تُولِي البنوك المركزية والجهات التنظيمية للقطاع المالي والأجهزة الرقابية اهتماماً شديداً بالآثار الناجمة عن تغير المناخ. ومن الممكن أن تؤثر المخاطر المناخية والبيئية على الاستقرار المالي، لكنها تتيح أيضاً فرصاً جديدة للتمويل الأخضر، حيث يمكن للقطاع المالي أن يصبح محركاً رئيسياً في تعبئة تريليونات الدولارات من التمويل المناخي الذي تشتد الحاجة إليه. وبما أن العمل المناخي الناجح يتطلب نهجاً شاملاً على مستوى الاقتصاد بأكمله، فإن "تخضير" القطاع المالي يتطلب أيضاً نهجاً "شاملاً للقطاع المالي بأكمله".
لا يزال البنك الدولي يقود مساندة البلدان النامية في تخضير قطاعاتها المالية عبر طائفة واسعة من المجالات وهي: إجراء تقييمات للمخاطر المناخية؛ ومساندة البنوك المركزية والجهات التنظيمية للقطاع المالي في دمج الاعتبارات المناخية في أطرها الإشرافية والتنظيمية؛ وتطوير أدوات أسواق رأس المال المراعية للمناخ؛ ودعم التصنيفات الخضراء، وأسواق الكربون الطوعية، وغيرها من المجالات، وجميعها تستند إلى الخبرات والمعارف العالمية التي يتمتع بها البنك الدولي.
وأسفر التعاون الذي تم مؤخراً بين البنك الدولي والبنك المركزي الأردني عن مخطط للطريقة التي يمكن أن تلجأ إليها البنوك المركزية والجهات التنظيمية للقطاع المالي في جميع أنحاء العالم للتحرك نحو قطاع مالي أكثر اخضراراً، ويمكن لهذه التجربة أن تثري أجندة التمويل الأخضر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدأ البنك المركزي الأردني مسيرته نحو تخضير القطاع المالي بإطلاق إستراتيجية التمويل الأخضر 2023 - 2028. ويفخر البنك الدولي بتقديمه للمساعدة الفنية في إعداد هذه الإستراتيجية، ونأمل أن تكون مصدر إلهامٍ للبلدان الأخرى. ويمتد دعمنا لإعداد إستراتيجيات مماثلة من بدايتها حتى تنفيذها ليشمل الأنشطة التالية: إسداء المشورة بشأن النطاق ومستوى التفاصيل؛ وتوفير الممارسات الدولية الجيدة وأحدث التطورات في إدارة المخاطر المناخية والتمويل الأخضر؛ والمساعدة في اختيار الأهداف ووضع خطط العمل اللازمة لتحقيقها؛ وتيسير مشاركة أصحاب المصلحة، بما في ذلك تقديم المساندة في إجراء المسوح الاستقصائية الأساسية؛ وغيرها.
كان الأردن من أوائل البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال العمل المناخي، حيث قدم التزامات طموحة بشأن تغير المناخ قبل ثماني سنوات. غير أن الوفاء بهذه الالتزامات يتوقف إلى حد كبير على تأمين تمويل لم يتم تحديده بعد. وتظهر الحسابات البسيطة أنه إذا افترضنا أن 20% من محافظ الائتمان للقطاع المصرفي الأردني أصبحت خضراء، فإن ذلك سيغطي أكثر من النسبة المتوقعة لمساهمة القطاع الخاص في احتياجات الأردن من الاستثمارات المناخية التي تبلغ 10 مليارات دولار بحلول عام 2030.
وتتضمن إستراتيجية البنك المركزي الأردني للتمويل الأخضر ما يلي: (1) برنامج شامل لبناء قدرات التمويل الأخضر؛ و(2) أول تقييم للمخاطر المناخية للقطاع المالي في الأردن؛ و(3) دمج الاعتبارات المناخية في إطار رقابي تحوطي يختص بجوانب الاقتصاد الجزئي والاستقرار المالي؛ و(4) اللوائح والإرشادات لدمج العوامل المراعية للمناخ والعوامل البيئية في جميع جوانب عملية اتخاذ القرار المالي، بما في ذلك هياكل حوكمة الشركات، وإدارة المخاطر والضوابط الداخلية، والإفصاح وإعداد التقارير والتمويل الأخضر؛ و(5) التمويل الأخضر الشامل للجميع؛ و(6) التمويل الإسلامي المستدام؛ و(7) تدابير تعبئة التمويل الأخضر. وترافق جميعَ المعالم المرحلية المهمة خططُ عملٍ تفصيلية تتضمن أهدافاً وجداول زمنية لتحقيقها، وتمتد لتشمل القطاع المصرفي والتأمين والمؤسسات المالية غير المصرفية.
المعالم المرحلية الرئيسية لإستراتيجية البنك المركزي الأردني للتمويل الأخضر 2023-2028
سيواصل البنك الدولي جهوده لمساندة تنفيذ هذه الإستراتيجية، حيث يجري حالياً تقييم المخاطر المناخية، كما أنه من المتوقع أن تشهد الأشهرُ القليلة القادمة تنفيذَ المرحلة الأولى من البرنامج الشامل لبناء قدرات التمويل الأخضر، فضلاً عن بدء العمل في تنفيذ التصنيف الوطني الأخضر.
وفيما يلي بعض الدروس المستفادة التي تعلمها فريقنا خلف الكواليس في أثناء العمل في هذا المشروع:
- تبني المجالات الناشئة للتمويل الأخضر. تتضمن إستراتيجية البنك المركزي الأردني للتمويل الأخضر أهدافاً واضحة في مجالات جديدة نسبياً مثل التمويل الأخضر الشامل للجميع، وتمويل الأنشطة المناخية المستند إلى النتائج، والتمويل الإسلامي المستدام، وخطط التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، وغيرها.
- الاهتمام بجانب الطلب على التمويل الأخضر لتمكين القطاع المالي من قيادة التحول نحو اقتصاد أكثر قدرة على الصمود وأكثر مراعاة للبيئة. وفي هذا الجانب، تُعد السياسات الخضراء الوطنية الشاملة والمنسقة ضروريةً لخلق الطلب على التمويل الأخضر.
- إستراتيجية التمويل الأخضر تمثل إشارة قوية على صعيد السياسات حيث تؤثر على سلوك المؤسسات المالية وتحدد مسار ووتيرة الاستعداد الاستباقي من جانب تلك المؤسسات للامتثال للوائح وسياسات التمويل الأخضر المقبلة.
- بإمكان الأجهزة التنظيمية والرقابية أن تكون قدوةً يحتذى بها. ويعمل البنك المركزي الأردني حالياً على إنشاء قسم للتمويل الأخضر والمخاطر المناخية، كما يقوم بالإعداد لبرنامج بناء قدرات التمويل الأخضر وتنفيذه على أن يشارك فيه الموظفون بالبنك المركزي الأردني والمؤسسات المالية.
- معالجة فجوات البيانات تُعد خطوة حاسمة لتخضير القطاع المالي استناداً إلى الأدلة والشواهد.
- اتباع نهج المرونة وتعديل المسار كلما دعت الحاجة. وعلى الرغم من التقدم السريع في مجال التمويل الأخضر وإدارة المخاطر المناخية، لا يزال التنفيذ العملي في مراحله الأولى في العديد من البلدان، ولا يزال هناك الكثير من الدروس التي يتعين تعلمها في غضون ذلك.
- التنفيذ التدريجي والتناسب أمران أساسيان لتخضير القطاع المالي.
شارك في فعالية إطلاق إستراتيجية البنك المركزي الأردني للتمويل الأخضر ممثلون عن القطاع العام والخاص والقطاع المالي، والشركاء الدوليين، وممثلو شبكة الخدمات المصرفية والتمويل المستدامة، فضلًا عن النظراء من المغرب ومصر. تصوير البنك الدولي.
نتوجه بشكر خاص للمانحين المساهمين في الصندوق الاستئماني متعدد المانحين للنمو في الأردن: المملكة المتحدة وكندا والمملكة الهولندية وألمانيا والنرويج مع مساندة التنفيذ من أمانة الإصلاح بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، وكذلك للبرنامج بأكمله التابع لصندوق دعم الأنشطة المناخية الذي يديره البنك الدولي، ومبادرة إصلاح وتدعيم القطاع المالي.
انضم إلى النقاش