نشر في أصوات عربية

السعودية: مكافحة السمنة من خلال تغيير المنظومة الغذائية

الصفحة متوفرة باللغة:
Hand pushing a grocery shopping cart. Hand pushing a grocery shopping cart.

فيما يواجه العالم تهديدات صحية متواصلة مثل المتحورات الجديدة لفيروس كورونا (كوفيد-19) أو فيروس جدري القرود، لا تزال مشكلة السمنة وزيادة الوزن تشكل عامل الخطر الرئيسي الأول للوفاة والعجز في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. 

تُعتبر زيادة الوزن والسمنة من الأوبئة العالمية الرئيسية التي انتشرت بشكل كبير، حيث ارتفعت معدلات السمنة عالمياً ثلاثة أضعافها تقريباً منذ سبعينيات القرن الماضي،  مع وجود أكثر من ملياري شخص يعانون حالياً من زيادة الوزن والسمنة في جميع أنحاء العالم. ويمثل وباء السمنة العالمي تحدياً كبيراً يعوق تنمية امتلاك رأس المال البشري، وتراكم الثروات الوطنية، وأهداف تعزيز الرخاء المشترك، بحسب كتاب السمنة المنشور عام 2020.

وتشكل زيادة الوزن والسمنة مرضاً وعامل خطر بيولوجي يرتبط بالعديد من الأمراض غير السارية. كما زاد انتشار جميع الأمراض غير السارية  - مثل داء السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية وأنواع السرطان - بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة. فقد زاد انتشار داء السكري بمفرده بنسبة 99% خلال العقد الماضي في المملكة العربية السعودية، حيث ارتفع عدد الحالات من 1.4 مليون حالة في عام 2009 إلى 2.7 مليون حالة في عام 2019. ويُعتبر هذا الواقع مقلقاً بشكل خاص باعتبار أن معظم السعوديين يافعون، ومن المرجح أن ترتفع معدلات الانتشار مع تقدم السكان في السن إن لم يتم اتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.

ويقدم تقرير جديد بعنوان "زيادة الوزن والسمنة في المملكة العربية السعودية- العواقب و الحلول" صادر عن المجلس الصحي السعودي، بالتعاون مع البنك الدولي، تقييماً شاملاً لظاهرة زيادة الوزن والسمنة في المملكة العربية السعودية  من خلال عدة تحليلات معمقة بهدف تقديم شواهد وأدلة جديدة وتوليد المعرفة لدعم الحكومة في تحقيق أهدافها وغاياتها الوطنية.

وفي معرض تعليقه على هذا التقرير قال الدكتور نهار العازمي، الأمين العام للمجلس الصحي السعودي وأحد محرري التقرير: "يسلط هذا التقرير الضوء على العديد من الإنجازات التي تحققت في المملكة العربية السعودية، مما من شأنه أن يساعد في دفع عجلة التقدم في المملكة بناءً على أفضل التجارب والأدلة العالمية المتوفرة حتى الآن. وسيجد كل من واضعي السياسات والباحثين فائدة في هذا الكتاب من حيث المجالات التي عرضها والتي تشجع على التعاون لتعكس منحى زيادة الوزن والسمنة في المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى في المنطقة وخارجها."

تتزايد معدلات زيادة الوزن والسمنة بشكل سريع في المملكة العربية السعودية، خاصةً بين الأولاد.  وفي حين كانت معدلات زيادة الوزن/السمنة لدى النساء البالغات أعلى من المعدلات المسجلة عند الرجال البالغين في المملكة العربية السعودية، حدث انعكاس ملحوظ في الاتجاه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تصدّر الأولاد الصغار معدلات انتشار زيادة الوزن/السمنة مقارنةً بالفتيات. وما يثير القلق أكثر هو أن ثلث جميع الأطفال والمراهقين (الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عاماً) عانوا من زيادة الوزن أو السمنة في عام 2016، أي بما يعادل ضعف المعدل العالمي الذي يبلغ 18%.

لا تشكل معدلات زيادة الوزن والسمنة مجرّد تهديد صحي كبير، لكنها تهدد الاقتصاد أيضاً، إذ تلحق خسائر اقتصادية كبيرة بالمجتمع،  حيث تكلف ظاهرة زيادة الوزن/السمنة المملكة العربية السعودية بشكل مباشر ما مجموعه 3.8 مليارات دولار أمريكي، أي ما يعادل 4.3%من إجمالي النفقات الصحية في السعودية (2019). ويُعزى ذلك إلى حدّ كبير إلى تكاليف داء السكري من النوع الثاني. بالإضافة إلى ذلك، فقد ترتّب على حالات التغيب عن العمل والحضور الشكلي للموظفين الناتجة عن زيادة الوزن والسمنة تكلفة إجمالية قدرها 15.5 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 0.9% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019.

وقد تأثرت زيادة السمنة في المملكة العربية السعودية بالتغيرات في نمط الحياة، مثل زيادة استهلاك الأغذية فائقة التصنيع والمشروبات المحلاة بالسكر. فما يقارب 65% إلى 70% من الأغذية والمشروبات المباعة في المملكة العربية السعودية هي إما مصنعة أو فائقة التصنيع، الأمر الذي يساهم بحوالى 17% إلى 20% من السعرات الحرارية المتناولة في المملكة العربية السعودية. علاوةً على ذلك، لا يستوفي ما يقارب 70% من السكان ممن تبلغ أعمارهم 15 عاماً وما فوق الارشادات العالمية القياسية حول النشاط البدني. ويُظهر تحليلنا أن تحقيق خفض بنسبة 20% في زيادة الوزن والسمنة كفيل بتجنب ما يُقدَّر بنحو 60 و110 ألف حالة وفاة بين النساء والرجال، على التوالي، بحلول عام 2050.

وفي حين أن مسألة السمنة معقدة وبعض عوامل الخطر المرتبطة بها خارجة عن سيطرة الأفراد، إلا أن هناك العديد من الحلول المبتكرة التي تستند إلى الشواهد والأدلة. ويعرض التقرير الجديد الالتزام القوي للحكومة السعودية واستجاباتها من خلال السياسات لمعالجة مشكلة السمنة المتزايدة في البلاد - خاصةً في صفوف الشباب. فقد عمدت المملكة العربية السعودية حتى الآن إلى تنفيذ العديد من السياسات المبتكرة، بما يشمل فرض ضريبة بنسبة 50% على المشروبات المحلاة بالسكر. كذلك، يحدد التقرير التحديات المتبقية والفرص المتاحة، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من التوصيات.

وتتمثل إحدى هذه الفرص في تحويل النظام الغذائي لما فيه مصلحة كل من الصحة العامة والبيئة. وتفتقر النظم الغذائية العالمية المتاحة حالياً إلى الاستدامة، كما أنها تسبب أضراراً جسيمة للصحة العامة والبيئة. ويساهم إنتاج الأغذية فائقة التصنيع والمشروبات المحلاة بالسكر بشكل كبير في استهلاك المياه وانبعاثات الكربون. ومن شأن التحول نحو أنظمة غذائية صحية أكثر وتحتوي على كمية أقل من المنتجات الحيوانية والتقليل من هدر الأغذية أن تساهم في تحقيق الأهداف الصحية.

لا شك في أن المملكة العربية السعودية تملك القدرة والموارد لتحفيز العمل الجماعي بهدف إحداث التحول في نظامها الغذائي.  ويوصي التقرير باتباع نهج قائم على النظم في السياسات المتعلقة بالتغذية - والسمنة - في المملكة العربية السعودية، إلى جانب تصميم نموذج تصنيف الغذائي يكون خاصاً بالمملكة ليكون بمثابة أداة موحدة لجميع التشريعات المتعلقة بالتغذية مثل الضرائب الانتقائية، ووضع بطاقات تعريف المنتجات على واجهة العبوات، وضوابط الإعلان للمنتجات الغذائية، وذلك من بين أمور أخرى.

لقد حان الوقت للاستفادة من الزخم الذي حققته المملكة العربية السعودية من أجل إحداث تحول في النظام الغذائي داخل المملكة وفي دول مجلس التعاون الخليجي، وللمساعدة في ضمان صحة أفضل للشعوب،  إلى جانب تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.


بقلم

ريم السكيت

أخصائية صحة في الممارسات العالمية للصحة والتغذية والسكان بالبنك الدولي

كريستوفر هيربست

مدير برنامج البنك الدولي للتنمية البشرية في منطقة الخليج

ميرا شيكار

القائدة العالمية للتغذية وأخصائية الصحة والتغذية والتغذية والصحة في البنك الدولي

محمد اللحيدان

رئيس وحدة اقتصاديات الصحة (HEU) في المجلس الصحي السعودي.

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000