نشر في أصوات عربية

تقاطع الظروف الاقتصادية والصدمات النفسية والصحة العقلية في الضفة الغربية وقطاع غزة

الصفحة متوفرة باللغة:
(Photo credit: Shareef Sarhan) (Photo credit: Shareef Sarhan)

لقد أثَّرت سنواتٌ من التعرُّض المتواصل لويلات الصراع، تأثيراً شديداً على الصحة العقلية للفلسطينيين. ويشمل هذا عقوداً من التعرض للصراع، والقيود على الحركة والتنقل، وتدنِّي ظروف المعيشة، لاسيما لسكان غزة الذين يخضعون لحصار جوي وبري جزئي. وفي هذا السياق، قرَّرنا تقصِّي آثار الأزمات المتشابكة والصدمات المتراكمة على الصحة العقلية للسكان الفلسطينيين.  

ويمثل إدراك مدى انتشار هذه المؤشرات المتداخلة، على المستوى الوطني، على تحدٍ جسيم. وفي عام 2022، تمكَّن البنك الدولي بنجاح، بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والمركز الدولي للأمن والتنمية، ومركز أوبرليبين، من إجراء أول مسح استقصائي تمثيلي، على الصعيد الوطني حول هذا الموضوع؛ مسح الظروف النفسية للفلسطينيين: وهو جهد كبير من المتوقع أن يكون بمثابة خط أساس، لا للبنك الدولي فحسب، وإنما الأهم، لصانعي القرار، ولمجتمع التنمية برمته، ولجميع الجهات ذات العلاقة.  

وعُرِضت نتائج هذا المسح في رام الله في مارس/آذار 2023، وكانت تبعث على القلق. إذ أنَّ 58% من السكان البالغين، تظهر عليهم أعراض تتسق مع حالة الاكتئاب، وفقاً لمؤشر الرفاهة لمنظمة الصحة العالمية WHO-5))، وتبلغ النسبة 71% في غزة، و50% في الضفة الغربية. علاوةً على ذلك، فقد تأكَّدت إصابة نحو 7% من البالغين في الضفة الغربية وقطاع غزة باضطراب ما بعد الصدمة، استناداً إلى مستويات الأعراض التي تظهر عليهم. 

يزيد احتمال تعرُّض السكان في قطاع غزة للصدمات، أكثر من الفلسطينيين في الضفة الغربية (وفقاً لنتائج المسح 65% من سكان غزة مقابل 35% من سكان الضفة تعرَّضوا لوقائع مأساوية صادمة خلال السنة السابقة). ولكن احتمال ظهور أعراض تتسق مع اضطراب ما بعد الصدمة أقل لدى سكان غزة، مما هو لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويشير هذا إلى أنه بدلاً من الإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، فإن الصدمة التي تصيب الفلسطينيين، لاسيما الذين يعيشون في غزة، تتجلَّى في انتشار أعراض الاكتئاب والقلق على نطاق واسع.1 

تزداد إمكانية التعرُّض للصدمات جراء الحرمان من أسباب التمكين الاقتصادي، وفقدان الإحساس بالقدرة على التصرُّف، 
في سياق يغلب عليه تفشِّي البطالة، وغياب الفرص الاقتصادية. ففي نهاية عام 2022، بلغ معدل البطالة 24% على المستوى الوطني، لكن هذا الرقم يخفي تفاوتاً صارخاً، فالنسبة في قطاع غزة تصل إلى 45% بينما تتراجع إلى 13% في الضفة الغربية. ويعاني الشباب في غزة من مستويات مرتفعة للغاية من الإقصاء الاقتصادي، إذ يبلغ معدل البطالة بين صفوف الشباب في القطاع قرابة 70%. وتُظهِر نتائج مسح الظروف النفسية للفلسطينيين، وجود صلة واضحة بين الوضع في القوى العاملة وخطر الإصابة بالاكتئاب (الشكل 1، اللوحة أ)، إذ أن الحصول على وظيفة والعمل بدوام كامل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانخفاض كبير في أعراض الاكتئاب.2 وتُظهِر اللوحة ب من الشكل 1 الارتباط القوي بين درجات الاستهلاك الغذائي والإجهاد النفسي، فنقصان الأمن الغذائي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة الإجهاد النفسي. 

الشكل 1: ترتبط درجات الإصابة بأعراض الاكتئاب ارتباطاً طردياً بكون المرء عاطلاً بلا عمل أو في بطالة جزئية، أمَّا الحرمان  
من الأمن الغذائي فيرتبط بارتفاع مستوى الإجهاد النفسي. 

اللوحة أ: درجة الإصابة بأعراض الاكتئاب والوضع في القوى العاملة 

اللوحة ب: الإجهاد النفسي ودرجة الاستهلاك الغذائي 

Image 

Image 

المصدر: حسابات خبراء البنك الدولي مستندة إلى نتائج مسح الظروف النفسية للفلسطينيين. 

 

يكشف المسح أيضا عن وجود ترافق للاعتلال على مؤشرات الصحة العقلية، مع الأمراض المزمنة والإصابة بإعاقة. فنحو 19% من المجيبين في المسح، أبلغوا بأنفسهم عن إصابتهم بمرض مزمن، وأفاد 2% بأنهم يجدون صعوبات في النظر أو السمع أو المشي أو التذكر أو العناية بالنفس أو التواصل. وتُسجِّل هاتان المجموعتان الفرعيتان، درجات أعلى بصورة ملموسة من مستويات الإصابة بأعراض الاكتئاب، ودرجات الإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وهو مؤشر محتمل لما قد يكون عليه الارتباط بين هاتين الحالتين. 

الشكل 2: ترتفع درجات الإصابة بأعراض الاكتئاب وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة بشكل ملموس بين الذين يعانون  
من مرض مزمن أو شكل من أشكال الإعاقة. 

اللوحة أ: درجة الإصابة بأعراض الاكتئاب 

اللوحة ب: درجة الإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة 

Image 

Image 

المصدر: حسابات خبراء البنك الدولي مستندة إلى نتائج مسح الظروف النفسية للفلسطينيين. 

 

إن تقرير مسح الظروف النفسية للفلسطينيين يُسلِّط الضوء على مدى انتشار الأزمات المتشابكة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يشير إلى الحاجة إلى اتباع نهج شامل لتحسين الأحوال المعيشية الفلسطينيين. ويُمكِن للإجراءات التدخلية؛ مثل التحويلات النقدية والخدمات النفسية، وكذلك توظيف الشباب، والعلاج السلوكي المعرفي، أن تتجاوز نطاق الآثار الصحية المباشرة، وأن تدعم وتُعزِّز رأس المال البشري -وفي نهاية المطاف- النتائج الاقتصادية. ويقوم نفس فريق البنك الدولي حالياً، بالاستمرار في العمل لتعميق فهمنا وإدراكنا لهذه النتائج، وكيف تؤثِّر على الإنتاجية، والنمو المحتمل، وعموم الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بغية تقديم إرشادات في السياسات، وتوصيات بشأن الإصلاحات، في ثنايا تقرير جديد سيتم إعداده في أوائل عام 2024.  

مجموعة البيانات التي يستند إليها تقرير 2023 يمكن تنزيلها مجاناً لأي باحث أو جهة معنية. 


بقلم

جيانلوكا ميلي

خبير اقتصادي أول بالبنك الدولي

نادر محمد

المدير الإقليمي للنمو العادل والتمويل والمؤسسات (EFI) بالبنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000