يمثل الحوار الوطني لحظة مهمة في التاريخ الثري لليمن. واجتمعت أحزاب سياسية، وفئات اجتماعية، ونساء، وشباب، وممثلون عن المناطق في حوار حول صياغة مستقبل اليمن. ويرى البعض أن العملية غير مكتملة وناقصة – حيث يغيب بعض الشركاء، وثمة مخاوف من استحواذ النخبة على الحوار فضلاً عن الصراع الذي يدور في بعض المناطق. ولكن رغم هذه التحديات، يحسب لليمن أنه يأمل في إقامة دولة من خلال الحوار – وليست تلك هي الصورة السائدة عن اليمن في الصحافة العالمية.
وإذا كان الحوار الوطني غريباً على اليمن، إلا أن له سوابق في مختلف أنحاء العالم. فإعلان الاستقلال وتكوين الولايات المتحدة الفيدرالية كان ثمرة للحوار بين ممثلي مختلف المستعمرات. لم تكن عملية جامعة- فقد اقتصرت عضويتها على الذكور من البيض من أصحاب الحيازات والأملاك- إلا أنها أرست مبادئ للحكم الرشيد صمدت أمام صروف الدهر. كما كان المؤتمر الوطني من أجل الديمقراطية في جنوب أفريقيا هو المرحلة الأولى للحوار الرامي إلى إنهاء التفرقة العنصرية. ولم تكن تلك العملية جامعة أيضاً، فضلاً عن أنها جرت في خضم حرب أهلية محدودة، إلا أنها أرست الأسس لمنتدى المفاوضات متعددة الأطراف ومن ثم أدت إلى إنهاء التفرقة العنصرية. وقد اجتمعت ايرلندا الشمالية وايرلندا والمملكة المتحدة في اتفاقالجمعةالحزينة حول مجموعة مشتركة من مبادئ التعاون.
فانطلاق عملية حقيقية جامعة لبناء الدولة بعد صدمة سياسية يتطلب الإقرار بالفروق واحترام الهويات. ويجعل تقرير جديد بعنوان "للاشتمال أهميته: أساس الرخاء المشترك" صادر عن البنك الدولي من فكرة الهوية والاحترام أساساً لحوار التنمية. ويوضح التقرير أن اشتمال كافة فئات المجتمع هو في الغالب عملية طويلة الأجل وغير منتظمة. لكن عملية بناء الدول والمجتمعات ممكنة، لكنها معقدة. وقد تبنت بعض البلدان عملية المصالحة، وشكل آخرون لجانا تتمتع بصلاحيات تخولها التصدي لقضايا نزع ملكية الأراضي وإعادة تأهيل السكان الذين شردهم الصراع. وقليل منها لديه هيئة تتمتع بسلطات تضمن عدم مساس التشريعات بمصالح الفئات العرقية والقبلية أو أية فئات أخرى. هذه الآليات تتيح لأي بلد التصدي المباشر لقضايا المصالحة والعدالة الانتقالية في الوقت الذي تركز في بنائها للدولة على توصيل الخدمات العامة وخضوعها للمساءلة أمام المواطنين. على جانب آخر، اضطرت البلدان التي ركزت فقط على تصميم هيكل الدولة وتجاهلت مسائل المصالحة الوطنية إلى التعامل مع هذه المظالم التاريخية بعد عقود عديدة. وتمر بنغلادش بأزمة كهذه حالياً.
سيتوقف نجاح بناء الدولة في اليمن إلى حد كبير على مدى الاعتراف بهوية وتراث الجنوب ورد المظالم التاريخية. ويمكن أن يوفر الهيكل الفيدرالي المرونة:نظام حكم وطني مع استقلال إقليمي يتمتع بسلطات انتخابية وتشريعية وضريبية وسياسات ذاتية للإنفاق ومحاكم مستقلة. لكن خلال التصدي لقضايا المصالحة، ربما يحتاج أعضاء الحوار الوطني إلى الانتباه إلى أن الهويات العرقية والولاءات معرضة لتغيرات وتحولات كثيراً ما جلبتها سياسات وقرارات الدولة. وربما تكون النبرة والصراحة والأسلوب الذي يتبناه أعضاء الحوار الوطني على القدر نفسه من الأهمية في وضع برنامج التلاحم الوطني. وربما ينظر المندوبون فيما إذا كان ينبغي الاستمرار في الفصل بين أهداف المصالحة وتصميم هيكل فعال للدولة.
وقد ظل تركيز الحوار بشكل أساسي حتى الآن على المناطق، مع مناقشات محدودة لدور الصف الثالث من المسؤولين الحكوميين. لكن الصف الثالث الذي يتمتع بحماية دستورية ربما يكون عاملاً على القدر نفسه من الأهمية في تشكيل اليمن الجديد. أولاً، الصف الثالث يجعل الحكومة أكثر قرباً من الناس. فيمكن للدولة بشكل خاص التأكد من وصول الخدمات، كالمياه والصرف الصحي والطرق والخدمات الصحية الأساسية والتعليم، ومن إدارتها من قبل صف يلبي احتياجات المواطنين مباشرة. ثانياً، يشكل الصف الثالث من الحكومة، إذا كان فعالاً، أسرع وسيلة لترسيخ الإحساس بالمواطنة. وتسمح الحكومات المحلية بوضع آليات للاتصال بين المواطنين والمسؤولين المنتخبين ومسؤولي الإدارات بطريقة مباشرة أكثر من إمكانية الاتصال بالحكومات الإقليمية أو المركزية. ثالثاً، تتسم الحكومات المحلية برغبة أكبر في استمرار الارتباط بالوطن – على النقيض من الحكومات الإقليمية- لاسيما تلك الغنية بالموارد الطبيعية. فالحكومات المحلية تحتاج إلى دولة أم من أجل هويتها، ومن ثم قد تكون أكثر حفاظاً على الدولة بطبيعتها. فعند نقطة حرجة للغاية في تاريخها السياسي، مكنت كل من إندونيسيا وجنوب أفريقيا حكوماتهما المحلية من التواصل مباشرة مع المواطنين، وقد تكونا قد تمكنتا خلال هذه العملية من الحفاظ على سلامة ووحدة أمتيهما. وتكمن الفرص في أن "الفيدرالية بدون محلية" لن تؤدي إلى وضع هيكل راسخ للدولة.
ويمر اليمن بلحظة تاريخية حرجة. ولدى أعضاء الحوار الوطني الفرصة لرسم مستقبل اليمن بطريقة تشكل فيها كتابة الدستور والمصالحة واللامركزية- وهي عمليات منفصلة وإن كانت متداخلة- الغراء الذي يحافظ على تماسك اليمن ووحدته.
انضم إلى النقاش