نشر في أصوات عربية

الوقت ثمين خاصة في شوارع القاهرة

الصفحة متوفرة باللغة:
 Om Prakash Agarwal عندما أخبرت أصدقائي وزملائي أن مقر عملي الجديد سيكون في القاهرة، أشار جميعهم تقريبا إلى الازدحام الفظيع في هذه المدينة، وإلى الوقت الطويل الذي سأضيّعه عالقاً في الشوارع بسبب الزحام المروري. فإلى أي مدى كانوا مصيبين في ذلك: فيما يتعلق بالمرور، تُعد القاهرة إحدى أكثر المدن ازدحاما في العالم. وبالطبع، يعرف سكان هذه المدينة أن الازدحام هو أحد أكبر المشكلات التي تواجهها. لكن الشيء الذي قد لا يعرفونه هو كم يكلفهم هذا الازدحام بالضبط.

يتم إهدار حوالي 8 مليارات دولار سنويا في منطقة القاهرة الكبرى بسبب المرور، مع توقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 18 مليار دولار بحلول عام 2030. وقد يصعب فهم دلالة هذا الرقم، لكن لتصور ذلك يجب معرفة أنه يمثل أكثر من ثلاثة في المائة من إجمالي الناتج المحلي لمصر. وبعبارة أخرى، يُعد الازدحام المروري في القاهرة سيئا لدرجة أنه بات يشكّل عبئا على الاقتصاد الوطني. 

وإذا كنت ترى أن التكلفة التي تتكبدها مدينة القاهرة لا تختلف كثيرا عن تلك التي تتكبدها أي مدينة كبيرة أخرى بسبب الازدحام المروري، فعليك إعادة النظر في ذلك. فالمدن الأخرى تعانى الازدحام، لكن تأثيره على الاقتصاد الوطني للبلاد ليس بتلك الخطورة. ففي مدينة نيويورك المعروفة أيضا بسوء حركتها المرورية، لا تشكّل الأموال التي يتم إهدارها بسبب الازدحام سوى 0.07% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة. وبالتالي، فإن الوضع في القاهرة مرعب بشكل خاص. 

كم تبلغ التكلفة التي يتحملّها القاهري العادي بسبب المرور؟ حوالي 2400 جنيه مصري (ما يعادل 335 دولارا) سنويا. ويمثل معظم هذا المبلغ الوقت الذي تتم خسارته بسبب التكدس المروري، مع التذكرة بأن "الوقت له ثمن". 

ونحن في البنك الدولي ملتزمون بتخفيف حدة مشكلة المرور في القاهرة وآثارها السلبية، ولذلك قدمنا المساندة للحكومة المصرية في إعداد دراسة مفصّلة عن الازدحام المروري لمعالجة هذه المشكلة. وتعرض هذه الدراسة، التي تُعد الأولى من نوعها لمدينة القاهرة، قائمة شاملة تضم أكثر من 50 إجراء تتعلق بالسياسات والاستثمارات التي يمكن اعتمادها. ويمكن اختصار هذه الإجراءات إلى أربعة مجالات مهمة:

- تحسين إدارة حركة المرور: سواء بوضع إشارات مرور عند التقاطعات أو تحسين الأرصفة والمعابر أو توفير مواقف للأتوبيسات، تُعد إجراءات إدارة حركة المرور سهلة التنفيذ ويمكن الاستفادة منها كحل قصير الأجل.

- تمكين صانعي القرار من اتخاذ إجراءات لمعالجة المشكلة: يُعتبر إنشاء جهاز تنظيم النقل بالقاهرة الكبرى الذي تم مؤخرا خطوة في الاتجاه الصحيح عندما يتعلق الأمر بإدارة النقل الحضري في المدينة، لكن يجب أن توفر له المستويات العليا في الحكومة الموارد والدعم ليقوم بمعالجة مشكلة الازدحام المستعصية في القاهرة.

- وضع استراتيجية لرسوم وسائل النقل: بوضع رؤية إستراتيجية لرسوم المرور والنقل، يمكن قطع شوط طويل نحو تخفيف حدة الازدحام في القاهرة. فمن شأن تطبيق وتنفيذ نظام لإيقاف السيارات في الشوارع وتقديم حوافز مالية لاستخدام وسائل النقل العام أن يشجّع على التحول من استخدام السيارات الخاصة إلى استخدام وسائل النقل العام. ويجب أن تضمن هذه الخطة وضع احتياجات المتنقلين بين سكنهم وعملهم كل يوم في محور الاهتمام دائماً.

- وسائل النقل العام هي الحل طويل الأجل: على الرغم من إمكانية تحقيق نتائج جيدة على المدى القصير من خلال إدارة حركة المرور وتحديد الأسعار، فإن الحل الطويل الأجل لمشكلات المرور في القاهرة هو تطوير وسائل النقل العام بحيث يمكن الاعتماد عليها. وبالنظر إلى ارتفاع معدل الطلب، يجب أن تركز الحلول على شبكات النقل الجماعي مثل النقل السريع بالأتوبيسات والترام، وليس مجرد إدخال خدمة أكثر انتظاما للنقل بالأتوبيسات. وتُعد الاستثمارات في شبكات النقل العام الجماعي ضخمة، لكن التجارب في مختلف أرجاء العالم تُبين أن المنافع الاقتصادية تفوق بكثير تكلفة هذه الاستثمارات.

إن البنك الدولي ملتزم بالعمل على الحد من الفقر وتعزيز الرخاء المشترك في مصر. وفي القاهرة، يعني ذلك التصدي لارتفاع تكلفة الازدحام بحلول تستهدف خفض الوقت الذي تستغرقه في السير على الطريق.

بقلم

هارتفيج شافر

المدير القطري المسؤول عن مصر واليمن وجيبوتي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000