نشر في أصوات عربية

نظام المعاشات التقاعدية في العراق: "ليس من الضروري أن تدفع لكي تحصل على خدمة جيدة"

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه هي المدونة الثانية في سلسلة من المدونات التي تتناول التحديات التي تواجه نظام الحماية الاجتماعية في العراق. ركزت المدونة الأولى على شبكات الحماية الاجتماعية، أما هذه المدونة فتركز على أنظمة معاشات التقاعد في بلاد الرافدين. أرملة تدخل إلى مقر هيئة التقاعد الوطنية في بغداد لطلب متأخرات المعاش الخاصة بزوجها الراحل، يرافقها ابن أخيها وتحضر معها كافة المستندات التي يمكن أن يطلبها الموظف الاستقبال. تتطلب الإجراءات توثيق الأوراق، وإصدار بطاقة معاش، ثم الصرف. في العادة كانت هذه العملية تستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر.

World Bankجاءت الأرملة ومعها كل الأوراق (وأيضا مزودة بالصبر)ـ وقدمت أوراقها لمكتب الاستقبال الذي طلب منها الانتظار. تنتظر بكل صبر. بعد ساعة يُنادى عليها للحضور أمام مكتب الاستقبال، لتتسلم بطاقة المعاش ومعها متأخرات معاش الزوج. أخذت الأموال وشرعت في الانصراف. ثم استدارت وعادت مرة أخرى إلى الموظفة المختصة وتعطيها مبلغا من المال، اعتقادا منها بأن هذه الخدمة "السريعة" لابد وأن يكون لها "ثمن". لكن الموظفة رفضت بأدب وتمنت لها يوما سعيدا. وغادرت وعلى وجهها ابتسامة واتصلت بأبنائها وهي سعيدة. فهي لم تكن تعلم أن العاملين بمكتب المعاشات قد وضعوا آليات جديدة للصرف: من تحسين سير الأعمال، وربط المكاتب الأمامية بالمكاتب الخلفية (الحسابات) من خلال شبكة داخلية، وتخويل "موظفي المكاتب الأمامية" سلطة التصديق على الصرف.

ورغم أن هذا يمثل تطورا إيجابيا للغاية بالنسبة للمستفيدين من أنظمة المعاشات التقاعدية في العراق، لا تزال هناك تحديات أمام تحسين الخدمات في بغداد وكافة أنحاء العراق. والأهم، أنها تتطلب إصلاح النظام ليتمكن من تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للعراق. وأنظمة المعاشات هي أحد أصعب المجالات التي ينبغي إصلاحها في أي بلد، وتتطلب دائما عملية طويلة المدى محفوفة بالتحديات السياسية والفنية. وقد اتخذ العراق خطوة مهمة للغاية في هذا الإصلاح عام 2007 مع تطبيق قانون التقاعد الموحد. ومع هذا، ومع ما يمتلكه العراق من ثروة نفطية هائلة، كانت هناك ضغوط للمضي قدما نحو وضع نظام مخصص لصرف المعاشات بات الآن يؤثر على الاستمرارية المالية لنظام المعاشات.

ويواصل العراق إنفاق نسبة كبيرة من ميزانيته على المعاشات. وتمثل مدفوعات المعاشات واحدا من أكبر جوانب الإنفاق على الحماية الاجتماعية في العراق حتى أن نسبة تزيد على 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في البلاد عام 2010، على سبيل المثال، وجهت للمعاشات. وهذا من بين أعلى مستويات الإنفاق في المنطقة. وقد حلت سياسات الطوارئ التي طبقت بعد أبريل/نيسان 2003 محل المعاشات المعتادة حيث كانت تدفع مبالغ "ثابتة" مباشرة من ميزانية وزارة المالية، مع مساهمات محدودة للغاية من أصحاب الأعمال والموظفين. وفي الوقت نفسه، لا يحظى سوى قرابة 25 في المائة فقط من إجمالي الأيدي العاملة في العراق بالتغطية من قبل نظام التقاعد الإلزامي في البلاد (أغلبهم من العاملين في القطاع العام.) أما في القطاع الخاص، فإن نسبة من تشملهم مظلة المعاش الإلزامي لا تتجاوز 2 في المائة من العاملين في هذا القطاع. ومن ثم، فهناك الآن دعوات مختلفة لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية، بما في ذلك الدمج الكامل لنظام القطاعين العام والخاص في صندوق واحد، والتأكد من كفاءة هذا النظام والقدرة على تحمل تكلفته واستدامته المالية.

ويحتاج العراق إلى التحلي بالجرأة في طرح تشريع جديد لتوفير نظام معاشات لجميع العراقيين يقوم على أفضل الممارسات العالمية. والفرصة متاحة الآن لتحقيق نظام للمعاشات يراعي مبادئ القدرة على تحمل التكلفة، والعدالة، واستدامة والمزايا وكفايتها، والقدرة على التنبؤ، والكفاءة الاقتصادية والإدارية، والتغطية. ولا تنسجم المبادئ السالفة دائما مع بعضها بعضا، ومن ثم يتعين في كثير من الأحيان اللجوء إلى حلول وسط. هل سيتمكن المستفيدون في المستقبل من الحصول على معاش تقاعدي يوفر لهم الدخل عند تقدمهم في السن؟ هل ستكون أنظمة التقاعد سليمة ماليا؟ هل سيظل المستفيدون قادرين على
التوجه إلى مكتب المعاشات والحصول على الخدمة الفورية دون تحمل رسوم "إضافية" كالأرملة التي التقينا بها منذ قليل؟

شاركونا أفكاركم. 

بقلم

غسان الخوجة

كبير مسؤولي العمليات للتنمية البشرية، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000