نشر في أصوات عربية

مناظرة: هل سيكون العالم العربي أفضل بدون الدعم الحكومي للطاقة؟

الصفحة متوفرة باللغة:
 

تقوم حكومات العالم العربي بدعم الطاقة منذ سنوات طويلة. ويتيح هذا الدعم لمواطني المنطقة الحصول على بنزين رخيص وكهرباء مدعومة بأسعار تقل عن أسعار السوق. لكن ماذا كان الأثر الحقيقي للدعم، وهل يبرر العبء المالي الهائل على موازنات الدول؟ هذا سؤال حيوي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تمثل هذه المنطقة نسبة غير متوازنة من دعم الطاقة في العالم.

وللتصدي لهذا السؤال، جمعنا موسى شتيوي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وشانتا ديفارجان، كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمناقشة تكلفة الدعم ومزاياه. يوجد أدناه نص النقاش الذي تم في عام 2014. نرحب بمشاركتنا بأفكاركم عن الأثر النهائي لدعم الطاقة.

الطاقة

شانتا ديفارجان:  أود الحديث عن الدعم، دعم الطاقة في المنطقة. فالمنطقة تضم نحو 5% من سكان العالم وتشكل 3% من إجمالي الناتج المحلي العالمي و50% من دعم الطاقة في العالم.  وأعتقد أن أسوأ مشكلة في دعم الطاقة هي أنها تعتبر تمييزا ضد التوظيف. والسبب في ذلك أن معظم الدعم الموجه للطاقة يفيد الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وظهر أن الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة هي أيضا كثيفة رأس المال.  ولدى المنطقة أكبر معدل للبطالة في العالم، وأعتقد أن هاتين الحقيقتين مرتبطتين بذلك، وهما مرتبطتان أيضا ارتباطا وثيقا بحيث يتعين تحويل النقاش حول دعم الطاقة من الحديث عن الموازنة أو المساواة إلى الحديث عن الوظائف.

موسى شتيوي: من الناحية النظرية، ما تقوله فيه الكثير من المنطق. لكنه ليس قائما في الواقع على أساس صحيح.  أعتقد أن ما تشير إليه من دعم في المنطقة، وهو 50%، يأتي من البلدان المنتجة للنفط أكثر مما يأتي من غيرها. فهو يمثل هذه النسبة بشكل عام، لكن الدعم الضخم يوجد في الخليج وفي المملكة العربية السعودية. وأود هنا أن أشير إلى نقطتين: أولاهما أن المناداة بإلغاء الدعم اليوم تأتي وسط أوضاع شديد الصعوبة للمنطقة، ولبلدان مثل الأردن واليمن، من الناحية الاقتصادية والسياسية. ينبغي فهم أنه في منطقتنا فإن المعارضة الرئيسية لإلغاء الدعم تتمثل في التكلفة العالية للطاقة والنقل على المواطنين. فحين يقول الناس ’لا نريد إلغاء الدعم’، فذلك لأنه يؤثر عليهم مباشرة ويؤثر على الفقراء أيضا.

شانتا: أنت تعلم أن الدعم يمثل حوالي 6% من إجمالي الناتج المحلي، اخصم 2% من إجمالي الناتج المحلي ووزعه كتحويلات نقدية تستهدف الفقراء بحيث يستطيعون دفع أسعار الطاقة الأعلى.

موسى: لقد فعلنا ذلك في الأردن... التحويلات النقدية للفقراء، لكن السؤال هو: إلى أي مدى سيستمر ذلك؟ فليس الفقراء فقط هم من يعانون من إلغاء الدعم، بل الطبقة الوسطى أيضا. ففي الأردن، على سبيل المثال، يستخدم معظم أفراد الطبقة الوسطى سياراتهم في الذهاب إلى العمل وهذا يكلفهم جزءا كبيرا من رواتبهم. إن ما أود رؤيته هو مشاريع واستثمارات من جانب الحكومات في مجال النقل العام والمرافق العامة وهو ما سيجعل هذه المسألة ليست ذات بال.

شانتا: يمكن أن تستثمر في النقل العام لكن إذا كان سعر البنزين رخيصا فلن يستقل المواطنون وسائل النقل العام. فلماذا توجد وسائل للنقل العام في كثير من هذه البلدان لكن المواطنين مازالوا يستخدمون سياراتهم؟ ولماذا يوجد في القاهرة واحدا من أعلى معدلات قيادة السيارات في العالم؟

موسى: يمكن الدفع بذلك في الاتجاه الآخر، وهو أنه لو كانت هناك وسائل جيدة للنقل العام ما كان المواطنون يقودون سياراتهم.

شانتا: حتى مع هذه النقطة سأقول: كي يتسنى للحكومات ضخ استثمارات في النقل العام، يجب أن تتوقف عن الإنفاق على الدعم. فمن أين تأتي بالمال من أجل....

موسى:  أنا لست ضد الفكرة من حيث المبدأ. لكني ضد أسلوب تنفيذها. وأعتقد أن الاستثمار في النقل العام هو الأساس للتنمية الاقتصادية وخلق الوظائف.

شانتا: انظر حولك في أنحاء العالم – المدن التي يوجد فيها أرخص بنزين هي المدن التي يوجد فيها أسوأ وسائل للنقل العام. ففي معظم أنحاء أوروبا، سعر البنزين مرتفع للغاية ولديك شبكات ممتازة للنقل العام.

موسى: فالمسألة إذن هي الدجاجة أولا أم البيضة، لكن الأمر ليس كذلك. إذا تم عرضها ضمن حزمة من الاستثمارات في المرافق العامة والنقل، أعتقد أن ذلك أمر ممتاز والنقطة الأخرى التي أريد أن أذكرها بسبب أثر الأزمة السورية والأزمة العراقية، وأنا لا أتحدث هنا عن أزمة اللاجئين فحسب، بل أتحدث عن جميع الديناميكيات التي نشأت، قطع طرق التجارة والعلاقات التجارية. ففي الأردن هناك صدع في الهيكل الاقتصادي للمجتمع. ومن ثمّ سيكون هناك عبء فعلي، فإن إلغاء الدعم سيكون له أثر سلبي.

الكهرباء

شانتا: الكهرباء تمثل مشكلة هائلة في لبنان. فكثير من المواطنين لا يحصلون عليها إلا لساعة واحدة يوميا او ساعتين، وهذا لأن الخدمة مدعومة بالكامل.  فحين تدعم شيئا تخلق طلبا إضافيا، ثم تضيف مليون ونصف مليون لاجئ سوري، وهو ما يزيد الوضع سوءا. لكن من ناحية أخرى لو كان لبنان ألغى دعم الكهرباء قبل الأزمة، لكانت تكلفة اللاجئين السوريين أقل كثيرا. فلبنان مرهق بسبب الدعم.

موسى: في الأردن وفي لبنان بشكل خاص، نعيش ما أصفه بوضع كارثي. ولذلك فالوقت ليس مناسبا للاقتراب من هذه المسائل في حين أنه لدينا مشاكل أكبر كثيرا مثل مشكلة البطالة. وقد قام البنك الدولي بعمل عظيم بإنشاء صندوق طارئ لمساعدة بلديات الأردن. وأعتقد أنه من الأفكار الممتازة أن يكون هناك صندوق طارئ لمساعدة الشباب، بأسلوب أكثر ابتكارا.

شانتا: الإجابة على مشكلة البطالة ليس مشروعا ينفذه البنك الدولي، أو حتى مشروع تنفذه الحكومة الأردنية، بل جعل القطاع الخاص في الأردن ديناميكيا وقادرا على المنافسة. فما أحب أن أقوم به هو مشروع للمساعدة على تحطيم الاحتكارات التي تقف في الطريق أمام قيام قطاع خاص ديناميكي وقادر على المنافسة، وهذا هو أفضل ما يمكن أن نفعله للشباب العاطل في الأردن.

موسى: أتفق معك مبدئيا أنها مسؤولية القطاع الخاص خلق فرص العمل. لكني أرى أن المشكلة في الأردن أكبر من مجرد احتكارات.

الوظائف

موسى: فمعظم النشاط الاقتصادي يتركز في المنطقة الوسطى: عمان والزرقا والصلت وإربد. ولذلك فإن خلق وظائف في الجنوب مثلا ليس مسألة احتكارات. بل هي مسألة الاستثمار في هذه المناطق والتدريب والقدرات.

شانتا: لكن حين ترى كسادا في منطقة ما، يكون هناك خياران: أحدهما هو أن تستثمر فيها، والآخر هو أن تترك الناس تنتقل إلى الوظائف بدلا من نقل الوظائف إلى الناس.

موسى: الانتقال من الجنوب إلى حيث توجد الوظائف يعني الهجرة إلى عمان وترك مواطنهم.

شانتا: ما الخطأ في ذلك؟

موسى: ستكون لدينا مشكلة ضخمة.

شانتا: وما هي المشكلة؟

موسى: تركز الناس في عمان، والضغوط الإضافية...

شانتا: لا توجد مشكلة في ذلك.

موسى: بل هذه مشكلة هائلة.

شانتا: لا. بل المشكلة في الدعم...

موسى: دعني أكمل حجتي: أعتقد أنه من المهم للغاية تمكين الناس من العيش والحصول على وظائف حيث يعيشون، حيث توجد جذورهم.

شانتا: ينبغي ألا نجبر الناس على البقاء.

موسى: إننا لا نجبرهم. فالفرص المتاحة الآن في تلك المنطقة قليلة للغاية. وفي نهاية المطاف، إذا هاجروا فإن ذلك يعني تفاقم المشكلة في المنطقة.  إنها منطقة شاسعة، والناس هناك يحتاجون أيضا إلى أنشطة اقتصادية. وبالقدوم إلى عمان تظهر ضغوط أكبر على العاصمة في كل شيء.

شانتا: تاريخ التنمية الاقتصادية هو تاريخ انتقال الناس إلى الوظائف. في كل بلد، فلم يحقق أي بلد تنمية بدون انتقال الناس من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. انظر إلى كل بلدان شرق آسيا..

موسى: حسنا، الكرك ليست منطقة ريفية، فهناك مناطق حضرية أيضا.

شانتا: ... من مناطق يضربها الركود إلى مناطق أكثر جاذبية.

موسى: بالنسبة لنا، فإن هذا سيخلق مشكلة تباين سكاني هائلة.

شانتا: لا، أنتم لديكم مشكلة تباين سكاني هائلة الآن.

موسى: حسنا، فإنها ستزداد سوءا.

شانتا: لا. بل سيؤدي ذلك إلى تخفيفها. إن ذلك يعمل على تعادل الأوضاع.

موسى:  لهؤلاء الناس الحق في الحصول على وظائف حيث هم وتوليد اقتصاد من مواردهم هم ومن أراضيهم.

شانتا: فكر في تاريخ كل بلد أصبح متقدما. هذا هو العامل العالمي الوحيد: الناس ينتقلون من مناطق أقل إنتاجية إلى مناطق أكثر إنتاجية.

موسى: لا شك في ذلك، لكن يمكن أن نخلق محركا للنمو في الجنوب، إحدى المدن يمكن أن تصبح محركا للنمو.

شانتا: شكراً جزيلاً. أعتقد أنه بوسعنا الاتفاق على أننا نريد النجاح للأردن. 

موسى: بكل تأكيد، لقد أسعدني الحوار معك.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000