عالم الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشهد ازدهارا ملحوظاً. وحظي العدد المتزايد من حاضنات المشاريع في بيروت ورام الله وغزة إلى القاهرة والدار البيضاء بالتقدير الذي تجاوز حدود المنطقة. ففريقنا في برنامج الشباب بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعكف على دراسة الاتجاهات الناشئة، ومن الواضح أن ثمة عاملاً مشتركاً بينها: الثورة القادمة ستبدو مختلفة تماما والشابات سيتصدرن حركة الابتكار، مثل الذكاء الصناعي.
ومما يثير الدهشة، أن مؤشر منظومة الشركات الناشئة الجديد يظهر كيف أن كلا من مدينتي تونس وعمان تتصدران منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بناء على تقييم رأس المال البشري المتاح، وحيوية المشهد على صعيد الشركات الناشئة، والبنية التحتية المتاحة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والمناخ العام المواتي، وإمكانية دخول السوق العالمية.
الاتجاه الأول: الشابات في صدارة هذا الاتجاه المتنامي، حيث أنهن يستكشفن سلاسل القيمة الجديدة ويوسعن نصيبهن في السوق. في الواقع، وحسبما أشار تقرير ريادة الأعمال للنساء، فإن فرص تقدم رائدات الأعمال في المنطقة بحلول مبتكرة تزيد بنسبة 60% عن نظرائهن من الرجال، بينما تحقق 30% منهن وصولا عالميا - ليتفوقن مرة أخرى على الشركات التي يقودها الرجال. والسبب في هذا بسيط- فالشابات يقدن الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا والمال والترفيه، مثل شركة مسموع، المنتج الأول للكتاب العربي المسموع من مقرها المباشر في عمان. أو خذ على سبيل المثال شركة مرحبا أطفال العالم، وهو برنامج للتشفير أسسته حنان خضر وساعد في تعليم 35 ألف طفل في المدارس الأردنية الابتدائية الحكومية مما يتيح لهم استخدام تفكيرهم التحليلي وحل المسائل والابتكار – وهي مهارات تساعد في بناء حياة ناجحة.
الاتجاه الثاني: تتصدر العديد من الشركات الناشئة التي تقودها النساء مشاريع ريادة الأعمال الاجتماعية. شاركت كل من سلمى بن عكشة ومريم نادي في تأسيس شركة الحلول البديلة المغربية للمُصنّعين، والتي تستخدم مخلفات أشجار النخيل من محصول التمر لإنتاج الألواح والأثاث الخشبي. وشركة آبفيوز Fuse-Up التي تروج لمنتجات الموضة والمشاريع الاجتماعية هي من شركات الأثر الاجتماعي التي أسستها مصممتان مصريتان شابتان، هما يارا ياسين ورانيا رفيع اللتان كانتا من بين الفائزين في مسابقة نحن شمال أفريقيا والشرق الأوسط We MENA التي نظمها البنك الدولي مؤخرا. وتنتج شركتهما الحقائب المصنعة من مواد معاد تدويرها من القاهرة بالتعاون مع إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية. هذه مجرد أمثلة، وهناك شركات تقودها النساء في كل مكان!
الاتجاه الثالث: البلدان التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين تتعرض للكثير من الضغوط- وقد استطاعت رائدات الأعمال أن تحول هذه الأوضاع إلى فرص. إلين سارة شابة ذات جذور لبنانية تقف خلف شركة نتكلم الناشئة التي تدعم اقتصاد الوظائف المؤقتة لتوفير فرص عمل للاجئين السوريين عبر الإنترنت. وفي لبنان والأردن، تدعم مبادرة حلول من أجل توظيف الشباب التي أطلقها البنك الدولي برنامج لتوظيف الشباب يركز على خلق وظائف رقمية، وتدريب رواد الأعمال، مع ضرورة ربط الشباب المحروم في المناطق الريفية بالاقتصاد الرقمي.
الشابات لا يخشين من قيادة الابتكارات في البلدان المتأثرة بالصراعات. ريادة الأعمال في هذه البلدان مهم لتشجيع الاحتواء الاقتصادي للشباب نظرا لنقص الوظائف. ففي العراق، على سبيل المثال، يساعد مشروع الشباب الجديد الذي يدعمه البنك الدولي ثلاثة آلاف شاب متأثر بالصراعات (نصفهم من النساء) في ريادة الأعمال ومشاريع المجتمعات المحلية التي يقودها الشباب. وفي المستقبل، سيحتاج إعادة إحياء المدن التي شهدت صراعات، مثل الموصل وحلب وتعز، دعما لمنظومة حيوية للشباب الصغير لخلق المزيد من الوظائف، وخاصة دعم الشابات.
الاتجاه الرابع: بالنسبة لمجتمع التنمية، يعد الابتكار الاجتماعي واحدا من أهم اتجاهات التغيير في المنطقة. المبدعون في مجال العمل الاجتماعي هم قادة يهمهم تحقيق تقدم من أجل البشر، وليس من أجل الربح. في الأردن، أسست مجموعة من الشبان والشابات مؤسسة باراشوت 16 التي ترمي إلى تغيير ثقافة ومنظومة ريادة الأعمال في المملكة بالتواصل مع الشباب والطلاب. أنشأ فريق باراشوت 16 نحو 90 مختبرا وحاضنة لابتكارات الشباب في جميع أنحاء الأردن بالمشاركة مع منظمات وطنية ودولية.
المسألة أكبر من مجرد نشاط- فريادة الأعمال بالنسبة لمواليد الألفية تتعلق أيضا بالتأثير الاجتماعي. وتهدف أغلب الشركات الناشئة إلى تحقيق أهداف مختلفة مثل الربح كما أن بعضها يهدف إلى تحقيق أثر اجتماعي. ففي الأردن، يقدم البنك الدولي يد المساعدة لمشروع آخر يسمى "شباب قدها " ("الشباب يستطيع"). يهدف المشروع إلى إشراك ثلاثة آلاف مبدع اجتماعي (نصفهم من الشابات) والفئات المجتمعية التي يقودها الشباب مع تمويل تأسيسي يرمي إلى إحداث تأثير إيجابي في مجتمعاتهم المحلية. وفي مثال آخر من سيدي كعوكي بالمغرب، دعم البنك الدولي منظومة القرية المنفتحة التي تشجع مبادرات المصادر المفتوحة لتتجاوز نطاق التعاون على الإنترنت وتنطلق إلى العالم الحقيقي، مستضيفة عددا من المبادرات التي تقودها النساء.
الاتجاه الخامس: يمكن تكريس روح ريادة الأعمال بغض النظر عن التعليم الرسمي. على سبيل المثال، كانت النساء اللائي لم يحصلن على شهادة الثانوية العامة يشكلن ما يقرب من نصف رواد الأعمال الصغرى التي يدعهما البنك الدولي في المغرب والتي بلغ عددها خمسة آلاف. والأهم من ذلك، أن الشباب والشابات هم مصدر للأمل. فلديهم الطاقة والمثابرة اللازمة لدفع التغيير الاجتماعي وخلق حياة جديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لنشمر عن سواعدنا وندعم المزيد من الشابات والشبان في مسيرتهم من أجل الإبداع الاجتماعي والشركات الناشئة، ليس فقط من خلال التكنولوجيا ورأس المال، بل أيضا بتوسيع منظومة ريادة الأعمال!
انضم إلى النقاش