نشر في أصوات عربية

الطرق الحضرية مشاريع لبناء المجتمعات المحلية في غزة

الصفحة متوفرة باللغة:

في صبيحة يوم خميس شديد البرودة في شهر يناير/كانون الثاني في وسط مدينة خان يونس بقطاع غزة، كان في استقبال مجموعتنا الزائرة من شركاء التنمية والمعنيين من موظفي الهيئة المناظرة بقطاع غزة أعيان الأحياء، وموظفو البلدية، والمقاول، وأطفال الحي - وكانوا جميعا متحمسين لإطلاعنا على الجزء الذي اكتمل بناؤه حديثا من أحد الطرق. يشبه هذا الطريق، وهو عبارة عن شارع حضري أحادي الاتجاه من حارتين، ممرا مزدحما، وهو مشهد شائع في الكثير من المدن. إنه بلا شك طريق يستوفي العناصر النموذجية للتصميم الحضري: رصيف واسع من البلاط الخرساني المتداخل (وهي تكنولوجيا مستدامة تتيح للأرض امتصاص مياه الأمطار بسهولة)، وعلى جانبيه تصطف أشجار سريعة النمو (تحميها شبكات أسلاك معدنية)، ويزدان الطريق بعلامات إرشادية لاتجاه السير وخطوط فاصلة وأعمدة إنارة جديدة وبلاعات صرف، إلخ. 

ولكن نظرة سكان الحي إلى الطريق ومشروع الطريق- وهو استثمار صغير قدره نحو 140 ألف دولار فقط- تمنح المرء انطباعا مختلفا عن الطرق الحضرية، لاسيما في منطقة تعاني من الهشاشة والصراع والعنف. فمن منظور السكان المحليين، يؤدي هذا المشروع الغرض منه في مجال الانتقال -وهو تيسير تدفق حركة المرور للمركبات والمشاة على السواء، وهو يساعد أيضا على تحسين ظروفهم المعيشية. فعلى جوانبه، يساعد الطريق على تحسين صرف المياه (وتفادي السيول في الموسم المطير). والأهم من ذلك، أن السكان يشعرون أن الطريق لم شملهم وقرَّب بينهم. لقد بات المجتمع أكثر تماسكا نتيجة لمشاركته في المشاورات العديدة التي جرت بشأن التصميم، مما أدى على سبيل المثال لا الحصر إلى حل مشكلات حق الطريق الطفيفة (مثل إزالة الإشغالات المؤقتة أو شبه الدائمة على امتداد الأرصفة)، وإدارة الحركة في الشارع أثناء أعمال البناء، ومساهمة المجتمع المحلي في إتمام تجهيزات إنارة الشارع. ويفخر أبناء الأحياء المعنية الآن بما يرون أنه شارع طرأت عليه تحسينات هائلة، تتيح فيه أرصفة المشاة ملعبا مرتجلا للأطفال، ويتخذه بعض السكان "امتدادا لغرفة المعيشة" حيث يستغلون المساحة الواسعة للرصيف ويأتون بكراسي يجلسون عليها يتناقشون ويتبادلون في مودة أطراف الحديث في شؤونهم المحلية. وقال لنا الأطفال بابتهاج إنهم يساعدون في الحفاظ على نظافة الشارع. وأفاد أصحاب المتاجر بأن حركة التجارة انتعشت أيضا إذ يأتي إليهم المزيد من الزبائن وقد تشجَّعوا بفضل تحسُّن إمكانية الوصول إلى المنطقة. 

إن قصة خان يونس نسخة مكررة تقريبا من الملاحظات التي تمخضت عنها الزيارة التي قمنا بها في وقت سابق من ذلك اليوم لمشروع "طريق مصغر" آخر في مدينة غزة. كانت تعبيرات الشكر والتقدير غامرة على هذا المشروع المقترح لتحسين الشوارع الذي لا يزال في المراحل النهائية للموافقة على تمويله. واصطحبنا أكثر من 20 من أعيان الحي والسكان إلى قاعة صغيرة تحدث فيها مضيفونا عن مبلغ أهمية المشروع للمجتمع المحلي. إنهم يعتبرون أنفسهم مقيمين في منطقة "مهمشة". وقد مهَّد مشروع تطوير البلديات الذي يسانده العديد من المانحين الطريق أمام موارد المدينة لتصل إلى منطقتهم. 

لماذا يكتسب هذا المشروع الفرعي أهمية بالغة؟ إنه سيكون تتويجا لعملية طويلة من الحوار فيما بين أصحاب المنازل، بين المجتمع المحلي وسلطات البلدية بشأن آثار الطريق على المنازل التي تأثرت بحق الطريق (الحق في المرور في طريق مُعيَّن 

عبر ملكية تخص شخصا آخر). يجدر ملاحظة أن مدينة غزة تُعد واحدة من أشد المدن اكتظاظا بالسكان في العالم (10475 نسمة في الكيلومتر المربع) وهو ما يجعل الأرض فيها باهظة الثمن. وتسعى المدينة جاهدةً أيضا لتوفير الخدمات في ظل الصعوبات المالية المستمرة التي تواجهها غزة بوجه عام. وتُشكِّل التعويضات المباشرة عن الأرض والممتلكات في البنية التحتية للبلدية تحديا جسيما. 

لكن السكان المتأثرين يرون أن منافع مشروع تحسين الطريق أكبر من ضرره - فالأطفال لن يضطروا إلى الذهاب إلى المدرسة عبر شارع موحل غير مأمون، وتدفق مياه الأمطار التي تؤثر على الكثير من الأسر في أشهر الشتاء (لمدة 3 أشهر في السنة في المتوسط) ستقل إن لم تختف تماما، ومن المتوقع أن ترتفع قِيَم الأراضي. ولذلك، يشعر السكان بسعادة كبيرة أن يقوموا بدعم مادي من وحدة الحكم المحلي بإزالة السياجات التي تنتهك حرمة الرصيف أو حتى مسار المركبات. وبالنسبة لمنزل تأثَّرت واجهته بمقدار مترين تقريبا، وافق المالك على إزالة الجزء المتعدي من المنزل مع تلقي حزمة تعويضات لدفع تكاليف بناء غرفة إضافية في المنزل. ومقابل إزالة الجدران والسياجات، تتضمن ترتيبات التعويضات للأسر المتضررة قيام وحدة الحكم المحلي بخصم متأخرات فواتير المرافق (الكهرباء والمياه) المستحقة على صاحب المنزل لوحدة الحكم المحلي، وكذلك تغطية مدفوعات هذه الفواتير في المستقبل إلى أن تتم تسوية التعويض المتفق عليه بالكامل. وقامت هيئة إدارة التنفيذ المسؤولة عن إنشاء الطريق بتوثيق العملية بعناية، ويراجع البنك الدولي بدقة تنفيذ خطة دفع التعويضات لهذا المشروع الفرعي. وفي الوقت نفسه، طُلِب من مجموعتنا الزائرة تسهيل الموافقة المبكرة على مشروع هذا الطريق الذي يعتبره المجتمع المحلي استثمارا ينطوي على آثار تحويلية على ظروفهم المعيشية. 

ومازالت مساندة البلديات في قطاع غزة مهمة حيوية بالنظر إلى الوضع الأمني والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في القطاع. لكن الاستثمارات في البنية التحتية المحلية مع أنها قد تكون صغيرة فإنها تحمل في طياتها آثارا هائلة، وتساعد على تخفيف الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الأحياء. وكما شهدنا في زيارتنا القصيرة لعدد من بلديات قطاع غزة، قد تكون لتحسين الطرق آثار هائلة على المجتمعات المحلية.


بقلم

كريس بابلو

خبير أول بشؤون التنمية الحضرية، الضفة الغربية وقطاع غزة

دانة المُبيض

محللة برامج - الضفة الغربية وقطاع غزة

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000