نشر في أصوات عربية

العمل في بلدان هشة كاليمن من أجل أكثر من صيد السلمون فقط

الصفحة متوفرة باللغة:
قبل بضعة أيام، كنت استقل سيارة في طريقي إلى لقاء وزير التخطيط والتعاون الدولي في اليمن. على مسافة لا تبعد أكثر من 500 متر، انفجرت سيارة مفخخة مستهدفة وزير الدفاع. نجا الوزير، إلا أن 12 شخصا لقوا مصرعهم فيما أصيب كثيرون آخرون.

Smilieبعد يومين، كنت أعتزم الذهاب إلى حفلة في السفارة الأمريكية.مرة أخرى، حالفني الحظ.كان من المقرر إقامة الحفل الساعة الثانية بعد الظهر، لكن متظاهرين اقتحموا السفارة الساعة قبل ذلك بثلاث ساعات مما أدى بالطبع إلى إلغاء الحفل.

هذه فقط مجرد أمثلة لما نواجهه في بلد هش يعاني من الصراعات. هي بالطبع أحداث كبيرة وجسيمة لا تقع كثيرا (على الأقل ليس في صنعاء)، لكنها حينما تقع تذكرنا بالمناخ الذي نعمل فيه.

 

أعادت مجموعة البنك الدولي فتح مكتبها المؤقت في فندق موفنبيك في يناير/كانون الثاني 2012 بعد توقيع اتفاق بين الحزب الحاكم والمعارضة توسطت فيه دول مجلس التعاون الخليجي. يضم المكتب بالإضافة إلى نحو 30 موظفا يمنيا، ثلاثة موظفين دوليين يتخذون من صنعاء مقرا لهم في الوقت الراهن. ويضم الموظفون الدوليون شخصي، بصفتي المدير القطري لمكتب البنك الدولي باليمن، ورئيس مكتب مؤسسة التمويل الدولية ومستشارنا الأمني. وكان البنك قد أقفل مكتبه القديم وتم إخلاء موظفيه ومن ثم نُقلوا إلى عمان في مارس/آذار 2011 في ذروة الاضطرابات الأهلية والصراع العسكري/القبلي. ومنذ يناير/كانون الثاني 2012، عشنا في فندق موفنبيك وعملنا منه.حركتنا مقيدة، كما أننا نحد من تنقلاتنا لتقتصر على المهام الأساسية فقط.

أمام كل هذه القيود، أعدنا فتح البرنامج، ورفعنا الحظر المفروض على صرف الأموال، وساعدنا الحكومة على إجراء تقييم اجتماعي واقتصادي واسع النطاق لما بعد الأزمة. كما نظم البنك مؤتمرا للمانحين شارك أيضا برئاسته في الرياض حيث تلقى اليمن وعودا بنحو 6.4 مليار دولار.وفي أواخر سبتمبر/أيلول، أضيف مبلغ 1.5 مليار دولار في نيويورك لتصل جملة الوعود إلى حوالي 8 مليارات دولار، أي ما يكفي لمساندة عملية التحول السياسي وإعادة الإعمار على مدى السنوات الثلاث القادمة. قمنا أيضا بقيادة أعمال التحضير لوضع إطار للمساءلة المتبادلة، وهي وثيقة فريدة توضح مسؤوليات كل من الحكومة، في المضي قدما بالإصلاحات التي تلبي مطالب الثورة، والمانحين في دعم هذه الإصلاحات من خلال الوفاء بوعودهم في موعدها.

أنا أمضي الكثير من الوقت مع زملائي الدوليين نظرا لأن عائلاتنا لم تتنتقل معنا إلى اليمن.وفي إحدى الليالي، وخلال تناولنا العشاء في الفندق، وهو المكان الوحيد الذي نتناول فيه العشاء على الإطلاق- دخلنا في نقاش حول أهم الأشياء التي افتقدناها.وفيما يلي قائمة للعشر الأوائل من هذه الأشياء:

1.      عدم اصطحاب الأطفال إلى مباراة رياضية

2.      عدم الذهاب إلى المطاعم/المقاهي

3.      عدم السير في الشوارع، ليلا أو نهارا

4.      عدم لقاء الأصدقاء لتناول القهوة نهاية الأسبوع

5.      عدم التريض بالدراجة/أو الجري يوم العطاة

6.      عدم الذهاب إلى السينما/المسرح

7.      عدم القيام بزيارات طارئة ليلا إلى المتجر لشراء بعض الحلويات أو البوظة

8.      عدم القيام بنزهة أو رحلة نهارية

9.      عدم وجود شقيق أو صديق تحضره من المطار لأنه قادم في زيارة لك لعدة أيام

10.  عدم وجود صيد لأسماك السلمون في اليمن

مامن شك أن العيش في بلد هش يعاني من الصراعات يمكن أن يكون صعبا للغاية، لكنني بالفعل أشعر بأن هذا هو الجانب الأكثر أهمية في مشواري المهني. ففي النهاية، هذه الصعوبات التي نواجهها لا تذكر مقارنة بالعديد من التحديات التي ينبغي أن يتغلب عليها اليمنيون يوميا لمجرد إطعام ذويهم. وينبغي أن يأتي هذا حتى قبل النظر في مهمة بناء مجتمع أكثر عدلا واشتمالا. أمامنا فرصة للمساعدة في تلبية الاحتياجات الفورية الملحة، وتهيئة الظروف التي تتيح لعملية التحول أفضل فرصة للنجاح. وهذه ميزة هائلة، ونحن ملتزمون بفعل كل ما بوسعنا لاستثمار هذه الفرصة إلى أقصى حد.

ونحن نبذل كل الجهود للتأكد من أن العمل الذي نقوم به، والأثر الذي نحققه على أرض الواقع، يصل إلى كل أسرة وكل منزل. وفي الوقت الحالي، تساعد برامجنا على تشغيل مئات الآلاف من اليمنيين، وتطعيم الآلاف من الأطفال، وتعليم ملايين الأولاد والفتيات، وتوفير الخدمات الأساسية للملايين، كالمياه النظيفة. كما نعمل مع الحكومة لإرساء أساس صلب لإصلاح السياسات الضرورية من أجل وضع الاقتصاد على المسار الصحيح نحو التعافي.كما يلعب البنك دورا مهما في قيادة المجتمع الدولي، وتنسيق المساندة الدولية، وتحقيق توافق في الآراء على القرارات المهمة.

يدرك الجميع في اليمن الآن أن نجاح العملية السياسية سيتوقف على تحقيق تقدم على صعيد التعافي الاقتصادي الذي يحسن حياة المواطنين مباشرة. فإلى جانب بناء المدارس والمستشفيات والطرق، نرسي ركائز السلام والاستقرار.وسيضمن ذلك مستقبلا أفضل، ليس فقط للشعب اليمني، بل أيضا للمنطقة والعالم.

وعندما أنظر في أسباب وجودنا هنا، وما أنجزناه، فإنني بصدق لا أشعر بالشوق إلى الآيس كريم إلى هذا الحد.


بقلم

وائل زقوت

مدير مجموعة الممارسات العالمية المعنية بسياسة الأراضي والفروق المكانية

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000