نشر هذا المقال على موقع "المملكة."
لجائحة كورونا أثرها الذي لا تخطئه العين في السرعة التي تتغير بها طبيعة العمل، عالمه ومكانه، لا سيما بالنسبة للنساء. وفي الأردن، وحيث ينخفض معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة بالفعل، يعد النهوض بدور المرأة كعامل اقتصادي ركيزةَ أساسية لنجاح أجندة الإصلاح في البلاد ومحركاً رئيسياً لمملكة أقوى وأشمل وأكثر استدامة فيما بعد جائحة كورونا (كوفيد-19).
كانت مشاركة المرأة في القوى العاملة الأردنية منخفضة بالفعل قبل تفشي الجائحة. ووفقاً للإحصاءات الوطنية، كانت 15% فقط من النساء ناشطات في القوى العاملة، في حين كان ربع النساء اللائي يعملن بالفعل في سوق العمل عاطلات عن العمل. وتتركز العاملات في القطاع العام، الذي يستوعب أكثر من ثلثي عمالة النساء. أما بالنسبة للمناصب القيادية والإدارية، فلم تعد الإحصائيات واعدة بالنسبة للمرأة حيث لا تتعدى الشركات التي تقودها إحدى كبار المديرين نسبة 3%، ولا تتعدى الشركات المملوكة لأغلبية من النساء نسبة 8% فقط من الشركات. ويتفاقم هذا الوضع غير المتكافئ بسبب انخفاض معدلات وصول المرأة إلى الخدمات المصرفية والمالية (مقارنة بالرجال) وكذلك بسبب الأعراف الاجتماعية السائدة. ووفقاً لدراسة أجراها البنك الدولي عام 2017، فإن 60% من الأردنيات يرغبن في العمل لكنهن لا يعملن، لأن تطلعاتهن الوظيفية لا تتوافق مع توقعات أزواجهن أو آبائهن. ويعد الافتقار إلى خدمات رعاية الأطفال وغياب وسائل النقل الآمنة والموثوقة أيضاً من الحواجز الرئيسية التي تقف حائلاً أمام مشاركة المرأة في القوى العاملة الأردنية.
أدت جائحة كورونا إلى تعميق العديد من المساويء التي تعانيها الأردنيات. ومن المرجح أن تفقد النساء في الأردن وظائفهن مقارنة بالرجال، في حين أن أولئك اللائي يعملن في القطاع الخاص هن أقل عرضة للبقاء في العمل. من المرجح أيضاً أن يخرج عدد أكبر من النساء من سوق العمل بشكل دائم من خلال تحمل المزيد من المسؤوليات في المنزل وأداء أعمال الرعاية والأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر. والجدير بالذكر أن جائحة كورونا أدت إلى زيادة معدل البطالة الكلي في الأردن ليصل إلى 24.8%. وقد بلغ معدل البطالة بين الشباب (ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاماً) نسبة غير مسبوقة لتبلغ 50%؛ بينما صارت ثلاث من كل أربع شابات عاطلات عن العمل بسبب هذه الجائحة.
يتطلب بناء الأردن القادر على الصمود في مرحلة ما بعد الجائحة اتخاذَ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه التفاوتات والعوائق المستمرة أمام مشاركة المرأة في القوى العاملة. إن تحديد حوافز جانب العرض وحوافز جانب الطلب ومعالجتها بغرض جذب واستبقاء المزيد من النساء في وظائف القطاع الخاص - حيث يحدث معظم النمو – يُعد أمراً بالغ الأهمية، وكذلك تعزيز الفرص المتاحة للمرأة الأردنية في المناطق الريفية لدفعها للانخراط في أنشطة اقتصادية مدرة للدخل. ولدى فرص العمل في الاقتصاد الرقمي واقتصاد الوظائف المؤقتة القدرةُ على تعزيز النشاط الاقتصادي للمرأة عبر مختلف القطاعات والمهن. ونظراً لأن العديد من النساء في الأردن متعلمات تعليماً عالياً، ويسعين للحصول على درجات علمية راقية بمعدلات أعلى من الرجال، فإنهن في وضع جيد للاستفادة من الطلب المتزايد على العمالة الماهرة.
يعد كسر الحواجز القانونية التي تقف عائقاً أمام حقوق المرأة أمراً ضرورياً أيضاً لتعزيز دورها في عملية التعافي من جائحة كورونا. وفي حين يُعد الأردن من أفضل البلدان التي طبقت الإصلاحات الاقتصادية في تقرير البنك الدولي الأخير الذي يقيس القوانين واللوائح التي تؤثر على إتاحة الفرص الاقتصادية للمرأة، لا يزال هنالك الكثير من الإمكانات لإجراء تحسينات في الإصلاحات القانونية وضمان التنفيذ القوي للإطار القانوني الحالي. وبينما تسمح قوانين العمل الأردنية بالمرونة وترتيبات العمل عن بعد أو بدوام جزئي، إلا أنها تحتاج إلى التنفيذ بشكل أفضل في الممارسة العملية من خلال تخفيف العبء غير المتكافئ لرعاية الأطفال الواقع على النساء فيما بعد الجائحة. ويشكل هذا العبء تحدياً كبيراً أمام دخول المرأة إلى سوق العمل في الأردن والاحتفاظ بوظائفهن؛ ووفقًا لدراسة أجرتها الأمم المتحدة، تقضي النساء في الأردن وقتاً أطول من الرجال في العمل غير مدفوع الأجر بمقدار 17 ضعفاً مقارنة بـ 3.2 ضعفاً، كمتوسط عالمي. ويُعد تعزيز إلزام قانون العمل لأصحاب العمل بتقديم دعم خاص برعاية الأطفال لعمالهم أمراً ضرورياً ويمكن تحقيقه من خلال الاستثمار في التمويل العام وتسهيل الاستثمارات الخاصة لضمان مستوى جودة أفضل وأوسع لخدمات رعاية الأطفال، وإمكانية الحصول عليها، والقدرة على تحمل تكاليفها. وهناك حاجة أيضاً إلى اختراق قانوني يمكن من التصدي لقضية التحرش الجنسي في مكان العمل.
إن "البناء من أجل مستقبل أفضل" في الأردن يعني تذليل العقبات التي تحول دون مشاركة المرأة في القوى العاملة والاعتراف بالنساء كمساهمات يقفن على قدم المساواة مع الرجال في تحقيق النمو والرفاهية لأسرهن ومجتمعاتهن وبلدهن. وقد خطت الحكومة الأردنية خطوات كبيرة في تعزيز المساواة بين الجنسين والتمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة، بما في ذلك من خلال الإستراتيجية الوطنية للمرأة للأعوام 2020-2025. لكن هنالك حاجة إلى نهج منسق يشمل الحكومة بأكملها، يدعمه شركاء عبر المجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمع التنمية الدولي لخلق بيئة مواتية للمرأة لتزدهر وتساهم في اقتصاد ما بعد جائحة كورونا. إن الأمم المتحدة ومجموعة البنك الدولي، بما في ذلك من خلال برنامج تمكين المرأة في المشرق، على استعداد دائم لدعم الأردن حكومة وشعباً في هذا المسعى المحمود.
انضم إلى النقاش