تحويل حراك العمالة إلى مكسب للجميع
لعله من الملاحظ أن عملية الحصول على تعليم أفضل و البحث عن وظائف أعلى أجرا قد أخذتنا بعيداً عن الأوطان. وبعيدا عن تجاربنا الشخصية، فقد أثبتنا في البنك الدولي المزايا الناجمة عن تيسير حركة العمالة، وبالتالي فقد قمنا بوضع ما نقوله موضع التنفيذ. وبلغة الاقتصاديين المتخصصة فإننا نريد عبر تحسين "تخصيص الموارد"، و"التوفيق بين العرض والطلب"، أو "الاستجابة للقوى الاقتصادية والديموغرافية"، أن نثبت أن حركة العمالة يمكن أن تكون أداة مثمرة في تعميم الرخاء، وتخفيف آثار البطالة، وتعزيز الاستثمار في بناء رأس المال البشري.
لكن على الرغم من موقفنا المؤيد لحركة العمالة، ولكنها تظل ترفاً تتمتع به القلة، وحلماً بعيداً يراود الغالبية - الذين يقدم بعضهم على طَرق دروب خطيرة من أجل الانتقال. لم تكن الحاجة إلى التعاون الثنائي لخلق مسالك مربحة وآمنة وقانونية لحركة العمالة أعظم مما هي عليه اليوم.
البنك الدولي يبني الجسور لإتاحة الوصول إلى فرص العمل في الخارج
المشروع الذي اقترحه عام 2015 عدد من المفكرين غير التقليديين من ألمانيا والمغرب والبنك الدولي ومركز التكامل المتوسطي، بدأ كحلم بعيد المنال. ولكنه سرعان ما أصبح واقعاً عندما بدأ العرض يلبي الطلب.
بدأ المشروع عندما شارك البنك الدولي ومركز التكامل المتوسطي في نقاش لتيسير وضع ترتيبات ثنائية بين حكومتي المغرب وألمانيا. يقضي الاتفاق بدعم الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بالمغرب للقيام بالوساطة في سوق العمالة من خلال استعراض وتدريب الشباب المغربي الذين يتمتعون بالقدرة على التقدم للوظائف في ألمانيا. وبالتوازي، كانت المناقشات تمضي باستمرار للتواصل مع النظراء الألمان، وبالتحديد وكالة التوظيف الفيدرالية والوكالة الألمانية للمعونة لتحديد جهات العمل التي تعاني نقصاً في العمالة. وقد تم اختيار السياحة كأحد القطاعات التي تتمتع بأعلى قدرة على التوظيف. وهنا تم التوفيق بين الطرفين.
وقد تحددت مجموعة تضم 100 شاب مغربي للعمل في قطاع السياحة، ويمكنهم التأهل للعمل في الخارج. تضمن الاتفاق تدريبا أساسيا أوليا للمرشحين الذين وقع عليهم الاختيار، ومنها دورات لتعليم اللغة، قبل إلحاقهم بمكان ملائم للتدريب في ألمانيا ليتسنى لهم بناء مهاراتهم.
وسواء نجحت التجربة أو فشلت، فإن الغاية هي أن كلا الطرفين سيستخلصان منها دروسا مهمة. الجانب المثير في هذه التجربة هي أن الإحجام من كلا الجانبين إزاء جدوى "التوافق" سرعان ما يتلاشى مع نشوة الإقدام على تجريب شيء مبتكر تماما والتصدي للحاجة من كلا الجانبين.
بعض المستفيدين من البرنامج الذين مروا بمكتبي قبل التوجه إلى ألمانيا لبدء فصل جديد في مسيرتهم المهنية. أبدى الشابان الرغبة في أن يعملا في الطهي بينما طمحت الفتاة إلى العمل كمديرة فندقية.
وبعد عام، يسعدني أن أعلن أن التجربة كانت جيدة – فقد أبلى الشباب المغاربة المائة بلاء حسنا في العمل، ومازالوا يواظبون على التدريب وأصبحوا موظفين محترمين في 48 مؤسسة تم تعيينهم فيها. ومع انتشار خبر هذا البرنامج الصغير، يبدو أن هناك جهات عمل جديدة مهتمة بالتواصل مع المغرب لتكوين شراكات تربط التدريب بالعمل والانتقال الدولي معا. مثل هذه الخطوة الصغيرة أحدثت تغييرات ثورية في أذهان المعنيين جميعا: والآن، تفهم الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بالمغرب بشكل أفضل المطلوب للوصول إلى سوق العمل الدولي من أجل الساعين لديها عن وظائف. في الواقع، يحتاج الأمر إلى الاضطلاع بدور أكثر نشاطا في الوساطة وتوفير التدريب لأسواق العمل الخارجية التي تشهد نمواً سريعاً، سواء في قطاعات السياحة، أو تكنولوجيا المعلومات أو الرعاية الصحية.
بات المعنيون الألمان يفهمون بشكل أفضل الحاجة إلى توحيد الإجراءات البيروقراطية والتنظيمية للمساعدة في التوظيف السلس من المغرب ودعم الاندماج للقادمين الجدد في سوق العمل الألماني والمجتمع بأسره.
لكن الأهم، هو أن هناك الثقة تزداد يوماً بعد يوم. وقد بدأ أرباب العمل يثقون في أن المؤسسات المغربية تعمل على تزويد قوتها العاملة بالبرامج والمهارات الفنية من أجل النظر في ترشيحهم لوظائف دائمة في سوق العمل الدولية. والأكثر قيمة على الإطلاق هو الثقة التي يبنيها الشباب المغاربة في أنفسهم والتي منحتهم التقدم في مسيرتهم وساعدتهم في بناء خبرتهم وأعطتهم الثقة في أنهم بالفعل جزء من قوة العمل الدولية. وقد مر هؤلاء الشباب باختبار الأهلية للعمل في قطاع تنافسي مع عمالة دولية حقيقية من بلدان مختلفة. وأصبحوا بالفعل عمالة قيمة وجديرة بالتوظيف إلى حد كبير.
خطواتنا التالية تتمثل في المساعدة في توسيع نطاق التجربة ومدها إلى قطاعات وبلدان أخرى وتقاسم المنافع على نطاق أوسع بالجمع بين جهات التدريب والمعنيين الآخرين.
انضم إلى النقاش