يواجه واضعو السياسات في مصر اليوم تحدياً كبيراً يتمثل في كيفية معالجة التحديات الاقتصادية الجسيمة في وقت تمر فيه البلاد بتحولات سياسية واجتماعية. فحركة القطاعات الرئيسية للاقتصاد (البناء، والتجارة، والسياحة) ما زالت ضعيفة في حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي كان أحد المصادر الأساسية للنمو في مصر، وصل إلى ما يقرب من الصفر في الربع الثاني من هذا العام. وقد ارتفع معدل البطالة في مصر، الذي كان يدور تقليدياً حول نسبة 9.5 في المائة في السنوات التي سبقت الثورة، إلى 13.2 في المائة في الربع الأول من عام 2013 (البنك الدولي 2013).
ويشكل تعزيز الاشتمال المالي (financial inclusion) أحد الجوانب المهمة ذات الاهتمام المتجدد لدى واضعي السياسات ومقدمي الخدمات المالية – ويعني الاشتمال المالي اتاحة الفرصة أمام جميع الأفراد والشركات للوصول إلى الخدمات المالية الملائمة والاستفادة منها (بما في ذلك القروض، والادخار والائتمان، والتأمين، ونظم تحويل الأموال)، التي توفرها المؤسسات المخولة بتقديم مثل تلك الخدمات.
بامكان الاشتمال المالي المساعدة على توسيع نشاط القطاع الخاص ومعالجة التحديات الاقتصادية في مصر. فعلى مستوى الاقتصاد الجزئي، تساهم قدرة الحصول على الخدمات المالية واستخدامها في تحسين رفاهية الأسر وفي تنشيط مشاريعها. كذلك يمكن أن يساعد الاشتمال المالي على مواجهة مشكلة البطالة إذ أنه يساهم في نمو مشاريع الأعمال التي لا تتوفر للكثير منها فرصة الحصول على الائتمان وخدمات الادخار والتوفير. كما وان تعزيز الاشتمال المالي يؤثر بشكل كبير على استقرار الاقتصاد الكلي. فالأدلة الراهنة (هان، وروي، وميليكي، 2013) تؤكد أن من شأن زيادة فرص الوصول إلى الودائع المصرفية والاستفادة منها خفض عملية سحب الودائع بشكل ملحوظ وتباطؤ النمو في أوقات الضغوط المالية.
ومع ذلك، فإن نسبة المتعاملين مع المؤسسات المصرفية في مصر هي من الأكثر تدنياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (انظر الرسم البياني 1). ووفقاً لبيانات المؤشر المالي العالمي، فإن 10 في المائة فقط من المصريين يحصلون على خدمات مالية رسمية، وأقل من 4 في المائة حصلوا على قروض من إحدى المؤسسات المالية في العام الماضي.وعلى سبيل المقارنة، فإن معدل 24 في المائة من سكان البلدان منخفضة الدخل يمتلكون حسابات في المؤسسات المالية الرسمية. ورغم أن مصر تفخر بأن لديها أحد أكبر أسواق التمويل الأصغر (التمويل متناهي الصغر) في العالم العربي من حيث نطاق انتشاره، فإن التقديرات تشير إلى أن هذا القطاع لم يصل سوى إلى 8 في المائة فقط من إمكاناته.
الرسم البياني 1: انخفاض مستويات المتعاملين مع المؤسسات المصرفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
المصدر:مؤشر تعميم الخدمات المالية العالمي 2012
وقد أتاحت ورشة عمل عُقدت مؤخرا في القاهرة وشارك في تنظيمها كل من البنك الدولي، والمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء، والصندوق الاجتماعي للتنمية، والوكالةالألمانيةللتعاونالفني، فرصة مهمة لمناقشة التغييرات التنظيمية واستثمارات السوق المهمة التي من شأنها زيادة أعداد المتعاملين مع المؤسسات المالية والمصرفية في مصر.وحضر هذه الفعالية العديد من الأطراف الفاعلة الرئيسية – ممثلة في البنك المركزي المصري، وهيئة الرقابة المالية المصرية، والبريد المصري، ومؤسسات التمويل الأصغر/المنظمات غير الحكومية، والبنوك.
ومن خلال المساعدة المقدمة من مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي، بدأ العمل على صياغة قانون التمويل الأصغر من أجل معالجة الثغرات القانونية الرئيسية القائمة، بما في ذلك السماح لمؤسسات التمويل الأصغر، ومعظمها تعمل حالياً كمنظمات غير حكومية، بامتلاك شركات. وستُزيد هذه الفرصة من قدرة مؤسسات التمويل الأصغر على العمل على نحو مستدام من خلال زيادة الاستفادة من قاعدة تمويلها وتنويعها.ويقدم البنك الدولي خدمات التحليل القانوني ودعم التنسيق للصندوق الاجتماعي للتنمية وهيئة الرقابة المالية المصرية، والجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة في وضع القانون الجديد.
وعلى نحو مماثل، بدأ مقدمون جدد للخدمات في دخول السوق لتقديم الخدمات المالية للفقراء. وقد جددت هيئة البريد المصري، التي تعمل تحت قيادة جديدة، التزامها بإنشاء "بنك الفقراء" من خلال تقديم خدمات مهمة للتوفير والادخار، والمدفوعات، والتأمين. كما تتطلع أيضاً إلى توسيع الروابط مع مؤسسات التمويل الأصغر فيما يتعلق بخدمات الإيداع والسحب النقدي المتعلقة بصرف القروض وتحصيلها من خلال فروعها التي تزيد عن 3000 فرع في جميع أنحاء البلاد. ويوفر البنك الدولي الإرشادات التقنية لهيئة البريد المصري وهي تقوم بتطوير منتجات جديدة، ويتطلع إلى توسيع نطاق شراكاته مع مقدمين آخرين للخدمات المالية.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، شرع البنك المركزي المصري في تشكيل فريق عمل بقيادة المعهد المصرفي المصري لوضع استراتيجية لتعميم الخدمات المالية، ودراسة ما يلزم من سياسات وأنشطة للمساعدة في التنسيق بين كل من الجهات الخاصة (مقدمي الخدمات المالية) والعامة (الهيئات التنظيمية) لتعزيز تعميم الخدمات المالية في إطار اختصاصها وولايتها. وهذه أخبار طيبة في ضوء المبادرة العالمية الجديدة لرئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم لتوفير فرص الوصول إلى الخدمات المالية الشاملة لجميع البالغين في سن العمل بحلول عام 2020. كما يعكس عمل البنك المركزي المصري أيضاً اتجاهاً بدأت بموجبه البنوك المركزية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إظهار رغبة واهتمام أكثر نشاطاً للقيام بدور أكبر في مجال قيادة الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار المالي وتعميم الخدمات المالية.
وتشير هذه المبادرات معا إلى أن تعميم الخدمات المالية بدأ يبرز باعتباره وسيلة مهمة يتم من خلالها تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحفيز استثمارات القطاع الخاص في مصر، خاصة في وقت تمر فيه البلاد بتحولات سياسية واجتماعية كبيرة.ويسعد البنك الدولي أن يرى التقدم الذي تحقق مؤخراً في مجال تعميم الخدمات المالية في مصر، وهو على استعداد لمواصلة مساعدة القطاع المالي وهو يتقدم إلى الأمام على طريق توفير فرص الوصول إلى الخدمات المالية لجميع المصريين.
انضم إلى النقاش