يعاني المصريون منذ عقود من مشكلة تلوث الهواء، لاسيما في المدن الكبيرة مثل القاهرة. وفي القاهرة الكبرى تُشكِّل مستويات تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة العالقة التي يقل قطرها عن 10 ميكروغرام (PM10) أو التي يقل قطرها عن 2.5 ميكروغرام (PM2.5) أكبر خطر على صحة البشر، وتزيد على أضعاف المستويات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية. ووفقاً لبيانات وزارة الصحة والسكان المصرية، فإن ما يصل إلى مليوني شخص سنوياً في ربوع البلاد يسعون للعلاج الطبي من مشكلات في الجهاز التنفسي تتعلق بتدني جودة الهواء.
كما يشكل تغيّر المناخ مشكلة لمصر، حيث تشير تنبؤات نماذج بيانات المناخ إلى أن متوسط درجات الحرارة السنوية في مصر سيرتفع بمقدار درجتين مئويتين إلى ثلاث درجات بحلول عام 2050، متسبِّباً في إطالة أمد موجات الحر وزيادة تواتر نوبات الجفاف وشدتها.
ومما يبعث على التفاؤل أن مصر تتخذ خطوات ملموسة للحد من آثار كلٍ من تلوث الهواء وتغيّر المناخ، كما تضمنت إستراتيجية رؤية مصر 2030 هدف تخفيض تركيزات الجسيمات الدقيقة العالقة (PM10) بنسبة 50% بحلول 2030. ووضعت مصر خطة عمل لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (المساهمة الوطنية لمكافحة تغيّر المناخ) وذلك في إطار التزامها باتفاق باريس للمناخ، والدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ المزمع عقدها في 2021 (COP21).
يُعد النقل المستدام إحدى ركائز الإستراتيجية المصرية للحد من الانبعاثات الكربونية. وقد استثمرت مصر في مرافق البنية التحتية العامة مثل الخط الثالث لمترو القاهرة وتوسعاته، الأمر الذي أدَّى إلى انخفاض عدد السيارات التي تسير في طرق المدينة بنسبة 13%، وتقليص المتوسط السنوي لمستويات الجسيمات الدقيقة العالقة (PM10) بأكثر من 3% في عام 2017. وتشير التقديرات إلى أن تخفيضات دعم الوقود في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى وضعته مصر للسنوات 2016-2019 ويحظى بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد أسهمت في تقليص عدد السيارات التي تسير في طرق القاهرة بما يصل إلى 14%، الأمر الذي أدَّى إلى خفض تركيزات الجسيمات الدقيقة العالقة بنسبة 4% بحلول 2019 بالمقارنة مع مستواها في عام 2016.
ويشتمل برنامج الحكومة المصرية للنقل المستدام أيضاً على تشجيع وسائل النقل التي لا تعمل بمحركات، ورفع كفاءة استخدام الطاقة في نقل البضائع، وتدعيم القدرات المؤسسية.
ويتضمَّن مشروع إدارة تلوث الهواء وتغيّر المناخ في القاهرة الكبرى عملاً متعدد القطاعات من قِبَل الأجهزة الحكومية المسؤولة عن إزالة المخلفات الصلبة، والنقل العام، والصحة العامة. ويشتمل المشروع الذي يُموِّله البنك الدولي على شراء وزارة البيئة لنحو 100 أتوبيس من الأتوبيسات الكهربائية، وستعمل الوزارة مع جهاز شؤون البيئة التابع لها ومحافظة القاهرة وهيئة النقل العام بالقاهرة الكبرى، وذلك ضمن هيئات أخرى، لتنفيذ هذا المشروع.
واسترشدنا بتحليل البيانات التي تصدرها وحدات التنمية المستدامة والبنية التحتية في البنك الدولي في إعداد التصميم الخاص بهذا المشروع. ومن خلال أساليب التحليل المبتكرة، خلص فريقنا لشؤون البيئة إلى أن النقل العام يتمتع بأهمية كبيرة لمعالجة تلوث الهواء الناجم عن الانبعاثات من الأتوبيسات التي تعمل بوقود الديزل في القاهرة الكبرى. ووجدت دراسة الكتاب الأبيض للنقل بالمركبات الكهربائية في مصر التي أعدتها فرق شؤون الطاقة والنقل في البنك الدولي أن وسائل النقل العام وليس المركبات الخاصة ستكون الفئة المناسبة لتطبيق تجربة تشغيل المركبات الكهربائية بالنظر إلى إمكاناتها المعقولة في تخفيض الانبعاثات العالية لغازات الاحتباس الحراري.
ويُمثِّل خفض الانبعاثات الكربونية عنصراً جوهرياً في نهج وخطة عمل البنك الدولي للتنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع لمساعدة البلدان على معالجة الآثار الناجمة عن التغيّرات المناخية. ولتقوية استدامة هذا الاستثمار، سيساعد الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها في صياغة التدابير اللازمة للحد من آثار الكوارث الطبيعية مثل تغيّر المناخ لتكملة هذا المشروع.
ولذلك، سيدرس القائمون على هذا المشروع فكرة استخدام أسطولٍ من الأتوبيسات الكهربائية وليس مجرد إجراء تجربة لاختبار جدوى هذه التكنولوجيا نفسها، وإنما كخطوة إستراتيجية نحو تقليص تلوث الهواء والحد من آثار تغيّر المناخ في مصر. وفي إستراتيجيات النقل، يتجاوز نهج خفض الانبعاثات الكربونية كثيراً مجرد الاستعاضة عن المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي بالسيارات الكهربائية، فهو يتضمَّن التحوُّل بعيداً عن السيارات. ووجد تحليلنا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري أن أكثر من 90% من خفض الانبعاثات الكربونية يجب أن يأتي من التحوُّل عن استخدام السيارات ومركبات الأجرة، وأن الاستعاضة عن الأتوبيسات التي تسير بوقود الديزل بأخرى كهربائية أسهم بنسبة 9.5% فقط من هذا الخفض.
وكخطوة أولى نحو التشجيع على التغير الكبير في أنماط انتقال الجمهور العام يمكن تصميم المشروع بحيث يُقدِّم خدمة أتوبيسات عالية الجودة من حيث تواتر الرحلات، وتزويدها بمكيفات الهواء، ومقابس "يو إس بي" لشحن الأجهزة الإلكترونية للركاب. ويبني المشروع على الدروس المستفادة من تجارب النقل بالمركبات الكهربائية في أماكن أخرى في مصر؛ ففي الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط، وجدت هيئة النقل العام أن استخدام أسطول جيد التصميم من الأتوبيسات الكهربائية سيؤدي إلى زيادة الطلب الجماهيري على رحلات الأتوبيسات حتى بين النساء، لاسيما حيثما تحسنت تصورات السلامة العامة بتركيب كاميرات أمنية داخل الأتوبيسات.
غير أن المسعى لا يخلو من تحديات؛ فقد أظهرت بحوث سابقة أنه حتى تنجح تجربة الأتوبيسات الكهربائية في مصر، يجب حل بعض المسائل التشغيلية مثل سعة بطاريات الشحن ووزنها، وتقنيات الشحن، وتكاليف البنية التحتية، والتوسع والمرونة في تطبيق التجربة. وستدرس المرحلة الأولى لمشروع إدارة تلوث الهواء وتغيّر المناخ في القاهرة الكبرى المسارات المحتملة للأتوبيسات، كما تشتمل على التصميم المُفصَّل لهذه الأتوبيسات، وإعادة تجهيز المستودعات لتشمل عمليات إعادة الشحن، والبيئة التشغيلية عموماً، وغير ذلك مما يلزم توفيره لضمان جدوى اللجوء لاستخدام الأتوبيسات الكهربائية.
انضم إلى النقاش