يشهد اليمن حالياً واحدة من أشد الأزمات الإنسانية وأطولها أمداً في العالم، والتي تتميز بالصراع والانهيار الاقتصادي والكوارث الطبيعية. ففي عام 2022، واجه ما يقدر بنحو 17 مليون شخص أزمات غذائية أو أوضاعاً سيئة في اليمن، ولم يتمكنوا من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية دون اعتماد إستراتيجيات تكيفٍ لا رجعة فيها.
وعادة ما تتضمن الأساليب التقليدية لتقييم انعدام الأمن الغذائي جمعَ البيانات على نطاق واسع، وعمليات بناء التوافق في الآراء، فضلاً عن تقييمات الخبراء. ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه النُهُج عرضة للقيود المفروضة على الوصول للبيانات، والمشاكل المرتبطة بجمعها، والاختلافات في التحليل القائم على الرؤية الشخصية. وتقدم النمذجة الجديدة التي يستند إليها تقرير الرصد المشترك- وهو تقرير نصف شهري عن الأمن الغذائي والتغذوي يتم إعداده بالتعاون بين البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية ومشروع تعزيز قدرات التقييم - منهجيةً مبتكرةً تستند إلى البيانات وتهدف إلى الكشف المبكر عن حالات الطوارئ المتعلقة بالأمن الغذائي والتغذوي في اليمن. وكما هو مبين في ورقة العمل الصادرة عن البنك مؤخراً وما يتصل بها من مجموعة برامج قابلة للتكرار، يجمع هذا النهج المبتكر بين المؤشرات الكمية والحدود القصوى المُحَسَّنة من الناحية الإحصائية لإصدار تنبيهات موثوقة للأمن الغذائي والتغذوي.
ويركز هذا النهج المسترشد بالبيانات على البساطة والشفافية باستخدام مجموعة أساسية من المؤشرات لرصد أزمات الأمن الغذائي والتغذوي بانتظام. وتستفيد هذه الجهود من الأنظمة القائمة وتأتي مكملة لها، مثل نظام التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي وشبكة نظام الإنذار المبكر من المجاعة، كما أنها تشجع على زيادة البساطة والشفافية في وضع نماذج الأمن الغذائي والتغذوي.
ويستخدم التحليل عدة مؤشرات رئيسية، تم تحسين كل منها من أجل رصد الأبعاد الحيوية للأمن الغذائي والتغذوي:
- أسعار المواد الغذائية: متوسط أسعار السلع الغذائية الأفضل أداءً، مع انحرافات عن المتوسطات المتحركة الأسية التي تشير إلى حالات طوارئ محتملة.
- أسعار الوقود: تحليل أسعار البنزين والديزل الضروريين للنقل وتوزيع المواد الغذائية، بطريقة مماثلة لأسعار المواد الغذائية
. - سعر الصرف: تقلب سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي، مما يؤثر على القوة الشرائية والقدرة على تحمل تكاليف الغذاء.
- الجفاف: مؤشر قياسي للتساقطات المطرية يشير إلى حالات الجفاف التي تؤثر على الإنتاجية الزراعية.
- الصراع: متوسط الوفيات الناجمة عن الصراع في المديريات والمناطق المجاورة، مما يعكس مستوى المشكلات الأمنية وإمكانية الوصول.
- النزوح: إجمالي حالات النزوح من وإلى المديريات، مما يشير إلى اضطرابات شديدة في سبل كسب العيش.
وعن طريق استخدام البيانات المتوافقة مع التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وضع الفريق نموذجاً للمتغير المستهدف لإنشاء الحدود القصوى المُحَسَّنة المستخدمة في تحديد التحولات التاريخية إلى حالات أشد حدة من انعدام الأمن الغذائي والتغذوي. ويحقق هذا النموذج توازناً بين النتائج الإيجابية الزائفة (أي التحديد غير الصحيح لفترة ما على أنها فترة من فترات تدهور الأمن الغذائي) والنتائج السلبية الزائفة (أي تفويت فترة من فترات تدهور الأمن الغذائي بشكل غير صحيح) لتعزيز القدرة التنبؤية لكل مؤشر. ونتيجة لذلك، يُظهر التثبت من الوقائع التاريخية أن استخدام هذه المؤشرات الأساسية الستة فقط يمكن أن يحدد وبشكل موثوق حالات التدهور الشديدة في الأمن الغذائي والتغذوي في نحو 80% من الوقت مقارنة بالسلاسل الزمنية التاريخية.
وتوضح الرسوم البيانية أدناه مجموعة من التنبيهات المتعلقة بالأمن الغذائي مع مرور الوقت لكل مؤشر، مما يتيح عرضاً مرئياً لأزمات الأمن الغذائي التاريخية في اليمن. ويمكن أن توفر الرسوم البيانية تحليلاً لكل إنذار بمخاطر الأمن الغذائي مع مرور الوقت وكذلك حسب المنطقة الجغرافية، مما يتيح فهماً دقيقاً لمخاطر الأمن الغذائي على المستوى المحلي.
ويمثل تحقيق مثل هذه النتائج القوية باستخدام عدد قليل من المؤشرات ابتكاراً مهماً في التحليل الحديث للأمن الغذائي والتغذوي. وتُعد هذه المعلومات مفيدة للممارسين ومتخذي القرار ممن يقودون الاستجابة للأزمات في البلد المعني من خلال تزويد فرق العمل بالتطورات عالية التواتر عن الأزمات الناشئة.
وتوفر هذه المنهجية حلاً قابلاً للتوسع في المناطق الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة فيما يتعلق بالبيانات مثل الصومال ومنطقة الساحل في أفريقيا، ويمكنها أيضاً أن تدعم رصد مستويات الأمن الغذائي والتغذوي في البلدان التي تضع خطط التأهب لمواجهة أزمات الأمن الغذائي. ويظهر التحليل أن النماذج البسيطة المستندة إلى البيانات يمكنها أن تكشف بشكل موثوق حالات الطوارئ الوشيكة المتعلقة بالأمن الغذائي والتغذوي، مما يوفر فترة زمنية مهمة للغاية لاتخاذ إجراءات استباقية ومبكرة، وهي إجراءات تدخلية حيوية لإنقاذ الأرواح وسبل كسب العيش والاستفادة القصوى من الموارد الإنسانية والإنمائية المحدودة.
انضم إلى النقاش