حتى وقت قريب، كان هشام قاسم الذي يُعد واحداً من أبرز الناشرين ودعاة الديمقراطية في مصر، هو العضو المنتدب بمجلس إدارة صحيفة المصري اليوم، الصحيفة اليومية الوحيدة المستقلة في مصر. وهو أيضاً نائب سابق لرئيس حزب الغد الليبرالي، كما عمل رئيساً للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان. ويُعد السيد قاسم من أشد دعاة استقلال الصحافة، ويشدد على أهمية الشفافية في ملكية الصحف وتمويلها من أجل منع الفساد والنفوذ السياسي المستتر.
-----------------------------
بعد مرور أكثر من عامين على ثورة الشعب المصري التي انتفض خلالها الرجال والنساء من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية من أجل وضع حد لنظام حكم مبارك الذي دام 30 عاماً، رافعين شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، يجدر بنا أن نلقي نظرة على ما كانت تعنيه هذه الانتفاضة السياسية لمستقبل النساء في مصر.
فالبلد يمر بمرحلة استقطاب سياسي يتجلى أساساً في المواجهة الدائرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة وبين السلطة القضائية من الجهة الأخرى.فالمجلس التشريعي يحاول تمرير مشروع قانون وضعته السلطة التنفيذية لتعديل قانون السلطة القضائية بدعوى أنها سلطة فاسدة تتصف بالمحاباة صارت أميل لأن تكون عصبة غير خاضعة للمحاسبة منها لقضاء نزيه يتصف بالشفافية.وعلى الجانب الآخر يقاتل القضاء بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على الوضع القائم ويتهم السلطتين التشريعية والتنفيذية بمحاولة تمرير مشروع قانون من شأنه أن يؤدي إلى تسييس القضاء وإخضاعه للسلطة التنفيذية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى القضاء على جوهر فكرة الأصول الإجرائية والعدالة على مستوى الدولة كلها.
وإذا ما نحينا هذه الاتهامات والادعاءات جانباً، وجدنا أنه تم تهميش المرأة بشدة على جانبي المعركة السياسية الدائرة في مصر.فعلى مستوى السلطة التنفيذية نجد أن مجلس الوزراء المؤلف من 36 عضواً لا يضم سوى اثنتين فقط من النساء، وهو ما يجعل نسبة تمثيلهن أقل من 7 في المائة.والأمر في مجلس الشورى، وهو المجلس التشريعي الحالي، ليس أفضل حالاً.فعندما عُرضت القضية المثيرة للقلق والمتمثلة في تعرض النساء للتحرش في الشارع المصري للنقاش في لجنة حقوق الإنسان بالمجلس ذهب بعض الأعضاء إلى حد القول إنه يتعين على النساء أن يمتنعن عن ارتداء ملابس معينة في العلن وأن يتجنبن مشاركة الرجال في المظاهرات السياسية، ملمحين بذلك إلى أن تقاربهن الجسدي مع الرجال يمكن أن يغريهم بمثل هذا السلوك. وتخلو كافة مشاريع القوانين التي قُدمت حتى الآن بشأن التمثيل السياسي والمشاركة من أي ذكر لفكرة تعزيز دور المرأة في العمل السياسي.
وعلى الجانب الآخر يظل القضاء على إصراره الشديد على أن يظل ناديا لا مكان فيه إلا للرجال.فلا يكاد يكون هناك أي تمثيل للمرأة في صفوف القضاء، والتعديلات التشريعية التي يقترحها نادي القضاة أو المجلس الأعلى للقضاء لا تتضمن تخصيص أي حصة للنساء أو حتى كفالة المساواة في فرص انضمام المرأة لصفوف القضاء.
وما يجمع بين السلطتين المتصارعتين على فرض مستقبل مصر السياسي هو أن كلاً منهما تحركه اعتبارات إيديولوجية، وإنما تقتصر المعركة بينهما على الحفاظ على التقاليد السائدة سواء كان الدافع وراء ذلك دينياً أم مجرد الحفاظ على الوضع القائم. ولا تنظر أي من السلطتين إلى مؤشرات التنمية البشرية، ويبدو كل منهما غافلا تماماً عن المطالب المتعلقة بمستقبل أفضل يعكس ما طالبت به الثورة.
وعلى جبهة أخرى لا يقل دورها أهميةً في المعركة على صنع مستقبل مصر تقف السلطة الرابعة: الإعلام.فبدافع تقييم الأداء والمنافسة، علاوة على الاضطرار للانقياد لبحوث السوق ومؤشرات القياس والتواصل مع المشاهدين بشكل يومي، نرى هنا نمطاً مختلفاً في طور النشوء.فبعض أبرز الأطراف الإعلامية الفاعلة من النساء، سواء كان ذلك في مجال الصحافة الإذاعية والتليفزيونية أم الصحافة المقروءة. وتُعد المشاركة المتنامية للنساء في مجال الإعلام مؤشراً على أنه ما إن تتحرر سلطة أو قطاع ما من ضغوط القناعات الإيديولوجية والاعتبارات التقليدية فإن الحاجة إلى مشاركة المرأة تصبح أكثر وضوحاً.
وسرعان ما سيجد اللاعبون السياسيون وصناع السياسات في مصر، فور اصطدامهم بأرض الواقع الديمقراطي حيث المنافسة هي أساس التقدم، أنفسهم في مواجهة السؤال الصعب: هل يمكن بناء مصر التي تلبي تطلعات الثورة بتنحية نصف المجتمع بمواهبه وإمكانياته جانباً؟ وهل مشاركة المرأة لم تعد مجرد مسألة حقوق إنسان بل مسألة مستقبل أفضل للأمة ككل؟.
انضم إلى النقاش