نشر في أصوات عربية

الحماية الاجتماعية في بلاد الرافدين: نحو الاشتمال الاجتماعي والاستثمار في رأس المال البشري

الصفحة متوفرة باللغة:
في إطار إستراتيجية الشراكة القطرية القادمة التي يعدها البنك الدولي للعراق، نعكف حاليا على بحث طبيعة تحديات الحماية الاجتماعية فيهذا البلد، وقد ألقينا بداية نظرة على شبكات الأمان الاجتماعي العراقية، وسنستتبع ذلك بنشر عدة مدونات عن أوضاع العمالة والتوظيف والتأمينات الاجتماعية.

في الواقع، يتمثل التحدي الرئيسي اللتنمية البشرية في العراق في مواصلة الجهود للارتقاء بفاعلية قطاعات التنمية البشرية وكفاءتها. و يتطلب هذا الأمر بطبيعة الحال تطبيق سياسات من شأنها تمكين قطاعات التنمية البشرية من العمل معا على نحو إستراتيجي في إطار الهدف المشترك طويل الأمد المتمثل في تطوير رأس المال البشري للبلاد. وسيكون للحماية الاجتماعية دور رئيسي في هذه العملية.

الحماية الاجتماعية في بلاد الرافدين: نحو الاشتمال الاجتماعي والاستثمار في رأس المال البشريفي السنوات الأخيرة، شرعت الحكومة العراقية في إصلاح برامج الحماية الاجتماعية بغرض ترشيد أنظمة الدعم والانتقال من الدعم الشامل لأسعار الغذاء إلى برنامج تحويلات نقدية جيدة التوجيه. وقد اتسع برنامج شبكة الأمان الاجتماعي القائم على التحويلات النقدية والذي تديره وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليغطي الآن حوالي مليون عائلة (على أساس أسلوب الاستهداف الفئوي) بميزانية قدرها نحو 800 مليون دولار. وينفق العراق، بشكل عام، حوالي 10 في المائة من إجمالي ناتجه المحلي على برامج شبكات الأمان الاجتماعي، يذهب 7.7 في المائة منها إلى دعم أسعار المواد الغذائية والوقود.

وتفتقر التحويلات النقدية الحالية إلى الفاعلية من حيث مدى وصولها إلى السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر والذين يشكلون 22 في المائة من عموم السكان في العراق (2007)، ويتركز معظمهم في المناطق الريفية. هذا ولا تغطي التحويلات النقدية سوى 6 في المائة من أفقر 20 في المائة من السكان. وقد أسفر استخدام أسلوب الفئات الاجتماعية العامة بدلا من آليات التوجيه والاستهداف الأكثر فاعلية (مثل اختبار قياس مستوى الدخل الفعلي أو الاستهداف على أساس جغرافي) في تحديد مدى استحقاق الدعم، عن عدم استفادة غالبية الفقراء من منظومة شبكة الأمان غير القائمة على الدعم. وثمة حاجة ماسة لتحسين كفاءة آلية توجيه المساعدات في نظام التحويلات النقدية.

الآفاق المستقبلية

الحماية الاجتماعية في بلاد الرافدين: نحو الاشتمال الاجتماعي والاستثمار في رأس المال البشريحدد منتدى سياسات الحماية الاجتماعية في العراق الذي عُقد في الفترة من 17 إلى 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، عددا من المجالات التي يستطيع العراق من خلالها تحسين منظومة شبكة الأمان الاجتماعي لديه. وجرى تنظيم هذا المنتدى كمتابعة لسلسلة زيارات التعلم فيما بين البلدان النامية التي نظمها المشروع في كل من جورجيا وإندونيسيا ولبنان وتركيا. وكان الهدف منها هو ترجمة الدروس المستفادة إلى توجهات ملموسة على صعيد السياسات وإلى حلول تنموية تلائم أوضاع العراق. وتمثلت إحدى التوصيات العديدة التي تمخضت عن هذا المنتدى وأكثرها أهمية في إنشاء مجلس أعلى للحماية الاجتماعية يرأسه معالي رئيس الوزراء. واشتملت التوصيات الخاصة بشبكة الأمان الاجتماعي التي أسفر عنها المنتدى إصلاح نظام الاستهداف الحالي، وزيادة المخصصات المالية لتوسيع نطاق مظلة التغطية، وتطوير قاعدة بيانات عن الفقراء باستخدام منهجيات توجيه واستهداف ملائمة، وتنفيذ برنامج تجريبي للتحويلات النقدية المشروطة (مثلا، بغرض تحسين معدلات التحاق الفتيات بالتعليم في المناطق الريفية)، وزيادة موارد الوزارة بشكل كبير فيما يتعلق بالأخصائيين الاجتماعيين وزيارات العائلات المستهدفة.

ولما كان العراق يقف على مفترق طرق في مسيرة تنميته الاجتماعية والاقتصادية، فإن الشركاء، بما في ذلك البنك الدولي، ينبغي أن يقدموا يد العون لوضعه على المسار الصحيح نحو الاستثمار في موارده البشرية. ومن هنا، ينبغي التأكيد على ضرورة أن تشمل هذه الجهود كافة فئات المجتمع، مع تفادي أية سياسات من شأنها مفاقمة التهميش الاجتماعي. وتتمثل إحدى الخطوات المهمة في هذا الاتجاه في توجيه الموارد لأشد الناس حاجة إليها، وإصلاح السياسات التي تفيد الأغنياء بقدر إفادتها للفقراء، كما هو الحال بالنسبة لبرنامج دعم الغذاء الحالي. وسيكون لبناء المؤسسات والقدرات، بجانب تطبيق آليات اتخاذ القرارات على أساس الشواهد والأدلة، دور مهم في تحقيق هذه الأهداف.


بقلم

غسان الخوجة

كبير مسؤولي العمليات للتنمية البشرية، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000