مقابلة
هذه المدونة مبنية على مقابلة أجرتها نائبة رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنغر أندرسن مع شبكة البي بي سي.
المياه عملة نادرة، علينا الحفاظ عليها.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الخيارات محدودة للغاية. فهذه المنطقة لا تحصل إلا على حوالي إثنين بالمائة من الأمطار التي تهطل سنوياً في العالم وتملك 1.2 بالمائة فقط من موارد المياه المتجددة في العالم. الوضع هذا يجعل من الماء أحد الموارد الثمينة في المنطقة. الصورة تظهر جلية في الاحصاءات: ففي الولايات المتحدة، يبلغ معدل استهلاك الفرد للمياه 2800 متر مكعب سنوياً، أما في اليمن فيقف المعدل عند 100 متر مكعب للشخص.
بالإضافة إلى ذلك فإن النمو السكاني السريع والتحضر يرفعان من حدة الضغط على المياه الشحيحة أصلاً. وفي حين أن باستطاعة بعض دول المنطقة تحمل كلفة بناء محطات لتحلية المياه، إلا أن الدول الأخرى مضطرة لاستنزاف مواردها المائية غير المتجددة واستغلال طبقات المياه الجوفية بسرعة تفوق قدرتها الطبيعية على إعادة التعبئة.
لقد تأقلمت شعوب المنطقة مع التقلبات المناخية وشحة المياه لآلاف السنين، لكن التغيّر اليوم يحصل بسرعة أكبر ووطأته أشد. فضلاً عن ذلك فلقد شهدنا خلال العقود المنصرمة تراجعاً في إجمالي منسوب الأمطار. فخلال موسم الأمطار الأخير في الأردن ولبنان، من نهاية عام 2013 إلى العام الحالي، بلغ منسوب الأمطار نحو ثلث متوسط المنسوب على المدى الطويل. ولم يكن الحال أفضل في المواسم السابقة إذ أن منسوب الأمطار بلغ حوالي 80 في المئة من متوسط المنسوب على المدى الطويل. ولم تشهد المنطقة انخفاضاً مماثلاً منذ عام 1970 على الأقل.
لذا بتنا نرى اليوم دول شرق البحر المتوسط، لبنان، وفلسطين، والأردن، واسرائيل، وسوريا، والعراق، تعاني من فترات جفاف طويلة. هذه الظاهرة المتكررة بشكل دوري تجعل من الصعب جداً على الدول التكيّف مع الواقع الجديد واتخاذ التدابير المناسبة.
يمكن للجفاف والنزوح أن يتركا أثراً جيوسياسياً. فعلى سبيل المثال، وقبل اندلاع الحرب الأهلية فيها، عانت سوريا من أطول فترة جفاف خلال العقود الأربعة المنصرمة. ومع انقضاء ثلاث سنوات من القحط عام 2010، كان حوالي 1.5 مليون شخص قد أجبروا على النزوح. وانتقل العديد من النازحين من المناطق التي كانت أشد تأثراً بالجفاف في شمال شرق سوريا واستقروا في محافظة درعا الجنوبية ليعملوا مزارعين هناك. محللون كثر ربطوا ما بين هذا النزوح القسري والانتفاضة التي قامت في درعا، وكانت بهذا عاملاً مساهماً في الأزمة الفظيعة التي نشهدها الآن.
واليوم جراء الحرب والجفاف، من الممكن أن يتقلص إنتاج سوريا للقمح إلى حوالي الثلث عما كان عليه قبل الأزمة، والذي كان يقارب 3.5 مليون طن. وبناء على هذا سيتردى الأمن الغذائي، إذ أن حوالي 6.3 مليون شخص ممن يعيشون في سوريا، أي حوالي ثلث سكان هذا البلد، يحتاجون إلى مساعدة غذائية عاجلة. هذا بالإضافة إلى 2.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في الدول المجاورة.
الجفاف الذي ضرب شرق البحر المتوسط انقضى أخيراً خلال الأسبوع الثاني من شهر مارس آذار الحالي. وكانت باكورته الأمطار الغزيرة والفيضانات والثلوج الكثيفة في المنطقة. وفيما أن خزانات المياه امتلأت أخيراً، لم يتبين بعد حجم الأضرار التي لحقت بالمحاصيل جراء الفيضانات وهبوط الحرارة المفاجىء. لكن الأكيد أن خيم اللاجئين السوريين تعرضت لأضرار فادحة.
والتقديرات تشير إلى أن الأحوال المناخية الحادة التي شهدتها المنطقة مؤخراً أضحت الحال الطبيعية. فيُتوقع أن تشهد شمال أفريقيا ارتفاعاً غير مسبوق في الحرارة، بين الدرجتين والثلاث، تزامناً مع ارتفاع في نسبة هطول الأمطار. الارتفاع في الحرارة في باقي المنطقة سيكون أقل حدة لكن يُتوقع، في المقابل، أن تنخفض نسبة هطول الأمطار. إذاً ستزداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حراً وجفافاً.
لكن يدرك الناس في المنطقة جيداً مدى خطورة الوضع، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن 80 بالمائة منهم يرون في التغير المناخي مشكلة خطيرة. كذلك يشير الدستور التونسي الجديد بصراحة إلى خطر تغير المناخ والحاجة إلى اتخاذ إجراءات للتخفيف من وطأته على المواطنين والبيئة.
أما فيما يتعلق باستغلال مياه الآبار، فهناك اعتبارات شتى علينا التنبه إليها تتعلق باختيار المحاصيل الزراعية. فالهدف، كما نحب القول في البنك الدولي، هو الحصول على "غلة أكبر من كل قطرة ماء". ولتحقيق هذا الهدف علينا الإجابة على الأسئلة الرئيسية التالية: ما هي المحاصيل التي يمكن الاستفادة منها بالشكل الأفضل؟ ما هي المحاصيل ذات القيمة الأعلى؟ وما هي المحاصيل التي يمكن استغلالها أكثر من حيث الإنتاجية والتغذية؟ وفي هذا الإطار نحتاج إلى مزيد من الأبحاث والتطوير. ففي المنطقة، يبلغ المحصول الزراعي من الحبوب نسبة 56 بالمائة من المعدل العالمي و 25 بالمائة مقارنة مع المحصول في اوروبا. لذا الفرصة متاحة اليوم لزيادة الغلة الزراعية من خلال استغلال أفضل للأرض والمياه.
تمتلك شعوب الشرق الأوسط أجيالاً من الخبرة في التعامل مع شحة المياه. وفيما أن التغير المناخي جعل الوضع أكثر إلحاحاً، إلا أن السبل متاحة للمضي قدماً. ونحن في البنك الدولي ملتزمون بمساعدة المنطقة لأن تستفيد من كل قطرة ماء.
انضم إلى النقاش