في 17 ديسمبر/كانون الأولى، حلت الذكرى الثالثة للصحوة العربية. في هذا التاريخ منذ ثلاث سنوات مضت أضرم محمد بوعزيزي النار في نفسه في مدينة سيدي بوزيد التونسية. والإعصار السياسي الذي اجتاح تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا معروف. أما الأمر الذي ما زال مجهولاً فهو تأثير الصحوة العربية على الشباب العربي. فهم كانوا القوة الضاربة خلف الثورة، خاصة في مصر وتونس. ومع هذا، فهم بعيدون كل البعد عن جني الثمار في البلدين على حد سواء.
في هذا المقال، سأستخدم البيانات عن البطالة بين الشباب ومشاركتهم في القوة العاملة لكي أظهر أن وضع الشباب في سوق العمل بمصر وتونس قد ازداد سوءاً بعد الصحوة العربية. ومن المدهش أن أداء كل من الأردن والمغرب الفقيرين في الموارد النفطية كان أفضل نسبياً رغم أنهما لم يشهدا صحوة عربية (مباشرة).
ولعل أغلبكم على حق في القول أن الحديث عن الشباب ككيان واحد هو إفراط في التبسيط. فالشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتباينون من حيث العرق والدين ومستوى التعليم والموقع الجغرافي والمهارات والهوية السياسية. ولكوني ولدت وكبرت في الغرب، رغم أن الدم العربي يجري في عروقي، فإنني عادة أول من يوجه هذا النقد إلى وسائل الإعلام الغربية والمحللين. ومع هذا، فإن أحد الدروس التي تعلمتها من الصحوة العربية هو أنه بغض النظر عن خلفية الشباب، فإنهم جميعاً يتوقون إلى الحصول على وظائف والعيش في ظروف اقتصادية أفضل. سأنحي الأوضاع السياسية جانباً في هذا المقال مع الإقرار بأن "العيش والحرية ينبغي أن يكونا صنوان لا ينفصمان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، مصداقا لقول مروان المعشر.
وكما يظهر الرسم البياني التالي، زادت معدلات البطالة بين الشباب في الفترة من 2010 إلى 2012* في كل من مصر وتونس. ففي مصر، زادت نسبة البطالة بين الشباب من 26.3 في المائة إلى 38.3 في المائة (+12 %). وفي تونس، ارتفعت نسبة البطالة بين الشباب من 29.4 في المائة إلى 42.4 في المائة (+13 %). في المقابل، ظلت نسبة البطالة بين الشباب في كل من الأردن والمغرب ثابتة نسبياً. وفي حين كانت معدلات البطالة بين الشباب في كل من مصر وتونس أقل من الأردن عام 2010، فإن الوضع بات معكوساً بعد سنتين.
في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2012، زادت نسبة البطالة في مصر بين الإناث عنها بين الذكور (الرسم البياني التالي). ففي عام 2010، كانت نسبة البطالة بين الإناث في مصر 54.6 في المائة مقابل 14.8 في المائة بين الذكور. أما في عام 2012، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى حوالي 70 في المائة (+14.8 %) بين الإناث وإلى25.5 في المائة بين الذكور (+ 10.7 %). كما زادت بشكل ملحوظ نسبة البطالة بين الشابات في تونس بعد الربيع العربي (من 27.8 % إلى 40 %). ولكن معدلات البطالة بين الذكور ارتفعت بنفس النسبة. في المقابل، زادت معدلات البطالة بين الإناث في الأردن والمغرب بنسب أقل بكثير أو بقيت مستقرة.
وظل معدل عدم المشاركة الاقتصادية، الذي يرصد نسبة الشباب المستبعدين من القوى العاملة، عند مستواه في كل من مصر وتونس بعد الصحوة العربية. ويبين ذلك أن نسبة الشباب خارج قوة العمل لم تتباين. على الجانب الآخر، انخفض معدل عدم المشاركة الاقتصادية بين الشباب في الأردن والمغرب بين عامي 2010 و 2012، ما يعني أن المزيد من الشباب انضم إلى قوة العمل خلال هذه الفترة. من المهم هنا ملاحظة أن مصر وتونس قد بدأتا من مستويات متدنية لبطالة الشباب، وإن ظلت مرتفعة للغاية بالنسبة للبلدان المتوسطة الدخل والشريحة العليا من هذه البلدان.
وكانت نسبة عدم المشاركة في قوة العمل في تلك الدول الأربع أعلى بين الفتيات. وظل نصيب الفتيات غير المشاركات في القوى العاملة دون تغير في مصر وتونس بعد الصحوة العربية. وكان المغرب هو البلد الوحيد الذي التحق فيه مزيد من الفتيات إلى القوى العاملة.
وثمة شيء ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار وهو أن النشاط الاقتصادي ليس مسؤولاً عن نسبة الشباب في التعليم أو التدريب. ولعل أفضل مؤشر على إقصاء الشباب من سوق العمل والتعليم هو مؤشر نسبة الشباب المحروم من العمل والتعليم والتدريب (NEET)، الذي يرصد نسبة الشباب المثبطين الذين لا يمكنهم العثور على وظيفة في سوق العمل وليس لديهم الفرصة أو الحافز على تحسين مهاراتهم من خلال التدريب والتعليم. هذه النسبة تزيد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن مثيلاتها في أي منطقة أخرى من العالم. ومع هذا، فليس هناك بيانات لهذا المؤشر متاحة على المستوى القطري.
وتظهر بيانات المؤسسة الأوروبية ETF لعام 2012 أن نسبة الشباب المحرومين من العمل والتعليم والتدريب في الفئة العمرية 15-24 عاما تقترب من 30 في المائة في مصر و25 في المائة في الأردن وتونس. وتزيد هذه النسبة بين الشباب الذين تصل أعمارهم إلى 29 عاما إلى حوالي 30 في المائة في الأردن وإلى أقل قليلا من 35 في المائة في تونس. وفي جميع البلدان، تزيد نسبة الشباب المحروم من العمل والتعليم والتدريب بين الفتيات كثيرا عن ذلك. وتبلغ الفروق بين الجنسين من الشباب المحروم من العمل والتعليم والتدريب أعلى مستوى لها في مصر وأدناه في تونس. ومع هذا، يحول انعدام البيانات لعام 2010 دون عقد مقارنة مع الوضع قبل الصحوة العربية.
ومن ثم، فإن البيانات تظهر أنه بعد الصحوة العربية، زاد عدد من فقدوا وظائفهم في مصر وتونس عن نظرائهم في الأردن والمغرب (مع اختلاف النسب). وينطبق هذا أيضا على الفتيات. وعلاوة على ذلك، انخفض عدد الشباب الذين التحقوا بالقوة العاملة في هذين البلدين.
ولا تشي البيانات السابقة واللاحقة بالكثير عن الأسباب. بل إن عرض البيانات عن البلدين اللذين لم يشهدا ثورات (أي الأردن والمغرب) مغاير للواقع الحقيقي. فثمة حاجة لتحليل أكثر قوة من أجل تحديد أسباب الديناميكيات المذكورة سلفا. كذلك، أود أن أحذر من القفز إلى أي نتائج تتعلق بالعلاقة السببية بين الصحوة العربية وأحوال الشباب التي تزداد سوءا في سوق العمل في مصر وتونس. ومن الضروري التزام الحذر عند المقارنة بين هذين البلدين، الذين قامت فيهما ثورة، وبين كل من الأردن والمغرب.
*البيانات الفعلية لعام 2013 غير متاحة.
ملاحظة: تم احتساب النشاط الاقتصادي باعتباره الفارق بين 100 وبين معدل المشاركة في قوة العمل. وهذا المؤشر بالتحديد أعلى من مؤشر نسبة الشباب المحروم من العمل والتعليم والتدريب.
انضم إلى النقاش