أحد أهم الدروس التي نستفيدها من التدخلات التنموية في اليمن أنه من الممكن تدعيم المؤسسات الوطنية وبناء رأس المال البشري، حتى في أوقات الصراع، عبر الاستثمار في الأطراف الفاعلة المحلية كي تصبح أكثر قوة حين يعود السلام.
وتشهد البلاد صراعا اندلع على ما لا يقل عن 30 جبهة منذ أوائل 2015، مما أسفر عن انهيار الخدمات الأساسية. وأصبح اليمن يشكل أكبر أزمة إنسانية في العالم ويشهد إحدى أكبر حالات تفشي الكوليرا في التاريخ الحديث. وتوقفت الأنشطة الإنمائية ويجري توجيه أموال المانحين إلى إنقاذ الأرواح.
ويدفع الصراع المجتمعات المحلية الفقيرة بالفعل إلى حافة الهاوية. وفي ظل افتقار الغالبية العظمي من السكان للدخل، فقد أصبحوا يعتمدون بشكل يائس على المساعدات، بينما يظل استغلال رأس المال البشري والموارد الطبيعية للبلاد دون المستوى المطلوب.
ومنذ البداية، تبنى البنك الدولي نهجاً جديداً تجاه هذا الوضع، حيث قام بتدخلات تنموية مستدامة وشاملة. وحولت استراتيجية البنك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مشاركتها من العمل فقط في الظروف المستقرة إلى العمل صوب تحقيق الاستقرار في الدول التي تمر بالصراع.
وفي ظل امتداد الصراع في اليمن لفترة أطول، يدعم البنك، عبر المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات، الصندوق الاجتماعي للتنمية، وهو مؤسسة وطنية كبيرة يدعمها البنك الدولي مالياً وفنياً، منذ ما يزيد عن عقدين لتوصيل الدعم إلى السكان الأكثر ضعفاً.
صورة "بعد" لطريق مكتمل في اليمن كجزء من مشروع "تمكين". الصورة: الصندوق الاجتماعي للتنمية اليمن
تقديم الدعم لتنمية المجتمع المحلي
إن "تمكين" هو أحد أمثلة الدعم المقدم للصندوق الاجتماعي للتنمية. فهو برنامج قائم منذ فترة طويلة ومعني بالتخطيط الإنمائي، ويشجع على تعزيز القدرة على الصمود اجتماعيا واقتصاديا في مواجهة الصراع عبر تقييم موارد المجتمع المحلي -مهاراته ومنشآته العامة، وموارده المالية، ومواد البناء - ويضمن أن تشمل المشاركة المحلية في أي مشروعات للبنية التحتية المرأة والنازحين داخليا وبقية المجموعات المهمشة.
وينحي البرنامج جانبا عدم الثقة الناجم عن الصراع، ويعمل على تمكين المجتمعات الأكثر فقرا، ويعزز التماسك الاجتماعي. ويشمل هذا إجراء انتخابات المجالس التعاونية للقرى، المدربة على إقناع السكان بعدم انتظار المساعدة بل بحشد أنفسهم للعمل.
وبميزانية قيمتها 197 ألف دولار، قام أحد مشروعات الصندوق الاجتماعي للتنمية-تمكين بتنفيذ ما يزيد عن 700 مشروع صغير يخدم قرابة 80 ألف شخص في مديرية السلفية الواقعة في وسط ريمة، أفقر المحافظات وأكثرها صعوبة في الوصول إليها في اليمن. وشملت مبادراته بناء وإعادة تأهيل الطرق الريفية وتحسين موارد الأراضي والمياه، وحماية المنشآت التعليمية والمرافق الصحية وتدريب السكان في مجالات الرعاية الصحية والحرف اليدوية.
وتحت إشراف 90 شابا ريفيا (50% منهم من النساء)، انتخب سكان السلفية 93 شخصا في مجالس القرى، 50% منهم أيضا من النساء. ويصف محمد جاويش، المنسق المحلي لتمكين ومدير المشاركة المجتمعية، هذا الإنجاز بأنه أكبر استجابة مجتمعية وأكثرها قيمة يشهدها، وتفوقت على أي شىء آخر مماثل في أوقات السلم.
ويعتمد البرنامج على المساهمات المحلية أيضا. يقول عبد السلام الجرمي التاجر من قرية قازومة إنه ساهم بأكثر من ألف دولار لتشييد وتمهيد الطريق إلى قريته الواقعة أعلى الجبال. وقال "مع استخدامنا للمواد الخام والعمالة المتاحة" كانت تكلفة الطريق أقل بكثير مقارنة مع طريق آخر تولى مقاول تشييده. كما تطوعت خمس قرى أخرى تقع في مناطق شديد الوعورة بالوقت والجهد والمال للمشروع، فيما خصصت مجالس القرى عددا من ساعات العمل لكل أسرة. وتفي الأسر بتعهداتها حين تثق في أن النتائج ستعود بالنفع عليها.
منافسة قائمة على التحفيز
يعمل برنامج تمكين عبر تقديم الدعم المالي لأكبر مبادرة لكل قرية، مع ترتيبها زمنيا لتصبح في النهاية بهدف الحفاظ على الزخم المجتمعي للمشاريع الأصغر التي سبقتها.
وأشعلت ميزانية حجمها 22 ألف دولار على شكل تمويل مشروط لمشروع مماثل المنافسة بين المجتمعات المحلية البالغ عددها 146 بمديرية السلفية، مما شجع الحديث عن تحقيق التقدم بدلا من الصراع. وقال جاويش، المنسق المحلي لدى تمكين "أتخيل هذا كأجزاء السيارة. كل جزء يقوم بدوره لذا تتحرك السيارة صعودا إلى القمة وتصل إلى وجهتها". ويضيف أن مستوى العنف تراجع محليا.
ويساعد إشراك تمكين للمرأة في بناء السلام والمرونة الاجتماعية. ويقول جاويش مشيرا إلى شفيقة، المرأة الوحيدة القبلية التي تلقت تعليما في قرية العقامة التابعة للمديرية "هنا، من غير المسبوق أن تُسمع أصوات النساء بوضوح". وعلى الرغم من أنها تعاني من الإعاقة، فإنها أنشأت مركزا لمحو أمية الإناث البالغات في القرية وتطوعت للتدريس للأطفال، سواء في المدرسة أو في منزلها الخاص.
ومضت شفيقة قدما لتفوز بمقعد في المجلس القروي وتشجع النساء الأخريات على ترشيح أنفسهن. والآن، بات بمقدورها أن تجعل أولويات النساء مسموعة. وتمخضت جهودها عن إنشاء مركزين آخرين لمحو أمية الإناث في القرى المجاورة.
بناء رأس مال المؤسسات
على مدار عامي 2017 و2018، ساعد برنامج تمكين التابع للصندوق الاجتماعي للتنمية من المساهمة في إنشاء 1900 مجلس قروي، تدير 6300 مبادرة ذاتية و938 مبادرة مدعومة من تمكين في 37 من بين 333 مديرية في اليمن.
إن تمكين مثال على هذا النوع من برامج التغذية والتمويل المتناهي الصغر التي يدعمها البنك الدولي في اليمن منذ 1997. ويوجه البنك الدولي 1.7 مليار دولار عبر وكالات الأمم المتحدة لمساعدة المؤسسات الوطنية في اليمن ليمكنها من الاحتفاظ بقدراتها خلال الأزمات الإنسانية. ويدعم المانحون الآخرون أيضا الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن من أجل تعزيز قدراته حتى يستطيع الاضطلاع بدور في التعافي عقب الصراع.
انضم إلى النقاش