شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ازدهاراً اقتصادياً في أعقاب تحرير التجارة، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وارتفع إجمالي التجارة في المنطقة (باستثناء البلدان مرتفعة الدخل) ارتفاعاً كبيرا، من 61% من إجمالي الناتج المحلي، إلى 73% في الفترة بين 2000-2008. وعلى الرغم من ذلك، وخلال هذه السنوات من النمو الاقتصادي المستدام في المنطقة، فقد استمرت معدلات الفقر وعدم المساواة وانخفاض الأجور والاقتصاد غير الرسمي وانخفاض مشاركة الإناث في القوى العاملة. ويُعد تحسين نتائج سوق العمل أمراً أساسياً للحكومات التي تسعى جاهدة إلى تعزيز الاستقرار من خلال النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.
إن تحرير التجارة (مثل توقيع الاتفاقيات التجارية وتنفيذها) له سجل حافل في تعزيز النمو الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم. ويسلط التقرير الجديد للبنك الدولي، بعنوان "الصادرات من أجل تحسين أسواق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الضوءَ على أسباب إخفاق الازدهار التجاري في المنطقة في تحسين نتائج سوق العمل. ويحلل التقرير التغيراتِ في التدفقات التجارية، والعلاقة بين الصدمات التجارية وخلق فرص العمل، وسلوك الشركات في مواجهة تحرير التجارة. ولتوضيح الاختلافات داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ركزنا على ثلاثة بلدان مختلفة وهي: مصر والمغرب وتونس. ويمكن تلخيص النتائج التي توصلنا إليها في نقطتين كما يلي:
- تؤدي الاتفاقيات التجارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى زيادة التجارة بشكل فعال. وفيما بين عامي 1990 و2019، وقعت البلدان الثلاثة العديد من اتفاقيات التجارة الإقليمية، كما خفضت التعريفات الجمركية، مما أدى إلى زيادة التدفقات التجارية. ففي الفترة بين عامي 1998 و2022، على سبيل المثال، نفذت مصر والمغرب سبع اتفاقيات للتجارة الإقليمية لكل منهما، ونفذت تونس أربعاً منها. وكما كان متوقعاً، فقد جاء النمو الاقتصادي في أعقاب الزيادة التي شهدتها التدفقات التجارية.
- لكن التجارة لم تترجم بالضرورة إلى تَحسُنٍ في نتائج سوق العمل. وبالرغم من المنافع العديدة التي جنتها كل من مصر والمغرب وتونس، من اتفاقيات التجارة الإقليمية فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، إلا أن نتائج سوق العمل في هذه البلدان، لم تتحسن، كما كان متوقعاً. ومع تحول التدفقات التجارية وتوقيع اتفاقيات جديدة، تبرز أطراف رابحة وأخرى خاسرة.
لا تزال معدلات البطالة مرتفعة، لا سيما بين صفوف النساء والشباب، حيث تشير النتائج التي خلصنا إليها إلى أن صدمات الطلب الأجنبي التي تركزت في الصناعات كثيفة الاستخدام للذكور، وضعت الحدود أمام فرص العمل المتاحة أمام النساء. أما في المغرب وتونس، فقد خفضت السياسات التجارية من النشاط الاقتصادي غير الرسمي، لكنها حالت دون مشاركة المرأة في القوى العاملة. ومع أن ارتفاع الصادرات أدى إلى زيادة فرص العمل في مصر، فقد انخفضت الأجور الحقيقية، ولم يحدث تحسُن ملموس في النشاط الاقتصادي غير الرسمي، أو في مشاركة الإناث في القوى العاملة. وتكشف تقديراتنا الخاصة بتونس أن زيادة قدرها مليار دولار في حجم الصادرات، تؤدي إلى انخفاضٍ بمتوسطٍ قدره 6.8 نقاط مئوية في نسبة توظيف الإناث إلى الذكور.
وتتسق النتائج التي توصلنا إليها مع المؤشرات الإجمالية، التي تكشف أن النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يواجهن تحدياتٍ أكبر في الحصول على فرص العمل، مقارنة بالنساء في المناطق النامية الأخرى (انظر الشكل 1). وهناك تفسيران رئيسيان لهذا الأمر على النحو التالي:
- إن الصادرات تفضل الصناعات كثيفة الاستخدام للذكور.
- إن التقسيم بين الجنسين في كل من المهن والصناعات، يخلق حواجزَ أمام النساء، تحدُ من قدرتهن على الانتقال إلى الصناعات التي تشهد توسعاً في نطاقها والاستفادة من زيادة حجم الصادرات.
الشكل 1. لا يزال معدل البطالة بين الإناث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرتفعاً مقارنة بالمناطق الأخرى، 2019. |
المصدر: شرح من جانب مؤلفي التقرير باستخدام مؤشرات التنمية العالمية. |
ومع ذلك، يمكن للبلدان إنشاء أسواق عمل أكثر شمولاً واستدامة من خلال إتباع هذه السياسات المستهدفة الواردة في تقريرنا، والتي يمكن أن تتصدى لتحديات البطالة والتحيزات ضد المرأة والتوزيع غير العادل للمنافع التجارية:
- استمرار التوسع في التجارة: ونظراً لأن الاتفاقيات التجارية تبدو ناجحة، فينبغي تشجيع التوسع في محفظة الاتفاقيات لصالح الشركاء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعد التكامل التجاري الإقليمي أمراً أساسياً في هذا المضمار، حيث تقل فعالية الاتفاقيات التجارية كلما بعدت المسافات بين شركائها.
- الحد من التقسيم المتحيز ضد المرأة في قطاعي الصناعات والمهن: وينبغي أن تهدف الإصلاحات إلى تهيئة بيئة مواتية تسمح للمرأة بالوصول إلى مجموعة أوسع من القطاعات وفرص العمل. ويمكن للحد من التقسيم بين الجنسين في أسواق العمل أن يقلل من آثار صدمات الطلب الأجنبي على عدم المساواة بين الجنسين. ولو لم يكن هناك تقسيم بين الجنسين في القطاعات، فإن أي صدمات خارجية ستكون محايدة من ناحية توزيعها بين الجنسين. على سبيل المثال، كانت الصناعات التحويلية التي توسعت في أثناء تحرير التجارة أكثر كثافة في استخدام التكنولوجيا ورأس المال، وهو ما يتطلب في كثير من الأحيان مزيداً من التدريب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ويمكن أن يساعد الدعم الموجه لتعليم النساء وتدريبهن، في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في المناطق التي يرتفع الطلب عليها في الصناعات التصديرية، على كسر الحواجز، وتوسيع نطاق المنافع التي تجنيها البلدان من الاتفاقيات التجارية.
- توجيه تكاليف تعديل أوضاع سوق العمل لتكون في صالح العمال الحاليين وخاصة النساء: فقد واجهت النساء انخفاضاً نسبياً في الطلب على عملهن، عندما شهدت الصناعات كثيفة الاستخدام للنساء منافسةً متزايدة على الواردات، وانخفاضاً في الطلب على الصادرات. ووجدت الكثيرات من هؤلاء النساء، أنه من الأفضل التسرب بهدوء من القوى العاملة، بدلاً من الانتقال للعمل في قطاعات أخرى. وتشير هذه النتيجة إلى أن التكاليف التي تتحملها العاملات الحاليات للتنقل بين الصناعات أو المهن مرتفعة للغاية. ومن شأن خفض هذه التكاليف أن يساعد العمال الحاليين على الاستفادة من التحولات في الطلب على الصادرات، والمساعدة في نشر منافع الاتفاقيات التجارية على نطاق أوسع. وتشمل هذه السياسات دعم البحث عن فرص العمل (المعلومات)، والتدريب، وغير ذلك من سياسات سوق العمل النشطة.
- تعميق الإصلاحات لتعظيم المنافع التجارية: وللاستفادة الكاملة من منافع التجارة، تحتاج البلدان إلى إجراء إصلاحات أعمق. وهذا الأمر يشمل تحسين بيئة الأعمال، وهو ما يمكن القيام به من خلال تقليص الحواجز الاستثمارية (خاصة أمام الاستثمار الأجنبي المباشر)، وخفض تكاليف دخول الشركات تحت مظلة قطاع الاقتصاد الرسمي، وجعل القطاع الخاص أكثر جاذبية من القطاع العام، من حيث الأجور والأمان الوظيفي. ومن شأن هذه الإصلاحات أن تساعد البلدان على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية وتشجيع الصناعات كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة.
انضم إلى النقاش