وقد تناولت دراسة (E) حديثة للبنك الدولي مدى عدم تكافؤ الفرص بين الشباب (في الشريحة العمرية 15 إلى 29 عاما) بسوق العمل في مصر. وسلطت الدراسة الضوء على الكثير من جوانب سوق العمل، بما فيها التغيرات التي اعترت سبل الحصول على الوظائف، وجودتها مع مرور الوقت، والظروف الرئيسية الخارجة عن سيطرة الشباب الطامح إلى العمل، وتأثير علاقات ونفوذ الأسرة والأقارب في الحصول على الوظيفة المنشودة. ومن بين الخصائص المرغوبة في الوظيفة المنشودة أن تكون وظيفة حكومية ذات مزايا سخية تدر رواتب عالية، وتوفر مزايا الضمان الاجتماعي، وتتطلب مهارات مكتسبة عبر التعليم والتدريب. واستندت الدراسة إلى بيانات عن مسح أجري لأسواق العمل في أعوام 1998 و 2006 و 2009.
في هذه المدوّنة، والمدونات اللاحقة، أوّد أن أشاطركم بعض الآراء التي كونتها من خلال هذا العمل. والمدونة الحالية تركز على تأثير مهنة الوالدين، وهو ظرف خارج نطاق سيطرة البنت أو الابن، على الاختيارات المهنية لأبنائهم عند اقتحام سوق العمل، وما يعنيه ذلك بالنسبة للارتقاء الاجتماعي فيما بين الأجيال؟
الشكل 1:المكانة الوظيفية حسب العمر ومع مرور الوقت في مصر (بالنسبة المئوية)
أضغط على الصورة للتكبير
المصدر:البنك الدولي، 2012: "عدم تكافؤ الفرص بين الشباب المصري الطامح للدخول إلى سوق العمل."
من المفيد بداية، أن ننظر إلى اتجاهات الفئات الوظيفية بمصر. اذ يظهر الشكل1 أن نصيب الوظائف الإدارية، التي تتطلب مهارات وتخصصات، تقلص في الفترة من 1998 إلى 2006، على عكس الفئات الوظيفية الأقل جاذبية، أي الوظائف الحرفية/النسائية والزراعية أو المتدنية. ورغم أن الحيّز الأكبر من الإناث يميل إلى امتهان وظائف إدارية أكثر من ميل الرجال، فإن انخفاض عدد الإناث العاملات في هذا النوع من الوظائف كان أكبر بالمقارنة مع نظرائهن من الذكور. وبشكل عام، ينخرط عدد أكبر من الشباب في الوظائف الحرفية/النسائية أو المتدنية أكثر من انخراط للعمالة الأكبر سنا في هذه المهن. على سبيل المثال، في عام 2006 لم تتجاوز نسبة الشباب في الشريحة العمرية 20 - 29 عاما الذين يشغلون وظائف إدارية ال 20 في المائة مقارنة ب37 في المائة ممن تجاوزوا الثلاثين من العمر.
ويمتهن أكثر من واحد من بين كل اثنين من الشباب المصري الطامح إلى الانضمام لسوق العمل نفس مهنة الوالد (الشكل 2). وقد زادت في الفترة من 1998 إلى 2006، القدرة التنبؤية لمهنة الأب للوظيفة التي سيمتهنها الابن أو الابنة. وأصبح مصير سوق العمل بالنسبة للشباب في مصر مرتبطا بالمهن التي يمتهنها آباؤهم، وهو ما يشير إلى تضاؤل الفرص على مدى العقد الماضي. وقد أصبح أمل الابن أو الابنة لوالديّن يعملان في مجال الزراعة أو المهن المتدنية في الحصول على وظيفة أفضل من تلك التي يمتهنها والداهما أكبر في عام 2006 مما كان عليه في عام 1998. وأصبحت فرصة حصول الابن لأب يعمل في مهنة حرفية/نسائية وزراعية أو متدنية على وظيفة إدارية في عام 1998 لا تتجاوز 20 في المائة و 15 في المائة على الترتيب. وتقلصت هذه النسبة إلى 18 في المائة و 11 في المائة على الترتيب عام 2006. من ناحية أخرى، لم يشهد الشباب الذكور الذين ينحدرون من أب يعمل في وظيفة إدارية أي تراجع في إمكانية بلوغ نفس المكانة الوظيفية للأب. ومع هذا، ففي عام 2006 ظل أكثر من نصف الفتيات (54 في المائة) اللائي ينحدرن من أب يعمل في الزراعة أو في مهن متدنية ضمن نفس الفئة الوظيفية للأب، وهو ترد كبير من نسبة لم تتجاوز 24 في المائة عام 1998.
وتظهر الدراسة أن "مهنة" الأب تشكل عاملا مساعدا.وتأكيدا على عدم تكافؤ الفرص في سوق العمل المصري، فإن نوع الوظيفة التي يحصل عليها الشاب أو الفتاة في النهاية يتأثر كثيرا بمهنة الأب. ففرص الشباب الذين ينحدرون من آباء يعملون في وظائف إدارية في الحصول على وظيفة إدارية تزيد بأربعة أمثال فرص نظرائهم ممن ينحدرون من آباء يعملون في مهن زراعية أو متدنية. في عام 2006، بقي 44 في المائة من الشباب و 75 في المائة من الفتيات المنحدرين من والدين يعملان في مهن إدارية في نفس المكانة الوظيفية. هذا على النقيض من بقاء 42 في المائة من الشباب و 54 في المائة من الفتيات المنحدرين من والدين يعملان في مهن زراعية ومتدنية في نفس المكانة الوظيفية لوالديهما. وفي الوقت الذي تدنت فيه حظوظ الفتيات في الحصول على وظيفة إدارية، بغض النظر عن مهنة أبيهن، إلا أن الفتيات اللائي ينتمين إلى أب يعمل في مهنة زراعية أو متدنية شهدن تقلصا شديدا في ارتقائهن اجتماعيا، وهو ما زاد أوضاعهن سوءا.
الشكل 2:المكانة الوظيفية للأبناء وفقا للمكانة المهنية للآباء (النسبة المئوية)
أضغط على الصورة للتكبير
المصدر:البنك الدولي، 2012: "عدم تكافؤ الفرص بين الشباب المصري الطامح للدخول إلى سوق العمل."
انضم إلى النقاش