نشر في أصوات عربية

الشفافية الكويتية: لا تنمية مع الفساد ولا استقرار مع فوضى الديموقراطية

الصفحة متوفرة باللغة:

Imageمرت الكويت، منذ عهد الإمارة - قبل الاستقلال في 19 / 6 / 1961 - بفترات اضطراب سياسي، وقد كان المؤمل في الانتقال لعهد الدولة والأخذ بالنهج الدستوري أن ينهي أي حالات فوضى سياسية، ويضع الاختلاف في إطاره الصحيح الذي يحقق التنمية المنشودة للكويت.
ولكن من يقرأ التاريخ الكويتي المعاصر، يجد أن القرارات التي اتخذت في بداية الاستقلال عالجت إشكاليات قائمة آنذاك، ولكنها استحدثت إشكاليات جديدة، وأحيانا تتكررهذه الإشكاليات بأثواب مختلفة، ولعل إلقاء نظرة على الأزمات السياسية منذ الاستقلال يؤكد على هذه الحقيقة، فعلى سبيل المثال: تشكلت الحكومة منذ يناير 1962 حتى يناير 2014 عدد 34 مرة بمعدل حكومة لكل 18.3 شهر ، من دون احتساب التعديلات الوزارية.
هذا الوضع السياسي انعكس أثره السلبي بشكل واضح على التنمية بأشكالها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وفي 2004 كانت المؤشرات المحلية والدولية تؤكد على تفشي الفساد، فعلى سبيل المثال: كان ترتيب الكويت في مؤشر مدركات الفساد 2003 هو 35 ، ثم في 2004 تراجع إلى 44 في هذا المؤشر الذي تعده منظمة الشفافية الدولية (في 2014 وصل ترتيب الكويت 67 ).
وحين قمنا بإنشاء جمعية الشفافية الكويتية في 2005، فقد كان الهدف هو تعزيز الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد وإقرار حق الحصول على المعلومات، وهي متطلبات تصب كلها في خدمة الحقوق الإنسانية التي ينبغي أن يتمتع فيها كل مواطن، لأن الهدف النهائي لأي دولة وأي نظام حكم هو "التنمية" أي حصول الإنسان على أفضل قدر ممكن من الحياة الكريمة في ظل الظروف المتوفرة.. وما لم نعزز النزاهة ونكافح الفساد فإن الضحية الأولى لذلك هي التنمية.
في ظل هذا التشخيص الذي قمنا به وصلنا إلى مجموعة من القناعات:

لا تنمية مع الفساد: فلا يمكن تحقيق خطط التنمية في ظل مؤشرات عالية للفساد الإداري والمالي .

لا استقرار مع فوضى الديمقراطية: فلا يمكن لأي بلد أن يستقر وتلتفت مؤسساته الرسمية وقواه الاجتماعية والاقتصادية إلى التنمية ما لم تكن الديمقراطية مستقرة ويتم التوافق عليها من قبل مكونات المجتمع.

إستراتيجية متكاملة للحوكمة: إذا أردنا تحقيق الحكم الرشيد - الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد وما تفضي من نتائج إيجابية - فلا بد أن يكون العمل الإصلاحي ككل متكامل في جميع القطاعات ومختلف المستويات، فلا يمكن تحقيق الإصلاح المالي والإداري في ظل تفشي الفساد السياسي.

توافق مؤسسة الحكم مع الناس: فدولة الكويت نظامها (ملكي) يرأسها أمير، والدستور يبين إجراءات تعديله نحو الأفضل، بأن تتم بالتوافق بين الأمير والبرلمان، لذلك لابد من توافق وتفاهم تلك الأطراف لتحقيق الإصلاح، وهو سبيل قد يبدو صعب وطويل، إلا أنه أسهل وأفضل من تجارب الدول الأخرى التي قامت دون إجماع إرادات الأطراف المعنية عبر تفاهم مشترك.

وقد لخصنا عملية الإصلاح والحكم الرشيد - الذي هو غاية كل دولة - في هذا الشكل:

Image فتمثل كل من "النزاهة" و "الديمقراطية" ضلعين من أضلاع المثلث الذي يساهم بدرجة رئيسية في تحقيق "التنمية" والتطور لأي دولة ومجتمع، باعتبار أن التنمية هدف كل "حكم رشيد" يوفر مناخا مشجعا لاستقطاب رؤوس الأموال وينمي الاستثمار.

 وانطلاقا من ذلك،بادرت جمعية الشفافية الكويتية إلى تقديم رؤية حول تعزيز الاستقرار وتحقيق التنمية، وتقديم وترويج ما يصلح لتعزيز مسيرتنا الديمقراطية وإصلاح الجهاز الإداري للدولة، عبر التشارك مع الحكومة والبرلمانيين والجماعات الضاغطة والمجتمع المدني والناشطين في المجتمع.

 كما وضعت الجمعية برنامجا طموحا في مجال تحسين الديمقراطية وتعزيز الإصلاح، واستطاعت تحقيق أهم إنجاز لها وهو صدور قانون في 2012 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد وإقرار الذمة المالية للقياديين وتوفير الحماية للمبلغين والشهود وضحايا الفساد ، كما استضافت الجمعية مراقبين دوليين لانتخابات البرلمان، وتقوم منذ سنوات بحملات متتابعة لإقرار اقتراحات قوانين قامت بصياغتها ومنها: قانون تعارض المصالح وقواعد السلوك العام وقانون ديوان الشفافية وتنظيم حق الإطلاع على المعلومات وقانون التعيين في الوظائف القيادية.
  
الآراء المنشورة في هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعكس بالضرورة رأي مجموعة البنك الدولي.
 

بقلم

صلاح محمد الغزالي

مؤسس و رئيس جمعية الشفافية الكويتية منذ 2005 م، حصل من الرئيس الفرنسي على وسام

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000