نشر في أصوات عربية

تفاوت الفرص وانعدام المساواة في الدخل: دلالات من تجربة الربيع العربي في مصر

الصفحة متوفرة باللغة:

هذا المقال كان قد نُشر في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012 في مدونة "لنتحدث عن التنمية" (E) وهي مدونة كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي.

في 8 أكتوبر/تشرين الأول أصدر الرئيس مرسي قراراً بالعفو عن جميع السجناء السياسيين الذين تم القبض عليهم أثناء الثورة. وسيمثل هذا القرار، إن تم تنفيذه، علامة فارقة في الثورة المصرية التي شهدت كفاحا مضنيا على مدى 21 شهراً. لكن آثار عدم المساواة التي ساهمت في اندلاع هذه الثورة لا تزال قائمة. 

ومن ثورات الربيع العربي إلى احتجاجات وول ستريت، يتربع ملف عدم المساواة على رأس أجندة العمل الاجتماعي. ومع ذلك، نجد أن مقياسنا لعدم المساواة غالباً ما يقتصر على النواتج النهائية مثل الدخل والثروة والتحصيل الدراسي ولا يميز بين أثر المسؤولية الشخصية على عدم المساواة، والأثر الناجم عن عوامل خارج نطاق المسؤولية الفردية. 


Kim Eun Yeulوعلى مختلف مستويات الطيف الإيديولوجي هناك دور للمسؤولية الشخصية، ولا بد من مكافأة العمل الجاد والاختيارات الحكيمة. من ناحية أخرى، يُنظر إلى عدم المساواة  بوجه عام ـ الناجمة عن اختلافات تقع خارج نطاق سيطرة الفرد مثل العرق والجنس والإثنية والعائلة ومكان الميلاد على أنها جور وظلم. وهناك أثران مهمان لهذا التمييز: الأول أنه رغم الجدل ضد أو لصالح عدم المساواة في النواتج النهائية، قد لا نجد أي اختلاف بشأن توافر فرص متكافئة للأفراد لتحقيق هذه النواتج. فعدم المساواة في الدخل الناجم عن فروق واختلافات في الجهود الفردية طالما تساوت الفرص قد يكون مقبولاً بوجه عام.

وفي حدود اختلاف النواتج النهائية بناءً على الجهود المبذولة، قد يُثار جدل حول توفير حوافز لزيادة الجهود. وبالمثل هناك جدل ودفوع ضد زيادة عدم المساواة في الدخل تتضمن تأكيدات أن ذلك قد يحد من النمو ويعوق الجهود الرامية إلى تخفيف وطأة الفقر، وربما يتسبب في وقوع الجريمة والعنف والصراعات. ويتمثل الأثر الثاني في أن التمييز قد يسمح للسياسات الاقتصادية والاجتماعية بالتعويض عن العوامل التي تخرج عن نطاق سيطرة الأفراد، مع السماح للأفراد بتحمل تبعات العوامل التي يمكن أن يتحملوا مسؤوليتها. 


بناء على ما سبق، أي نوع من عدم المساواة كان عاملاً في الثورية المصرية؟ 
تفيد البيانات الكمية عن مصر قبل الثورة أن مقاييس عدم المساواة في الدخل في مصر كانت متوسطة بحسب المعايير العالمية. ووفقا للبيانات التي صدرت مؤخراً عن الأسر المعيشية، فإن قياس عدم المساواة في الدخل حسب معامل ارتباط جيني كان حوالي 31 في المائة في 2009. وعلى الرغم من أن هذه النسبة أعلى في معظم البلدان المكافئة، فإنها ليست بالمستوى الذي قد يسهم في اندلاع انتفاضات شعبية كالتي شهدناها في مصر. ويشير المسح الاستقصائي الذي قامت به مؤسسة وورلد فاليوز سيرفي في حوالي 70 بلداً أثناء 2005 – 2008 إلى أن التصورات العامة للجمهور بشأن عدم المساواة في الدخل في مصر منخفضة (الشكل 1).

وفي حين أن أكثر من 12 في المائة من جميع المستجوبين في هذا المسح وافقوا على "ضرورة زيادة المساواة في الدخل"، فإن النسبة المقابلة في مصر كانت 3 في المائة. وشعر حوالي 30 في المائة من المصريين أنهم "بحاجة إلى زيادة الفروق في الدخل كحوافز للجهود الفردية" مقارنة بما بلغ 16 في المائة في جميع البلدان المشاركة. وفي نهاية المطاف، وافق جميع المستجوبين من مصر تقريباً (97 في المائة) على العبارة التي تقول "إذا عمل شخص ما بصورة أكثر جدية، فمن العدل له أو لها أن يكافأ بصورة أكبر" مقارنة مع نسبة بلغت 78 في المائة من جميع البلدان المشاركة.

الشكل 1: التصورات الخاصة بعدم المساواة في الدخل والعدالة في مصر
Click here to see a larger image of this figure.
المصدر: "عدم تكافؤ الفرص في الحصول على الخدمات الأساسية بين الأطفال المصريين"
(اضغط للتكبير)

تبين دراسة للبنك الدولي تم استكمالها مؤخراً واعتمدت على منهجية تم إعدادها في دراسات صدرت مؤخراً عن عدم تكافؤ الفرص (مثل جون رويمر، 1998؛ وتقرير عن التنمية في العالم 2006) أن قدرة المصريين على تحقيق أهداف الحياة تعتمد بدرجة كبيرة على ظروف خارج نطاق سيطرتهم. وقد كانت نتائج هذه الدراسة كاشفة: فعلى الرغم من النسبة المعتدلة لعدم المساواة في الدخل، هناك تفاوت أكبر ومتزايد في فرص التنمية بسبب ظروف خارجة عن السيطرة (الشكل 2). ويتراوح قياس عدم تكافؤ الفرص حسب مؤشر الاختلاف من 6.5 في المائة في الحصول على الغذاء أثناء السنوات الأولى إلى 42 في المائة في الحصول على وظيفة ذات دخل جيد من جانب الفتيات الطموحات. وهناك ملاحظتان متحفظتان للمساعدة في فهم هذين الرقمين على نحو أفضل. أولاً، نظراً لاستحالة حصر جميع الظروف، لا بد وأن تؤخذ الأرقام كحد أدنى، وينبغي أن نعتبر أن أوجه عدم المساواة الفعلية أكبر. ثانياً، إن التفاوت الضعيف نسبياً في الوصول إلى الغذاء في السنوات الأولى لا يشير إلى عدم تفشي سوء التغذية في مصر، ولكنه يشير إلى ظاهرة تؤثر على العديد من الأطفال بغض النظر عن ظروفهم.

الشكل 2: عدم تكافؤ الفرص أثناء دورة الحياة (مقاساً بمؤشر الاختلاف)

Image

المصدر: مأخوذ من دراسة بعنوان"زيادة الفرص أمام الأجيال القادمة في مصر"
(اضغط للتكبير)

من البداية، تؤثر الظروف على احتمال حصول الطفل على خدمات رعاية صحية وخدمات تغذية ضرورية للحياة. وتعتبر الخلفية العائلية وخاصة مستوى تعليم الوالدين وثرائهما، والعوامل الجغرافية عوامل مهمة في توفير الخدمات الأساسية للأطفال. وفيما بعد، فإن التفاوتات في نواتج التعليم للأطفال (E) (مثل درجات الامتحانات) تزيد بسبب هذه الظروف الخارجية. وبعد ذلك، أثناء سنوات العمل الأولى للفرد، نجد أن مستويات الإنتاجية، واحتمالية الحصول على وظيفة ذات دخل جيد، وفرص تحقيق الدخل (E)تتأثر سلباً على نحو أكبر.

ماذا تعني هذه النتائج لمصر وحكومتها الجديدة؟ 
تعتمد قدرة المصريين على تحقيق أهداف الحياة بدرجة كبيرة على ظروف خارجة عن نطاق سيطرتهم. ونجد أن عدم تكافؤ الفرص الذي يحضر في حياة المصريين منذ  سنوات عمرهم الأولى يتجه نحو الزيادة على مر الزمن، مما ينجم عنه ضعف النواتج ــ في وقت حاسم الأهمية تتشكل فيه حريتهم المالية ومشاركتهم الوطنية. وفي حين أن هذه النتائج تسلط الضوء على بعض الأسباب الرئيسية للثورة، فإنها تتيح أيضاً رؤى متعمقة بشأن السياسات الاجتماعية والاقتصادية المهمة التي يمكن أن تركز عليها الحكومة الجديدة. 


كيف يتسنى للبنك الدولي مساندة الحكومة الجديدة في جهودها؟ 
من أجل تركيز الاهتمام على القضايا الأساسية، سيقوم البنك الدولي بتنظيم ورشة عمل عن السياسات في القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012. ومن الممكن عرض نتائج هذه الدراسة على واضعي السياسات وغيرهم من أصحاب المصالح المباشرة، بالإضافة إلى القيام بأعمال أخرى. وفي إطار استعدادنا لعرض هذه النتائج، فإننا نتطلع قدما إلى سماع مقترحاتكم وأفكاركم.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000