحد.
  • 37095955 مستخدم لفيسبوك دون سن 30 عاماً. وهذا يمثل أكثر من 4 أضعاف العدد الإجمالي للطلاب المسجلين في الجامعات في جميع أنحاء العالم العربي.
أمام هذا الواقع نرى أن الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمام فرصة تاريخية، من خلال الاستفادة من قوة الاتصال والربط الرقمي، لتعزيز أجندات مختلف برامج التنمية لمجتمعاتهم التي تزداد فيها أعداد الشباب. ويمكن رؤية التنمية في المنطقة من خلال عدسات القدرة على الاتصال كرد فعل طبيعي للسياسات لمواجهة تحديات المرحلة الانتقالية.

لماذا؟ حسناً، يمثل تحسين الربط والتوصيل مطلباً ضرورياً للشباب ليكونوا قادرين على الابتكار على المستوى المحلي. وهذا هو الأساس لأي اقتصاد يتطلع إلى المستقبل.‏ ومن ثم، فإن أشياء مثل التعلم عن بعد، والدورات الدراسية على الإنترنت، ومواقع تعلم اللغات، والمدونات التعليمية، وأشرطة الفيديو التعليمية، ووسائل الإعلام الاجتماعية، والأخبار، والتجارة الإلكترونية، والألعاب، والترفيه، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومنصات استلهام الحلول من الجمهور، يمكنها جميعاً المساعدة على تحفيز الابتكار المحلي وتزويد شباب المنطقة بالفرص لتحمل المسؤولية عن التحديات التي يواجهونها والبحث من جانبهم عن حلول لها.

وعلى سبيل المثال، فإن المؤسسات التعليمية الرائدة تنشر دورات دراسية كاملة على الإنترنت. ومع توفر الإنترنت السريع، يمكن لمهندس شاب أو مهندسة شابة يصممان نموذجاً لشبكة للري في ريف مصر أن يصلا إلى اآآلاف الساعات من الدروس عبر الإنترنت من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتكملة تعليمه/ تعليمها. لقد أصبحت الحاضنات التكنولوجية والمدن الذكية في جميع أنحاء المنطقة تمثل واحات للإنترنت السريع الذي يوفر الفرص لآلاف من أصحاب الأعمال لإنعاش مفاهيم الأعمال لديهم وتحويلها إلى نماذج قابلة للتنفيذ. وقد ساعدت مواقع التمويل الجماعي مثل "ذومال" و "أفلامنه" و"إيوريكا" على تعبئة ملايين الدولارات لتمويل الشركات الناشئة في مهدها في أنحاء العالم العربي. وقد تصدر مؤخراً اسم خريجة إحدى الكليات وهي هند حبيقة التي تبلغ من العمر 25 عاماً عناوين الصحف في مجال سوق الأجهزة التكنولوجية بعد أن صممت شاشة صغيرة يمكن تركيبها في أية نظارة واقية لتتبع أداء السباحين. وقد تمكنت هند، التي تعيش في بيروت، من جمع 75000 دولار أمريكي على أحد مواقع للتمويل الجماعي الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له. وقد اتصل بها حتى الآن عدد من شركات رأس المال المساهمة المحلية والمستثمرين الملائكة الذين يمولون الشركات الناشئة لتأسيس مشروع يمكن أن يصبح عملاً تجارياً بملايين الدولارات.
 
ويحتاج العالم العربي للتحدث بلغة المستقبل. وجنباً إلى جنب مع تعزيز مشاركة المواطنين في المنطقة وتعزيز الاشتمال الاجتماعي، فإن أدوات الشبكات الاجتماعية لديها القدرة على خلق فرص جديدة للعمل، وأنشطة مبادرات الأعمال، والتنمية الاجتماعية. ويمكن للوصول إلى الإنترنت السريع  المساهمة في تعزيز فرص وصول الشركات الناشئة ورجال الأعمال إلى أسواق أوسع، ومساعدة الشركات المحلية على النمو وأن تصبح قادرة على المنافسة على مستوى عالمي. ويمكنه أن يلعب دوراً رئيسياً في تحديث القطاعات التنموية الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والخدمات العامة من خلال خلق بيئة مواتية تزدهر فيها الأفكار المبتكرة ونماذج الأعمال الجديدة.
 
وبالعودة الى السؤال المطروح حول ما إذا كان ينبغي اعطاء الأولوية للإنترنت ذات النطاق العريض؛ فقد أصبح من الواضح أن خدمات النطاق العريض تمثل أحد الأصول الاستراتيجية لمستقبل المنطقة وشبابها. ويمكن لزيادة إمكانية الوصول إلى الإنترنت السريع أن تساعد على وضع العالم العربي في مصاف المساهمين الرواد في المحتوى الرقمي الأصلي وتمكينه من تبوّء مكانة فريدة في مجال الاقتصاد الرقمي في المستقبل. وبقدر ما مكنت الإنترنت الشباب خلال الربيع العربي، فإن لها دوراً مهماً تسهم به في عالم اليوم.

للمزيد من المعلومات

بقلم

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000