لم يكن خالد سعيد أول مصري يُضرب حتى الموت على أيدي قوات الأمن.لكن موته أشعل ثورة افتراضية كانت في حينها بمثابة إعداد لثورة حقيقية ما لبثت أن أطاحت خلال 18 يوما بحكم الرئيس المصري حسني مبارك الذي دام ثلاثين عاما.
وبحسب نشطاء وأفراد أسرته فقد تعرض سعيد الذي توفي عن عمر ناهز 28 عاما إثر تعرضه للضرب الوحشي على أيدي ضباط شرطة يرتدون ملابس مدنية في يونيو/حزيران عام 2010. إلا أن وزارة الداخلية لدى تشريح الجثة زعمت بأن وفاته جاءت نتيجة إصابته بالاختناق إثر ابتلاعه لفافة مخدر. هذا في حينوراحت صورة جسده المهشم، والتي أكدت أسرته أنها صورته بالفعل، تجوب جنبات العالم عبر الإنترنت. وقالت أسرته إنه اُستهدف بعد نشره شريط فيديو على الإنترنت قال إنه يُظهر أفرادا من الشرطة يتقاسمون أرباحهم من ضبطية مخدرات.
لذا يصح القول هنا، بأنه إذا كان الإعلام الاجتماعي في العالم العربي مجرد وسيلة "للتنفيس"–حسبما يقول البعض- لكانت ردة الفعل على مقتل خالد سعيد اقتصرت فقط على تعليقات غاضبة تهاجم النظام المصري على موقعيْ فيسبوك وتويتر. لكن بدلا من ذلك، احتج المصريون على وحشية قوات الأمن بالخروج إلى الشارع بأعداد غير مسبوقة. وبعد شهر من وفاته، مثل اثنان من ضباط الشرطة ممن لهم علاقة بمقتله أمام المحكمة بعد اتهامهما باعتقاله بصورة غير قانونية وبالاستخدام المفرط للقوة.
وتخليدا لذكراه، انطلقت عدة صفحات على موقع فيسبوك ومن بينها "كلنا خالد سعيد" لتدعوا إلى تنظيم احتجاجات صامتة بملابس سوداء. وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن ما يقرب من 8 آلاف شخص متشحين بملابس سوداء شاركوا في إحدى هذه الاحتجاجات على كورنيش الإسكندرية، وهي المدينة التي كان سعيد يسكن فيها.
وفي حين أن الشجاعة لم تُبتكر من قبل وسائل الإعلام الاجتماعي، إذ كان النشطاء يحتجون منذ سنوات على سياسات الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أن هذه الأصوات تعالت وتزايدت على الإنترنت على نحو غير مسبوق.
وبحلول صيف عام 2010، وصل عدد المشتركين من مصر على موقع فيسبوك إلى 3.4 ليجعلوا من مصر الدولة الأولى عربيا والثالثة والعشرين دوليا من حيث استخدام هذه الوسيلة. ومعظم هؤلاء المستخدمين تقل أعمارهم عن 25 عاما.
فقد أتاحت وسائل الإعلام الاجتماعي للمصريين، الذين شعروا أن أيا منهم قد يكون خالد سعيد، الفرصة لتحدي احتكار الدولة المطلق للحقيقة. ومنحت هذه المواقع الصوت والمنبر للشباب الذين طال تهميشهم من قبل هذه الأنظمة.
وبعد مرور حوالي ستة أشهر على وفاة سعيد، إذ بقصة جديدة تولد، لكن هذه المرة من تونس. ففي 17 ديسمبر/كانون الأول، أضرم محمد بوالعزيزي البالغ من العمر 26 عاما النار في نفسه بعد أن صادرت الشرطة العربة التي كان يستخدمها لبيع الفاكهة والخضروات بدون ترخيص ليكسب قوت يومه.
وعلى الأثر،خرجت مظاهرات من مسقط رأسه في سيدي بوزيد، لتمتد إلى مختلف أنحاء تونس. كما خرج نشطاء في دول عربية أخرى في مظاهرات تضامنية، ليتوحد الجميع تحت مظلة واحدة مناهضةللفساد والمحسوبية والبطالة والأساليب الوحشية لقوات الأمن.
فمواقع الإعلام الاجتماعي كانت نقطة البداية التي انطلقت منها الثورة في تونس نحو الحرية والكرامة ومازالت تلعب ذات الدور لتسلم الراية من بلد لآخر في المنطقة.
توفي محمد بوالعزيزي في الرابع من يناير/كانون الثاني، وبعد عشرة أيام تنحى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد حكم دام 23 عاما، لتُحيي تونس من جديد الحلم والطموح العربي.وكنا نحننراقب في هذه الأثناء الأحداث بدهشة، هل فعلا تخلى بن علي عن منصبه بهذه السرعة؟هل الأمر بهذا اليسر؟ومع سقوط نظامه، بدأ حاجز الخوف لدينا يسقط أيضا ببطء ومنهجية ليبعث الروح من جديد في مظاهرات طال التخطيط لها من قبل نشطاء الإنترنت المصريين في يوم عيد الشرطة احتجاجا على ممارسات عناصر الأمن. ودب الحماس في قلوب المصريين الذين لبوا النداء وتمكنوا خلال 18 يوما من الاحتجاجات التصاعدية من إسقاط نظام مبارك.
هذه الاحتجاجات، لم تكن لا انتفاضة تويتر ولا ثورة فيسبوك، بل إنها طوفان من الشجاعة حُشد على الشبكة العنكبوتية منطلقا من الإيمان بأهمية الفرد ومعنى عبارة "أنا مهم".
ورغم أن هاذين البلدين سيقودان رحلة كتابة فصول قصة الثورة، لكن هاتيْن الثورتيْن مازالتا بعيدتيْن عن نقطة النهاية. وبينما يتحدى البلدان الواقع القائم ويواصلان مسيرتهما لتحقيق مطالبهما، إذ بطبيعة الحاكم والمحكوم تتغير أمام أعيننا، وتستمر المسيرة نحو تحقيق الحرية والكرامة سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي.هذا التمكين الذي حُرم منه الشعبان طويلا فسيدافعان عنه بشراسة، لأن عبارة "أنا مهم" تذكي إدراك "الناس" بقوتهم.
انضم إلى النقاش