في أكتوبر تشرين الأول 2017 غادرت مدينة عمان في عطلة باتجاه اليمن. وصلت مدينة عدن مسقط رأسي في صباح يوم الأحد 22 من أكتوبر تشرين الأول. واستقبلتني عدن بجو مشمس وحار أذاب جليد الشوق والفراق الذي دام سنتين ونصف السنة من البعد عن أهلي وبلدي الحبيب.
أصابتني الصدمة لحظة دخولي للمطار من قلة الخدمات الموجودة ومستوى المعاملة، وظهور ثقافات جديدة لم تكن موجودة قبلا. مثلا يجب أن ندفع مبلغا من المال وذلك حتى نسرع معاملتنا ويختم لنا بختم دخول الوصول للمطار بدلا من الوقوف في طابور طويل ملئ بالرجال والنساء والأطفال. المطارالذي كان في يوم ما "مطار عدن الدولي" ذا الخدمات الجيدة والمعاملة السريعة أصبح حاليا من أفقر المطارات وأكثرها حاجة للتطور والخدمات. كانت خدمة التكييف رديئة والمطار مليء بالموظفين وعمال حمل الحقائب الذين كانوا يتسارعون ويندفعون بقوة لأجل الحصول على زبون أو مسافر قادم بحقائبه الكثيرة والممتلئة. كانت المساحة المتاحة لوصول الحقائب ضيقة جدا ومزدحمة وكان من الصعب الوصول لحزام الحقائب حتى نجد حقائبنا بسهولة، انتظرنا قرابة الساعة حتى تصل حقائبنا على الرغم من أنها كانت الرحلة الوحيدة واليتيمة لهذا اليوم، وهنا ظهرت ثقافة الدفع مرة أخرى، كل العربات في المطار محتكرة مع عمال المطار وحتى نستطيع الحصول على عربة نضع بها حقائبنا يجب أن ندفع لأحدهم!!
خرجت من المطار أبحث مشتاقة عن وجه أبي وأخوتي خارج المطار ولكني لم أر أحدا منهم في انتظاري! تواصلت معهم وأبلغوني أنه من غير المسموح دخول المدنيين للمطار بدون تصريح أمني. مدينة عدن الآمنة المسالمة وناسها الطيبون أصبح الدخول لمطارها يتطلب تصريحا أمنيا؟ يبدو أن التصاريح الأمنية من الإجراءات الجديدة للحيلولة دون وقوع عمليات إرهابية. خارج المطار، عشرات الجنود يقومون بتفتيش المسافرين بوسائل قديمة وتقليدية عفى عليها الزمن دون الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة. ومع هذا لا يستطيعون توفير الأمن والحماية للركاب المسافرين والقادمين على حد سواء.
كان المطار العلامة الأولى على التغيرات الضخمة التي لحقت ببلدي في السنوات الماضية من الصراع. وفي طريقي لمنزل أسرتي تأملت مدينتي وآثار الحرب على منازلها وشوارعها وحتى في وجوه سكانها، حزنت كثيرا عندما رأيت مدينتي التي أصبحت ترتدي ثوب القرية عوضا عن المدينة في خدماتها، فقد قضت الحرب على كل شيء جميل اعتادت عدن تقديمه. كان على جانب الطريق طابور طويل من السيارات في انتظار الوقود وهو مشهد أصبح من الطبيعي رؤيته في كل اليمن بسبب أزمات الوقود.
علاوة على النقص الهائل في إمدادات الطعام، يشكو آلاف الموظفين الحكوميين من أن رواتبهم لم تدُفع منذ حوالي 20 شهرا بسبب العجز المالي في البلاد. وانخفضت القوة الشرائية للمواطن اليمني بسبب الزيادة الهائلة في أسعار السلع والخدمات وخاصة السلع الغذائية لأسباب منها ارتفاع تكلفة الاستيراد.
يقول محمد أبو نبيلة، وهو من تجار الجملة في عدن "تجار التجزئة استغلوا إغلاق الموانئ ورفعوا أسعار الأغذية وأسعار السلع المصنعة محليا مثل الزبادي والحليب والحبوب المعلبة بنسبة 30%. ورفعت المخابز أيضا أسعار الخبز بنسبة 15% على خلفية ارتفاع أسعار الديزل."
وارتفعت أسعار معظم الفاكهة والخضروات 50% في حين وصلت الزيادة في أسعار بعضها إلى 100%.
لا توجد كهرباء في عدن فالمدينة مظلمة وساعات الإنارة قصيرة خلال فصل الصيف والذي يعتبر جحيما حيث تصل درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية . والمواطن بأمس الحاجة إلى مولدات الكهرباء التي بدورها بحاجة للوقود والمتوافر بأسعار جنونية استغلالية.
المياه لم تعد متوفرة للكثير من الأحياء السكنية وإذا توفرت فلا تتوفر بشكل يومي بل تنقطع بالأيام كما أن هناك العديد من المناطق الحيوية لاتصل إليها قطرة ماء حكومي ولكم أن تتخيلوا الحياة الغير صحية والشاقة دون توفر الماء .
ولا توجد فرص عمل متوفرة في المدينة ولا توجد رواتب للذين يعملون. لم يغب عن مخيلتي مشهد العشرات من كبار السن والمتقاعدين الذين تحلقوا لساعات طويلة تحت آشعة الشمس الحارقة مع أمل أن يستلموا معاشاتهم التقاعدية. حكت لي صديقة عن جارها الكبير في السن الذي ظل ينتظر ضمن طابور طويل للحصول على راتبه حتى أصيب بأزمة قلبية توفي على إثرها في انتظار دوره.
كان هذا القليل من الأوضاع المؤلمة والتغيرات الضخمة التي شهدتها، وصفتها بأسلوب عاطفي عن أحوال مدينتي التي كانت تلقب بثغر اليمن الباسم والتي خلال زيارتي الأخيرة لها لم أجد بسمة على ثغر سكانها. كل ما أتمناه أن أعود إلى مدينتي الجميلة عدن وأرى كل شيء فيها قد بُني من جديد وقد تحول كل الحزن فيها إلى فرح يغمر البسطاء.
أصابتني الصدمة لحظة دخولي للمطار من قلة الخدمات الموجودة ومستوى المعاملة، وظهور ثقافات جديدة لم تكن موجودة قبلا. مثلا يجب أن ندفع مبلغا من المال وذلك حتى نسرع معاملتنا ويختم لنا بختم دخول الوصول للمطار بدلا من الوقوف في طابور طويل ملئ بالرجال والنساء والأطفال. المطارالذي كان في يوم ما "مطار عدن الدولي" ذا الخدمات الجيدة والمعاملة السريعة أصبح حاليا من أفقر المطارات وأكثرها حاجة للتطور والخدمات. كانت خدمة التكييف رديئة والمطار مليء بالموظفين وعمال حمل الحقائب الذين كانوا يتسارعون ويندفعون بقوة لأجل الحصول على زبون أو مسافر قادم بحقائبه الكثيرة والممتلئة. كانت المساحة المتاحة لوصول الحقائب ضيقة جدا ومزدحمة وكان من الصعب الوصول لحزام الحقائب حتى نجد حقائبنا بسهولة، انتظرنا قرابة الساعة حتى تصل حقائبنا على الرغم من أنها كانت الرحلة الوحيدة واليتيمة لهذا اليوم، وهنا ظهرت ثقافة الدفع مرة أخرى، كل العربات في المطار محتكرة مع عمال المطار وحتى نستطيع الحصول على عربة نضع بها حقائبنا يجب أن ندفع لأحدهم!!
خرجت من المطار أبحث مشتاقة عن وجه أبي وأخوتي خارج المطار ولكني لم أر أحدا منهم في انتظاري! تواصلت معهم وأبلغوني أنه من غير المسموح دخول المدنيين للمطار بدون تصريح أمني. مدينة عدن الآمنة المسالمة وناسها الطيبون أصبح الدخول لمطارها يتطلب تصريحا أمنيا؟ يبدو أن التصاريح الأمنية من الإجراءات الجديدة للحيلولة دون وقوع عمليات إرهابية. خارج المطار، عشرات الجنود يقومون بتفتيش المسافرين بوسائل قديمة وتقليدية عفى عليها الزمن دون الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة. ومع هذا لا يستطيعون توفير الأمن والحماية للركاب المسافرين والقادمين على حد سواء.
كان المطار العلامة الأولى على التغيرات الضخمة التي لحقت ببلدي في السنوات الماضية من الصراع. وفي طريقي لمنزل أسرتي تأملت مدينتي وآثار الحرب على منازلها وشوارعها وحتى في وجوه سكانها، حزنت كثيرا عندما رأيت مدينتي التي أصبحت ترتدي ثوب القرية عوضا عن المدينة في خدماتها، فقد قضت الحرب على كل شيء جميل اعتادت عدن تقديمه. كان على جانب الطريق طابور طويل من السيارات في انتظار الوقود وهو مشهد أصبح من الطبيعي رؤيته في كل اليمن بسبب أزمات الوقود.
علاوة على النقص الهائل في إمدادات الطعام، يشكو آلاف الموظفين الحكوميين من أن رواتبهم لم تدُفع منذ حوالي 20 شهرا بسبب العجز المالي في البلاد. وانخفضت القوة الشرائية للمواطن اليمني بسبب الزيادة الهائلة في أسعار السلع والخدمات وخاصة السلع الغذائية لأسباب منها ارتفاع تكلفة الاستيراد.
يقول محمد أبو نبيلة، وهو من تجار الجملة في عدن "تجار التجزئة استغلوا إغلاق الموانئ ورفعوا أسعار الأغذية وأسعار السلع المصنعة محليا مثل الزبادي والحليب والحبوب المعلبة بنسبة 30%. ورفعت المخابز أيضا أسعار الخبز بنسبة 15% على خلفية ارتفاع أسعار الديزل."
وارتفعت أسعار معظم الفاكهة والخضروات 50% في حين وصلت الزيادة في أسعار بعضها إلى 100%.
لا توجد كهرباء في عدن فالمدينة مظلمة وساعات الإنارة قصيرة خلال فصل الصيف والذي يعتبر جحيما حيث تصل درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية . والمواطن بأمس الحاجة إلى مولدات الكهرباء التي بدورها بحاجة للوقود والمتوافر بأسعار جنونية استغلالية.
المياه لم تعد متوفرة للكثير من الأحياء السكنية وإذا توفرت فلا تتوفر بشكل يومي بل تنقطع بالأيام كما أن هناك العديد من المناطق الحيوية لاتصل إليها قطرة ماء حكومي ولكم أن تتخيلوا الحياة الغير صحية والشاقة دون توفر الماء .
ولا توجد فرص عمل متوفرة في المدينة ولا توجد رواتب للذين يعملون. لم يغب عن مخيلتي مشهد العشرات من كبار السن والمتقاعدين الذين تحلقوا لساعات طويلة تحت آشعة الشمس الحارقة مع أمل أن يستلموا معاشاتهم التقاعدية. حكت لي صديقة عن جارها الكبير في السن الذي ظل ينتظر ضمن طابور طويل للحصول على راتبه حتى أصيب بأزمة قلبية توفي على إثرها في انتظار دوره.
كان هذا القليل من الأوضاع المؤلمة والتغيرات الضخمة التي شهدتها، وصفتها بأسلوب عاطفي عن أحوال مدينتي التي كانت تلقب بثغر اليمن الباسم والتي خلال زيارتي الأخيرة لها لم أجد بسمة على ثغر سكانها. كل ما أتمناه أن أعود إلى مدينتي الجميلة عدن وأرى كل شيء فيها قد بُني من جديد وقد تحول كل الحزن فيها إلى فرح يغمر البسطاء.
انضم إلى النقاش