تشكل الإناث حوالي نصف المشردين في العالم الذين تتجاوز أعدادهم 60 مليون شخص – بواقع 19 مليون لاجئ و 41 مليونا من المشردين داخليا. وهذه الأرقام هي الأعلى التي يتم تسجيلها حتى الآن ولا تزال تواصل ارتفاعها. يقول أنطونيو غوتيريس مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين "
إننا نشهد انزلاقا سريعا نحو حقبة يتجاوز فيها حجم التشريد القسري في العالم وكذلك الاستجابة المطلوبة أياً مما شهدناه من قبل
".
فالنساء اللائي يواجهن أشكالا متعددة من عدم المساواة، يواجهن كذلك مخاطر أكبر بسبب النزوح والتشريد- وخصوصا مخاطر التمييز، والتحرش الشديد، وغالبا العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس. وعلى البلدان المضيفة للنازحين وبلدان المرور العابر أن تكون على وعي بالأخطار المحددة التي تواجهها النساء، وأن تحاول أن توفر لهن الأمان والخدمات الخاصة التي يحتجنها، وخاصة للأكثر عرضة للخطر منهن، من أمثال النساء والأطفال غير المصحوبين بذويهم، والفتيات الصغيرات، والأسر التي تعولها نساء، والحوامل، وذوات الإعاقة، وكبار السن. ومع ذلك، شهدت بلدان كثيرة ارتباكا أمام الأعداد الكبيرة التي واجهتها، ووجدت نفسها غير قادرة على الاستجابة على نحو ملائم، وذلك على الرغم من الجهود التي تبذلها وكالات الإغاثة الإنسانية المحلية والدولية.
تظل سوريا أكبر مصدر للتشريد والنزوح القسري في العالم،بأكثر من 4 ملايين لاجئ و8 ملايين مشرد داخليا
.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015، نزح
124 ألف سوري آخرين
من بيوتهم في مدينتي حلب وإدلب من جراء استمرار هجوم شنه الجيش السوري، بدعم روسي وإيراني.
وتشير التقديرات إلى أن تركيا تستضيف حاليا نحو 2.2 مليون لاجئ سوري مسجل، وفي ظل وجود أكثر من مليون لاجئ مسجل في لبنان، و630 ألفاً في الأردن
، تكون الأعداد الحقيقية أعلى بكثير. ونحو ربع هذا العدد من النساء ونصفه من الأطفال تحت سن 17 عاماً. وتشمل الصدمة الناجمة عن اللجوء كافة الانتماءات العرقية والطائفية وتلك المتعلقة بنوع الجنس، غير أن النساء تكون حظوظهن أسوأ في أكثر من ناحية. وفيما يلي عرض تفصيلي لبعض هذه التحديات:
في لبنان والأردن ومصر والعراق هناك 145 ألف عائلة سورية لاجئة، أي عائلة من كل 4 عائلات ترأسها نساء
، وهناك عشرات الآلاف من مثل هذه الأسر، أو يزيد، في تركيا. ويشدد
تقريرٌ للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2014
على تعرض هذه الأسر للخطر: "فرضت الحياة في المنفى على هؤلاء النساء أن يصبحن المعيل ومقدم الرعاية الرئيسي، يعتنين بأنفسهن وبعائلاتهن بعيداً عن مجتمعاتهن ومصادر الدعم التقليدي. وترزح معظم النساء تحت هذا العبء، ويعتمد كثير منهن بشكل كامل على المساعدة الخارجية". وتعاني هذه العائلات في العادة من ارتفاع الديون، ولا تحصل على طعام كاف، ويضطر المزيد من أطفالها للعمل ويتعرض أفرادها لدرجات أكبر من العنف الجنسي، وغيره من أشكال العنف.
يحدث كل هذا والشتاء يدق الأبواب، وأوضاع اللاجئين السوريين في بلدان الجوار تواصل تدهورها،
بفعل تراجع التمويل الموجه لمساندة جهود الإغاثة الإنسانية. فقد شهد مئات الآلاف انكماشا حادا في حجم المعونات في كلٍ من لبنان والأردن
.
ويفيد برنامج الغذاء العالمي بأن
80% من اللاجئين السوريين في الأردن يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من نصف هذه النسبة في لبنان - فانعدام الأمن الغذائي يصيب 85 و 79% من هؤلاء اللاجئين على التوالي، ووفقا لمفوضية شؤون اللاجئين، فإن ذلك يبرز مدى ارتفاع تعرض الأسر التي تعولها النساء للخطر.
وقد أدى أيضا تعرض الشابات والفتيات للخطر في مناطق النزوح إلى زيادة هائلة في حالات الزواج القسري للأطفال. فبدافع الخوف من العنف الجنسي، تلجأ العديد من الأسر إلى تزويج بناتها على وجه السرعة طلبا للحماية أو خوفاً على "شرف" الفتاة. ويحتاج الكثيرون أيضا إلى مبلغ المهر،
على حد قول إزادورا كواي
، أخصائية المساواة بين الجنسين في الحالات الطارئة بمؤسسة كير، التي أضافت "لقد رأينا زيادة هائلة في حالات زواج الأطفال في سوريا والعراق، وحتى بعيدا في مصر". لقد تضاعفت حالات زواج الأطفال تحت سن الثامنة عشرة ثلاث مرات بين اللاجئين في الأردن في عام 2014. وتستشهد اللاجئات في تركيا أيضا بالضغوط التي تدفعهن للزواج باعتبارها أشد التحديات التي تواجههن خطراً.
وطبقا للأمم المتحدة
، فإن ما كان شائعا بين الأسر الريفية السورية هو الزواج تحت سن 18 سنة، أما الآن
فإن فتيات أصغر من 13 و 14 سنة يتم تزويجهن
، وغالبا لرجال يكبرهن كثيراً. وبينما يبلغ الحد الأدنى لسن الزواج في سوريا 16 سنة للفتيات، فإنه يبلغ 18 سنة في تركيا والأردن، ورغم ندرة الاستثناء في الأخيرة غير أنه محتمل الحدوث. وهكذا في كلا البلدين تعد حالات زواج الفتيات تحت سن 18 سنة غير قانونية. وكذلك فإن الحال ينتهي بالكثير من الفتيات لتصبح كل منهن الزوجة الثانية أو الثالثة. وفي تركيا، حيث تعدد الزوجات غير قانوني، وقد اختفى عملياً بالفعل،
إلا أنه بدأ يظهر على السطح مجددا، وهذا يعني
أن كثيرا من هذه "الزيجات" غير قانوني، كما هو الحال في الزواج العرفي، أو الزواج التقليدي، في الأردن ولبنان الذي لا يوثَّق على النحو الملائم، تاركاً المرأة تتمتع بحماية قانونية ضئيلة.
إن الآثار الواقعة على هؤلاء الفتيات يمكن أن تكون مدمرة
في ظل تزايد مخاطر وجود مشكلات صحية، وخاصةً زيادة المواليد، والمشاكل الصحية لحديثي الولادة، ومخاطر أكبر للعنف داخل الأسر، وكذلك تأثير ترك الأسرة والمدرسة والمجتمع في سن مبكرة وما يصاحب ذلك من تأثيرات سيكولوجية.
وترك المدرسة مبكراً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوقوع في براثن الفقر.
إن حركة اللاجئين الحالية الكبيرة نحو أوروبا تنطوي على مخاطر لكل اللاجئين، وخصوصا للفتيات الصغيرات والنساء اللائي يحتجن لحماية إضافية وخدمات ملائمة ومأوى. فتوفير المأوى أو الاحتجاز مع أعداد كبيرة من الرجال والاستخدام المشترك للمرافق يمثل تحديا للنساء والأطفال.
ومعظم المعرضين للمخاطر هم النساء والأطفال غير المصحوبين بذويهم الذين يقعون ضحية جماعات الجريمة المنظمة
التي تهدف ليس فقط إلى الاتجار بهم لأغراض جنسية، بل أيضا لأعمال السخرة. وتفاقم الأعداد المتنامية للأطفال والنساء الذين يتعرضون للانفصال أثناء الرحلة عبر أوروبا من هذه المأساة،
زاد منها ما تتلقاه مفوضية شؤون اللاجئين من تقارير عن الأطفال الذين يتورطون في ممارسة الجنس للبقاء على قيد الحياة
.
ومع قدوم الشتاء، وسعي
بلدان الجوار
و
البلدان الأوروبية جاهدة للتكيف مع الأوضاع
، فإنه من الضروري أن يولي زعماء الدول المجتمعون من أجل قمة مجموعة العشرين اهتماما خاصا لمحنة اللاجئات خاصة وانهم قرروا تحت رئاسة تركيا ومع دعم قوي من الإتحاد الأوروبي بتوسيع نطاق عملهم خارج المجال الإقتصادي المحدود. وليس من السهل أن ندع الدول المضيفة للنازحين ودول المرور العابر تركز وحدها على هذه القضية. ومع ذلك، من المحتم أن تتوفر للنساء المساندة لكسب العيش، والمأوى الآمن لهن ولأطفالهن،
والرعاية الصحية
، وإعادة جمع شمل الأسرة، والحماية من التحرش الشديد، وإتاحة عناصر الشرطة والمتخصصين للتعامل مع الأنشطة الإجرامية وضحاياها.
إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تنظر إلى السوريات
بوصفهن صمام الأمان لتماسك المجتمع. وأي مساندة لهن من شأنها أن تيسر ظهور مجتمعات مستقرة قادرة على التكيف سواء عادت لأوطانها أو بقيت خارجه.
انضم إلى النقاش