هناك توجه عالمي نحو التنمية الحضرية المستدامة القائمة على إنعاش المناطق والمدن الحضرية وإحداث تحولات بها. وذلك بهدف تحسين إمكانية العيش والحد من الآثار البيئية مع تعظيم المنافع الاقتصادية والاجتماعية المشتركة. وهذا التوجه العالمي يتناسب بشكل كبير مع الظروف الراهنة في الأراضي الفلسطينية التي تتسم بدرجة عالية من النمو الحضري وتزايد الكثافة السكانية في المناطق المشيدة أكثر من أي وقت مضى بسبب الحدود المرسومة سياسياً والتي لا تأخذ في الحسبان النمو الطبيعي للسكان.
عبء الازدحام السكاني. وصلت نسبة الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق الحضرية إلى 77% (3.8 ملايين نسمة) حيث يعيش أكثر من 60% من سكان الحضر في المدن الكبيرة، أي بزيادة تتجاوز 50% على مدى السنوات الخمسين الماضية. وتقدر الكثافة السكانية في الأراضي الفلسطينية بنحو 798 نسمة لكل كيلومتر مربع، وهي تقريباً ضعف الكثافة السكانية في الهند (464 نسمة) وإسرائيل (426 نسمة)، وهي أعلى بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 60 نسمة لكل كيلومتر مربع. وهذا الواقع الديموغرافي داخل الحدود الإدارية المقيدة يجعل تخطيط المدن والبلدات الفلسطينية وتمويلها وإدارتها أولويةً على صعيد السياسات الوطنية.
وتواجه المدن الفلسطينية مخاطر الكوارث الطبيعية والكوارث الناجمة عن النشاط البشري. وبالنسبة للأخطار الطبيعية فتشمل الزلازل والأمطار الغزيرة، التي يمكن أن تؤدي إلى الانهيارات الأرضية وتسييل التربة (حيث تتفسخ التربة المشبعة بالمياه أسفل المباني)، وكذلك الفيضانات وموجات الجفاف. أما الأخطار الناجمة عن النشاط البشري فترتبط في الغالب بالصراع السياسي والعنف القائمين منذ وقت طويل. وتؤدي آثار تغير المناخ إلى تفاقم هذه الأخطار، حيث يعجل انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة من حدوث التصحر وتزايد موجات الحر وحرائق الغابات. كما وأصبح نقص المياه والجفاف، وكذلك الفيضانات الساحلية، وتسرب المياه المالحة، وتآكل السواحل من القضايا الخطيرة. ويزيد تغير المناخ أيضاً من انتشار الأمراض المنقولة عن طريق لدغ البعوض والقراد وغيرها من ناقلات الأمراض، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأوبئة والجوائح.
ويؤدي ضعف أنظمة الحوكمة إلى تفاقم آثار الكوارث. فالتوسع العمراني السريع وغير المخطط، وافتقار البنية التحتية وسوء تنظيمها، مع تدهور بيئي، كل هذا يسهم في زيادة تعرض السكان للأخطار. ويُعد التأخير الطويل في وضع إطار قانوني ومؤسسي شامل بشأن سياسات إدارة مخاطر الكوارث في الأراضي الفلسطينية فجوةً أساسية. وقد تحققت في السنوات الثلاث الماضية مكاسب كبيرة لا سيما في إنشاء مؤسسات مناط بها مواجهة آثار الكوارث. وبالرغم من ذلك، يبقى فرض الكثير من السياسات أمرا صعبا بغياب سياسة داعمة. كما تواجه المؤسسات مشكلات دائمة في التنسيق والتواصل والتكامل بين المبادرات والموارد.
وتزداد الكثافة الحضرية سوءًا بسبب الصعوبات المرتطبة مع تقديم خدمات اساسية موثوقة وذات جودة ، لاسيما المياه والطاقة وجمع النفايات الصلبة والتخلص منها. ويؤدي تزايد عدد السكان والتوسع العمراني إلى زيادة النفايات الصلبة، مما يشكل ضغوطاً كبيرةً على مقدمي خدمات جمع النفايات والهيئات الحكومية المعنية. ونرى أن العديد من مكبات النفايات في طور الوصول إلى طاقتها الاستعابية في وقت أسرع عما كان مخططاً له في مرحلة التصميم، الأمر الذي سيتسبب بعواقب سلبية على البيئة والصحة العامة. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب القيود المفروضة على المناطق المسماة (ج) الأمر الذي يسهم في خلق تحديات اضافية في تحديد الأراضي المناسبة لإنشاء مكبات نفايات جديدة، فضلاً عن نقص الموارد لدى السلطة الفلسطينية للاستثمار الرأسمالي في البنية التحتية في منشآت لمعالجة النفايات. ويعد تحقيق الاستدامة المالية، واسترداد التكاليف، وتعزيز كفاءة الخدمات في إدارة النفايات الصلبة تحدياتٍ كبيرة ومشتركة في جميع أنحاء العالم.
كيف يمكن للبنك الدولي مساندة جهود المضي قدما؟ تدرك السلطة الفلسطينية تماماً ضرورة معالجة مثل هذه الأزمات الخانقة. ويمكن ملاحظة ذلك في الأهداف المتعددة التي حددتها السلطة الفلسطينية في مساهماتها الوطنية لمكافحة تغير المناخ للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وإستراتيجيتها الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، والعديد من المراسيم والقرارات التي أصدرتها خلال السنوات الماضية. وافق البنك الدولي مؤخراً على مشروع جديد للخدمات البلدية القادرة على الصمود بهدف تعميق الإصلاحات على المستوى الوطني لتهيئة بيئة مواتية لتحسين الاستدامة المالية ومساءلة هيئات الحكم المحلي المسؤولة عن المناطق الحضرية. ومن بين الأهداف الرئيسية لهذا المشروع إنشاءُ نظام التحويلات المالية بين الحكومة المركزية وهيئات الحكم المحلي لضمان قدر كاف من الانضباط في التدفقات المالية بين الحكومة المركزية ووحدات الحكم المحلي (البلديات والمجالس القروية)، وتعزيز ايرادات المدن والبلديات، ووضع خطة عمل واضحة ومحددة زمنياً لحل مشكلة صافي الإقراض التي لا زالت قائمة والبحث عن فرص للشراكة بين القطاعين العام والخاص وأي إستراتيجيات أخرى من الممكن أن تسهم في تطوير حوكمة محلية مستدامة مالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة.
عندما تقع الكوارث. يساعد البنك الدولي السلطة الفلسطينية أيضاً على الانتقال من التركيز التقليدي على الاستجابة والتعافي بعد وقوع الكارثة إلى إدارة أكثر استدامة وشمولية لمخاطر الكوارث بحيث تغطي دورة إدارة مخاطر الكوارث بأكملها (أي التأهب والوقاية والتخفيف من حدتها والحد من المخاطر والاستجابة والتعافي وإعادة الإعمار وتمويل مخاطر الكوارث وتحويل الأموال اللازمة). ومن هذا المنطلق، سيقوم البنك الدولي بمساعدة السلطة الفلسطينية في السنوات القادمة على ما يلي: (1) إعادة النظر في منهجية مراجعة التصاميم القائمة وآلية الموافقة عليها وعملية منح تراخيص البناء، وإعادة النظر في أكواد ومعايير البناء ذات الصلة، وترتيبات الإشراف على الإنشاءات ومراقبة جودتها، ومعايير إعادة تجهيز المباني وتجديدها، وتقديم مجموعة من التوصيات لتحسين المعايير الحالية لتصميم المباني والإنشاءات وإعادة تجهيزها وتجديدها وجعلها قادرة على الصمود أمام تغير المناخ وإدارة مخاطر الكوارث، و(2) توحيد أدوات تقييم المخاطر المكانية القائمة وتخطيطها ووضع سيناريوهات للمناطق الحضرية الخضراء والقادرة على الصمود أمام تغير المناخ وإدارة مخاطر الكوارث عن طريق السياسات والاستثمارات الملائمة (النمو المدمج، والبناء الأخضر، والحلول القائمة على الطبيعة، وكفاءة النقل العام، والإنارة الموفرة للطاقة في الشوارع، وأنظمة إدارة النفايات).
ولا يزال البنك الدولي منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين يساند السلطة الفلسطينية في قطاع النفايات الصلبة من خلال مشاريع استثمارية وخدمات استشارية. ومن خلال الصندوق الاستئماني متعدد المانحين للشراكة العالمية للمعونات المرتبطة بالنتائج، والذي يستضيفه البنك الدولي، يقدم البنك حالياً مساعدة فنية إضافية للسلطة الفلسطينية لوضع خارطة طريق متكاملة من شأنها تمكين فلسطين من تحقيق أهدافها الوطنية لإدارة النفايات الصلبة وخطط المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ، والتحسين الشامل لتصميم عمليات إدارة النفايات الصلبة ورفع مستوى كفاءتها في المستقبل. وبصفة خاصة، ستدعم خارطة الطريق الخاصة بقطاع النفايات الصلبة ما يلي: (1) وضع سياسات للحد من التخلص من النفايات في المكبات من خلال إعادة تدويرها واسترجاعها وتحقيق أكبر قدرٍ من الكفاءة في عمليات جمعها ونقلها للتخلص النهائي منها؛ و(2) الأخذ بعين الاعتبار باكبر قدر ممكن الاعتبارات المتعلقة بتغير المناخ والمساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ في عملية تحسين إدارة مكبات النفايات؛ و(3) تحقيق الاستدامة المالية في هذا القطاع.
يشير صافي الإقراض إلى النظام الذي تخصم بموجبه إسرائيل مبالغ نقدية من الإيرادات الضريبية التي تحصلها نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي غير المدفوعة المقدمة للمستهلكين الفلسطينيين. 1
انضم إلى النقاش