نشر في أصوات عربية

الاستفادة من المسوح الاستقصائية عبر الإنترنت لتبسيط قياس الاستهلاك الغذائي: دروس مستفادة من لبنان

الصفحة متوفرة باللغة:
الاستفادة من المسوح  الاستقصائية عبر الإنترنت لتبسيط قياس الاستهلاك الغذائي: دروس مستفادة من لبنان

في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي طال أمدها في لبنان، أصبح تحديث مسوحات استهلاك الأسر لتعكس الواقع أمراً ملحاً، ويشكل تحدياً في الواقع العملي. ولطالما اعتُبرت الأساليب القائمة على التسجيلات اليومية معياراً ذهبياً للحصول على بيانات تفصيلية عن الاستهلاك الغذائي، لكنها أصبحت غير عملية بشكل متزايد في البيئات ذات الموارد المحدودة أو التي تزداد فيها الأعباء على المستجيبين.

ولمعالجة ذلك، استحدث البنك الدولي نهجاً تجريبياً مبتكراً باستخدام مسح استقصائي مسبق الإعداد على شبكة الإنترنت لإعداد مجموعة من الأسئلةmodule) ) المتعلقة بالاستهلاك الغذائي، بناء على خبرات وذاكرة المستجيبين من أجل إجراء المسح الاستقصائي المباشر للأسر في لبنان للفترة 2022-2023. ولم تسفر هذه الدراسة التشخيصية السريعة عن الحصول على معلومات أولية بشأن الاستهلاك الغذائي للأسر المعيشية وسلوكها الشرائي فحسب، بل ساعدت أيضاً في تبسيط أداة المسح الاستقصائي مع الحفاظ على سلامة البيانات.

كان التحدي الأساسي واضحاً، فقد شمل المسح الاستقصائي لميزانية الأسر للفترة 2011-2012 أكثر من 250 صنفا غذائيا، وهو مستوى من التفاصيل لا يتوافق مع المقابلات الشخصية المقررة بهدف التعرف على خبرات وتجارب المستجيبين لأغراض المسح الاستقصائي للأسر في لبنان. لكن الاعتماد فقط على القوائم القديمة ينطوي على مخاطر إغفال المواد الغذائية الأساسية الآخذة في الظهور أو الإفراط في الإشارة إلى المواد التي لم تعد تستهلك، بسبب الغلاء الفاحش أو صدمات الدخل.

وبدلاً من إجراء مسوح استقصائية مسبقة تستغرق وقتاً طويلاً وباهظة التكلفة سواء أكانت وجهاً لوجه أو عبر الهاتف، اعتمد الفريق على بديل أكثر مرونة عبر شبكة الإنترنت. فبالاستفادة من منصة فيسبوك الإعلانية للتواصل مع المستجيبين ومنصة SurveyMonkey لاستطلاعات الرأي، تم نشر نسختين من المسح الاستقصائي لرصد مستويات الرفاهية في كافة المناطق اللبنانية في أواخر عام 2022. وسجلت إحدى النسختين معلومات عن الاستهلاك الغذائي خلال الأيام السبعة السابقة للمسح الاستقصائي، وجمعت الأخرى معلومات عن تواتر مشتريات المواد الغذائية في الآونة الأخيرة. وقد تم جمع أكثر من 2400 رد في غضون ثلاثة أسابيع.

وأثبتت نتائج المسوح الاستقصائية على شبكة الإنترنت صحة التوقعات بشأن اللجوء إلى خفض الاستهلاك الغذائي، فقد اعتمدت الأسر اعتماداً كبيراً على المواد الغذائية الأساسية المتوفرة بأسعار معقولة؛ مثل الخبز العربي الأبيض والأرز والبطاطس والعدس. وفي المقابل، انخفض استهلاك وشراء اللحوم ومنتجات الألبان والأغذية المُصَنَّعة، انخفاضاً حاداً، ما يعكس القيود الاقتصادية وإستراتيجيات التكيف التي تمليها الأزمة. وتأكدت هذه الاتجاهات لاحقاً من خلال بيانات مأخوذة من المسح الاستقصائي للأسر في لبنان للفترة 2022-2023، على النحو المفصل في تقييم أوضاع الفقر والإنصاف في لبنان لعام 2024.

الشكل 1. أكثر 20 مادة غذائية يتكرر شراؤها وردت في المسح الاستقصائي على شبكة الإنترنت في لبنان (نوفمبر/تشرين الثاني 2022)

The World Bank

 

المصدر: تقديرات خبراء البنك الدولي باستخدام المعلومات المأخوذة من الجولة الثانية للمسح الاستقصائي على شبكة الإنترنت في لبنان (الإصدار ألف)

تجدر الإشارة إلى أن تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان للفترة 2022-2023 يسلط الضوء على تحول كبير في أنماط إنفاق الأسر مقارنة بالمسح الاستقصائي لميزانية الأسرة للفترة 2011-2012، فقد ارتفعت نسبة الإنفاق على الخبز والحبوب ارتفاعاً كبيراً، في حين انخفض الإنفاق على اللحوم وغيرها من المجموعات الغذائية الأعلى تكلفة بشكل ملحوظ (انظر الشكل 2). ويعزز ذلك التفسير القائل بأن الأسر قد قامت بخفض استهلاكها الغذائي وأعطت الأولوية للحصول على قدر كافٍ من السعرات الحرارية على حساب التنوع الغذائي في خضم الضغوط الاقتصادية المستمرة. 

الشكل 2: على مدى العقد الماضي، زادت الأسر اللبنانية من إنفاقها على المواد الغذائية الأساسية، وخفضت في الوقت نفسه من إنفاقها على اللحوم

 

The World Bank
 
The World Bank

إيضاح: تقتصر التقديرات على الأسر في محافظات عكار وبيروت والبقاع وجبل لبنان وشمال لبنان.

المصدر: تقديرات خبراء البنك الدولي باستخدام المسح الاستقصائي لميزانية الأسرة 2011/2012 والمسح الاستقصائي للأسر في لبنان 2023/2022

ساهمت هذه المعلومات الآنية بشكل مباشر في إعادة تصميم مجموعة الأسئلة المتعلقة بالغذاء في المسح الاستقصائي للأسر في لبنان. وبالتشاور مع الشركاء المحليين، قام الفريق بتنقيح قائمة المواد الغذائية وحصر 128 مادة غذائية - مع الإبقاء على المواد التي يكثر ذكرها، أو المهمة من الناحية الغذائية، أو التي تزداد أهميتها في الأنظمة الغذائية للأسر. وتم إسقاط المواد الغذائية المشار إليها بشكل محدود أو تجميعها في فئات أوسع لتبسيط أداة المسح. 

وكانت المنافع ذات شقين؛ أولاً، ساعد هذا النهج على إجراء تعديلات موثقة بشواهد على أداة المسح الاستقصائي الخاصة بالأنظمة الغذائية للأسر في لبنان وضمان ملاءمتها واستنادها إلى السلوكيات الحالية. ثانياً، أظهر كيف يمكن للأدوات الرقمية - عند استخدامها على نحو إستراتيجي - أن تكمل أساليب المسح التقليدية، خاصة في ظل محدودية الوقت والموارد .

وفي الوقت الذي يسعى فيه العاملون في مجال التنمية إلى اتباع نُهُج وأساليب أكثر مرونة في جمع البيانات، تقدم تجربة لبنان نموذجاً رائداً. ففي سياق التدهور الاقتصادي الحاد والقيود المؤسسية، تبين أن المسح الاستقصائي المسبق على شبكة الإنترنت يمثل حلاً عملياً لتكييف تصميم المسوح الاستقصائية. وبشكل أعم، يوضح هذا النهج كيف يمكن للدراسات التشخيصية الرقمية السريعة ومنخفضة التكلفة أن تعزز كفاءة وملاءمة أدوات المسوحات الاستقصائية للأسر - بغض النظر عن البيئة - من خلال توفير معلومات في الوقت المناسب عن تغييرات السلوك الاستهلاكي للأسر.

 

تستند هذه المدونة إلى مذكرة أطول أعدها فريق عمل البنك الدولي المعني بالفقر في لبنان. هذه المذكرة متاحة عند الطلب. 


ستيفانيا روديكا كنوبلوتش

بقلم: جانيش سيشان وستيفانيا روديكا كنوبلوتش

تالا اسماعيل

خبيرة اقتصاد، لبنان، البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000