نشر في أصوات عربية

الحوار الوطني في اليمن يجب أن لا يقتصر على السياسة فحسب

الصفحة متوفرة باللغة:

تستعد اليمن حاليا للدخول في الحوار الوطني. وتعتبر المرحلة الحالية مرحلة حيوية في عملية المصالحة التي بدأت في أعقاب الأزمة التي مر بها اليمن في العام الماضي، حيث تم التوصل إلى تسوية سياسية تتمثل في المبادرة التي تمت برعاية مجلس التعاون الخليجي وحظيت بدعم من المجتمع الدولي، والتي تضمنت الالتزام بإصلاح هيكل الدولة لمعالجة الأخطاء السياسية القائمة منذ فترة طويلة بين الشمال والجنوب، وتذمر بعض المناطق من تركز السلطة في العاصمة صنعاء. فعلى الرغم من أن هذه القضايا تعتبر مواضيع حيوية، كونها تناقش بناء دولة المستقبل، إلا أنه ينبغي أن يتطرق الحوار الوطني أيضا إلى العوامل الاقتصادية والبيئية الحاسمة. ويمكن لنموذج جديد من اللامركزية والفيدرالية أن يقدم المزيد من الحلول السياسية للتقسيمات التاريخية، كما يستطيع أيضا أن يوفر مسار نحو النمو المستدام القادر على خلق الملايين من فرص العمل المطلوبة خلال السنوات العشر القادمة.

Imageعاش معظم اليمنيين لعدة قرون في المرتفعات. ويعزى ذلك إلى حقيقة بسيطة مفادها أن الأمطار تهطل بشكل أكبر في المرتفعات وهذا يدعم الطريقة التقليدية للبقاء المتمثلة في الاعتماد على الزراعة وتربية الماشية. بيد أن النمو السكاني جعل من هذه الأنماط التقليدية للعيش غير مستدامة.

ففي حين أن كمية المطر في المرتفعات تساعد مليون أو اثنين أو حتى خمسة مليون شخص على العيش، إلا أن عدد السكان في اليمن الذين يعيشون حاليا في المرتفعات يتراوح بين 15و 20مليون نسمة، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى نحو 40مليون على مدى العشرين سنة المقبلة. إن الزراعة التقليدية في المناطق المرتفعة والتي تعتمد على الأمطار لن تكون كافية بحيث توفر ظروف معيشية مناسبة لهذه الفئة الكبيرة من السكان.

تظهر الدراسات المائية إلى أن حوض صنعاء يتناقص بشكل سريع، وربما يجف خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة. وبالتالي فان إيجاد صناعات بديلة لتوظيف هذا العدد الكبير من الناس في المرتفعات يعتبر أمرا قد لا يكون قادرا على المنافسة بسبب ارتفاع تكاليف النقل. فجلب المياه التي يتم تحليتها من الساحل إلى المرتفعات يعتبر عملية مكلفة للغاية نظرا لبعد المسافة والارتفاع الذي يجب أن تقطعه للوصول إلى المرتفعات.

فبدلا من نقل المياه إلى المرتفعات، وتطوير صناعات في ظل ظروف لا يمكن تحملها، ينبغي أن تتجه نظرة اليمن نحو الساحل. فوضع خطة تركز على التنمية في المناطق حيثما تكون الظروف مواتية ومستدامة، مثل المدن الساحلية كمدينة عدن والحديدة والمكلا والمخا ينبغي أيضا أن تكون أحد المكونات الحيوية في الحوار الوطني. .

إن الدافع السياسي الواضح نحو اللامركزية أو الفيدرالية يجب أن لا يتجاهل الوضع الاقتصادي. وفي الواقع، فان الاستقلال الاقتصادي، جنبا إلى جنب مع الاستقلال السياسي، لمختلف المناطق في البلاد يمكن أن يكون مصدرا هاما للنمو. وهذا من شأنه أن ينطوي على إسناد أو انتقال مجموعة من القضايا الإدارية إلى السلطات المحلية، مثل سياسة الاستثمار وهيكل الضرائب المحلية (غير الهيكل الضريبي الوطني)، وخطط التنمية الاقتصادية المحلية. وهذا سيمكن مختلف المحافظات والمدن من التنافس على جذب استثمارات القطاع الخاص بمن فيهم المستثمرين اليمنيين والأجانب.

وفي المقابل، يتعين على الحكومة الوطنية أن تطور دورها المتمثل في كونها الجهة الوحيدة لصنع القرار لتصبح مصدرا للدعم والتكامل بين الأقاليم. فهي تستطيع أن تدعم التنمية وفي نفس الوقت تعمل على تعزيز التكامل بين الأقاليم من خلال التركيز على البنية التحتية والموارد الرئيسية، مثل بناء وصيانة الشبكة الوطنية للطرق السريعة وإدارة قضايا المياه بين الأقاليم، وكذلك تشجيع الاستثمار في مختلف المناطق.

إن وضع تدابير للمساءلة من أجل ضمان اتخاذ قرارات اقتصادية منفتحة وشفافة، على المستويين المركزي  والمحلي، وضمان الضوابط والتوازناتبين مختلف الجهات الحكومية يعتبران أمران حاسمان وحيويان بالنسبة للامركزية في النظام السياسي واللامركزية في النظام الاقتصادي. ما لم فإن عملية اللامركزية سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى مركزية الفساد وسوء الإدارة.

تعتبر دبيمثالا جيدا على الفوائد المحتملة لمثل هذه العملية. فبعضالأسباب الرئيسية لنجاحها تمثلت في استقلاليتها الاقتصادية، والقيادة الجريئة والشراكات القوية التي أنشأتها مع القطاع الخاص. فهل تستطيع اليمن إنشاء نظام يمكن مدينة عدن والمكلا والحديدة والمخا (وغيرها) من أن تصبح "دبي" أخرى في اليمن؟ إن اللامركزية الاقتصادية تعتبر الخطوة الأولى.

كما أن المعجزة الاقتصاديةفي شرق آسيا قامت أيضا على اللامركزية. فالصين وفيتناموإندونيسيا والفلبين وماليزيا كلها لديها أنظمة لامركزية/فيدرالية حيث يتم اتخاذ القرارات الاستثمارية على مستوى الأقاليم.

إن هذا لا يعتبر بأي حال من الأحوال محاولة للتقليل من شأن الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه اللامركزية في عملية المصالحة السياسية. ذات مرة أخبرني رئيس جبهة التحرير الوطنية مورو في الفلبين والذي قاتل لسنوات من أجل استقلال إقليم مينداناو المسلم، بأن اللامركزية قدمت أكثر مما حققه خلال فترة 30 سنة قضاها من عمره في نضاله مع الحكومة من أجل استقلال هذا الإقليم. فقد تم انتخابه في أواخر التسعينات محافظا لمدينة كاتاباتو ، حيث كانت إدارته مسئولة عن جميع القرارات الاقتصادية المحلية وتقديم الخدمات المحلية.    

هدفي هو تشجيع جميع اليمنيين على النظر إلى الأبعاد الاقتصادية والبيئية كجزء لا يتجزأ منالحوار الوطني. إنأينقاش حول اللامركزية أو الفيدرالية يجب أن يكون ببساطة أكثر من مجرد رسم خطوط تحدد الكيانات الإدارية التي توازن الجغرافيا مع الهويات السياسية والقبلية.فتضمين الاقتصاد والبيئةفي قلب الحوار الوطني سوف يوفر فرصة كبيرة لوضع اليمن على طريق التنمية المستدامة واشتراك جميع مواطنيها في الفوائد.


بقلم

وائل زقوت

مدير مجموعة الممارسات العالمية المعنية بسياسة الأراضي والفروق المكانية

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000