مع حلول اليوم العالمي للقضاء على الفقر يوم 17 أكتوبر، تُظهر مدونة نشرها خبراء البنك الدولي مؤخرًا أن الفقر قد تراجع أخيرًا إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، مما يعني في جوهره أننا فقدنا ثلاث سنوات في المعركة العالمية ضد الفقر. وتستند هذه المدونة إلى تحليل دقيق لبيانات المسوح الاستقصائية المتاحة في منصة الفقر وعدم المساواة التابعة للبنك الدولي. وتتيح هذه المنصة التفاعلية على شبكة الإنترنت للمستخدمين إمكانية الوصول السريع إلى البيانات المتعلقة باتجاهات الفقر من قاعدة بيانات تضم 2200 مسح أسري من أكثر من 160 اقتصادًا في جميع أنحاء العالم، بعد أن كانت تضم 36 بلدًا فقط، وذلك في واحد من أقدم التحليلات البنك في عام 1979.
وتبدو الصورة الموجزة عن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المدونة المشار إليها أعلاه أكثر إثارة للقلق، حيث يكشف التصنيف الجغرافي لهذه الاتجاهات عن زيادة كبيرة في معدلات الفقر في المنطقة استنادًا إلى خطوط الفقر الدولية الثلاثة التي يستخدمها البنك الدولي لتتبع الفقر على مستوى العالم. وكما هو مبين أدناه، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي ارتفع فيها معدل الفقر (على أساس خط الفقر البالغ 3.65 دولارات) خلال العقد الماضي، من نحو 12.3% في عام 2010 إلى 18.1% في عام 2023.
ومهما حملت هذه التقديرات من فائدة، فمن المهم ألا يغيب عن بالنا أنها تقديرات إجمالية تشير في أفضل أحوالها إلى اتجاهات عامة. ويُعد توافر بيانات متعمقة على المستوى القُطري من الأمور الأساسية لفهم اتجاهات الفقر ومحركاته في سياقات قُطرية محددة، وهو بدوره أمر أساسي لتصميم السياسات والبرامج الفعالة للحد من الفقر.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انخفضت تغطية المسوح الأسرية من 82% في 2012 إلى 45% في 2019 (انظر أدناه للاطلاع على أحدث البيانات المتاحة لبلدان المنطقة)؛ أما بالنسبة للسنوات الأخيرة، فيتم استخلاص التقديرات الخاصة بالمنطقة باستخدام توقعات تستند إلى مسوح أُجريت فيما قبل عام 2020. واتساقًا مع التعافي المتواضع في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، تشير التقديرات إلى أن معدل الفقر على مستوى المنطقة قد انخفض بوتيرة بطيئة خلال فترة ما بعد الجائحة.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انخفضت تغطية المسوح الأسرية المتاحة للجمهور إلى أقل من 50% |
أحدث المسوح الأسرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تتوفر بيانات بشأنها في منصة الفقر وعدم المساواة |
||||||||||||||||||||||||
|
يُعد التحليل القُطري المتأني ضروريًا لدراسة الفقر على مستوى أكثر تفصيلاً. وتأثر النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة سلبًا في معظم بلدان المنطقة جراء الصدمات المتداخلة والتحديات الاقتصادية الكلية والهيكلية، وتجاوز معدل التضخم عددًا من خانتين (10% فأعلى) في عدد قليل من بلدانها. (آفاق الاقتصاد الكلي والفقر، أكتوبر/تشرين الأول 2023).
قام خبراء البنك الدولي بالعمل بشكل وثيق مع مختلف أصحاب المصلحة في المنطقة لتحليل البيانات الجزئية المتاحة وإثراء عملية تصميم برامج الحماية الاجتماعية للتخفيف من وقع الصدمات، ومن ذلك توسيع برامج التحويلات النقدية في جميع أنحاء بلدانها. وكان هذا التحليل مفيدًا ليس فقط في لفت الانتباه إلى الشرائح السكانية من غير القادرين التي ربما تم استبعادها من مختلف التدابير قيد الدراسة، ولكن أيضًا لتقييم كفاءة واستدامة إجراءات الاستجابة التعويضية.
وكما أبرزت مطبوعة تقرير عن التنمية في العالم 2021: البيانات من أجل حياة أفضل، يمكن للحكومات تحقيق قيمة اقتصادية واجتماعية هائلة من البيانات من خلال تضافر الجهود لتحويلها إلى معلومات واستخلاص الرؤى والأفكار الثاقبة من أجل تصميم السياسات وتنفيذها وتوجيهها لتحسين حياة الناس. غير أن الكثير من هذه الإمكانات في المنطقة لا يزال غير مستغل. ويُظهر تقييم حديث أجراه البنك الدولي لتوافر البيانات الجزئية وهي: [(1) المنشآت، و(2) ضعف الاستهلاك، و(3) القوى العاملة و(4) المسوح الصحية، و(5) تعداد السكان و(6) تعداد المنشآت الاقتصادية، و(7) بيانات الأسعار] بعضَ التقدم، ولكن لا يزال هناك مجال كبير للتحسين؛ فبشكل عام، يتم جمع حوالي 63% من هذه البيانات في المنطقة (88 من أصل 140 مجموعة بيانات) وهي نسبة أعلى من البلدان الأفريقية الأخرى وبلدان جنوب آسيا، ولكن 24% منها فقط متاحة للجمهور، و16% من خلال المواقع الإلكترونية لأجهزة الإحصاء الوطنية.
24% من البيانات الجزئية التي خضعت للتقييم متاحة للجمهور على شبكة الإنترنت بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وتشير التقديرات التي ساقها تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن صدمات الاقتصاد الكلي التي حدثت في الفترة 2020-2022 أدت إلى انضمام 5.1 ملايين شخص إضافي إلى صفوف العاطلين عن العمل. ويمكن أن يكون للبطالة تداعيات طويلة الأمد على مشهد الفقر، وسيكون حصول الفقراء في المنطقة على فرص عمل أكثر وأفضل أمرًا بالغ الأهمية.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن تحسين قدرة الجمهور على الحصول على بيانات اقتصادية واجتماعية عالية الجودة يُعد أمرًا لا غنى عنه للمساعدة في إثراء وتوجيه السياسات والبرامج الرامية إلى تقليص رقعة الفقر، فضلاً عن بناء أسس التنمية المستدامة.
انضم إلى النقاش