"إذا أردت شيئا جديدا، فعليك أن تتوقف عن عمل شيء قديم،"- نصيحة طيبة من معلم الإبداع والإدارة بيتر دراكر. هذا النهج كان مفتاحا للشراكة بين القطاعين العام والخاص التي قمنا بتنسيقها في واحدة من أقدم مناطق العالم، وهي الضفة الغربية.
عندما بدأت مؤسسة التمويل الدولية تقديم المشورة بشأن أول شراكة بين القطاعين العام والخاص في الأراضي الفلسطينية أدركنا عدم وجود مرجع نسترشد به. خبرتنا كانت أساسية؛ لكن التحلي بسعة الأفق، و المرونة في بيئة عمل دائمة التغير، والبناء على العلاقات الراسخة، كانت كلها بمثابة متطلبات غير مدونة، لكنها لا تقل أهمية عن تلك المكتوبة.
عندما يتغير الواقع الاجتماعي أو السياسي لمنطقة ما، فإن القواعد القديمة لممارسة أنشطة الأعمال تصبح ببساطة غير سارية.
وقد خبر فريقنا هذا المبدأ، ولم نتوقع إطلاقا السير على النهج المعتاد عندما شرعنا في هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص للمساعدة في العثور على مشغل لمحطات دفن النفايات ونقلها بمحافظتي الخليل وبيت لحم. بيد أننا فوجئنا جميعا بمدى النجاح الذي حققته هذه الشراكة والذي توقف على إرادة الفريق كله في التوصل إلى حلول تتجاوز الحدود المعتادة.
لماذا النفايات؟
التخلص من النفايات من الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها أي مجتمع ينهض بوظائفه، وهو من أولى الخدمات التي تتلاشي في الصراعات. في الضفة والغربية وغزة، تركت عقود من الصراع والاضطرابات السياسية البلديات عاجزة عن الاستثمار بما يكفي في خدمات البنية الأساسية لإدارة النفايات الصلبة. في الخليل وبيت لحم، كان هذا يعني زهاء مليون شخص يلقون يوميا ما يقرب من 500 طن من النفايات في مكبات غير صحية. كانت النفايات التي لا تنقل إلى المكبات تحرق بشكل غير قانوني أو تلقى في الخلاء. وأصبحت هذه النفايات تشكل أزمة مع التوقعات بتزايد حجم النفايات لتشكل خطرا على الصحة والبيئة.
لمواجهة ذلك، ساعد البنك الدولي في إنشاء مجلس الخدمات المشترك في الخليل وبيت لحم لبناء المؤسسات والقدرة على تقديم خدمات مستدامة ومحكمة الإدارة للتخلص من النفايات وتحسين إدارتها. قدم البنك الدولي التمويل لمجلس الخدمات المشترك كي يُنشئ مدفنا جديدا للنفايات ومحطتين لنقلها.
بالبناء على بحث من تقرير عن التنمية في العالم 2011، أدركنا أن الاستفادة من معرفة وخبرات القطاع الخاص في تشغيل البنية الأساسية الجديدة يمكن أن يضمن استفادة مواطني الصفة الغربية منها. كما شعر الفريق بأن الهيكلة الجيدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تضع الأساس لاستثمارات أكبر من قبل القطاع الخاص في بيئة يراها الكثير من المستثمرين شديدة المخاطر. طلب كل من مجلس الخدمات المشترك والبنك الدولي من مؤسسة التمويل الدولية هيكلة أول شراكة بين القطاعين العام والخاص في الضفة الغربية وغزة والعثور على المستثمر الصحيح لتشغيل وصيانة مدفن النفايات ومرافق التخلص منها.
حلول جديدة
لكل بلد ومشروع تحدياته الخاص، ويصدق هذا بشكل خاص على هيكلة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في بيئة صعبة. علينا أن نظل منفتحين على خيارات قد ترفض في مكان آخر. على سبيل المثال، بات من الواضح سريعا أنه على الرغم من الاحتياج الشديد للخدمة، فإن المجلس لن يقدر على دفع ثمن خدمات القطاع الخاص. عادة يعني هذا أن المشروع لن يتم، بيد أن هناك حاجة لإيجاد حل للأزمة.
عززت مؤسسة التمويل الدولية شراكة قائمة بين البنك الدولي والشراكة العالمية للمعونات المرتبطة بالنواتج- المعروفة اليوم باسم الشراكة العالمية للتوجهات المستندة على النتائج- لتأمين منحة تساعد على ضمان استمرارية الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كان هذا يعني أن يكون هناك مؤشرات أساسية للأداء واضحة المعالم والحدود وقابلة للقياس تتوفر لدى المشغل كي يتمكن مجلس الخدمات المشترك من الحصول على التمويل. عملت مؤسسة التمويل الدولية مع الأطراف المعنية والبنك الدولي والزملاء في الشراكة العالمية للتوجهات المستندة إلى النتائج لتحديد مؤشرات الأداء الرئيسية- بالمساعدة في تقليص مخاطر الاستثمار من خلال تأمين تدفق الإيرادات، وبناء الثقة في جدارة المشروع للتمويل البنكي، وتحفيز الحكومات المحلية على تحسين معدلات تحصيل الرسوم.
وكما هو الحال في مجتمعات أخرى تأثرت بطول أمد الصراع، كان الكثيرون يسدون رمقهم بالعمل في جمع القمامة؛ تحسين جمع النفايات والتخلص منها سيؤثر على دخلهم. المعاملة العادلة لجامعي القمامة اعتبرها كل من مجلس الخدمات المشترك ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي هي جوهر نجاح المشروع. بالبناء على الجهود السابقة لتأمين موارد الرزق لجامعي القمامة، عملت منحة قدمها البنك الدولي على ضمان تدريبهم للعمل في مجالات أخرى.
كان هذا النوع من التعاون، بالبناء على العلاقات الراسخة للبنك الدولي منذ زمن في هذا المجال، وتكييف العمليات مع الاحتياجات المحددة للقطاع العام، والانفتاح على الحلول الحقيقية، عنصرا أساسيا.
لم يكن من السهل جذب شريك من القطاع الخاص لديه الرغبة في إقامة مشروع هو الأول من نوعه بالضفة الغربية. ولم يكن هناك الكثير من الشركات التي لديها القدرة على العمل هناك رغم مخصصات المخاطر، لأن مجالس إدارتها كانت تحجم عن اقتحام ساحة الصراع. انتهى الفريق بالمشاركة مع شركات أصغر لديها موارد أقل لكنها تتمتع بمحفزات أكبر على النجاح في بيئات صعبة.
رغم أن نتيجة المشروع جاءت إيجابية، فإن تحديات جذب استثمارات من القطاع الخاص للمناطق الهشة والموبوءة بالصراعات لا يمكن التقليل منها. ولكن على مدار هذا المشروع، شعر القطاعان العام والخاص والمانحون ومجموعة البنك الدولي بأهمية المشروع في خلق فرص جديدة لسكان الضفة الغربية. فابتكروا وكيفوا ووضعوا حلولا وسطى لتيسير الصعب.
الدروس التي استخلصناها من هذا هي أن عليك الالتزام بالقواعد الأساسية للشراكة بين القطاعين العام والخاص عند العمل في بيئات الصراع، ولكن دون التقيد كرهينة لها. ينبغي أن يعلي كل المشاركين الفكر الداعي إلى الشراكات القوية والتفكير المبتكر . والأهم، أن جميعنا تحمس بعد أن علمنا أننا نفتح أبوابا مهمة للشراكات في قطاعات أخرى، ونرتقي بمستوى المعيشة لملايين البشر.
لتشاهد وتتعرف على المزيد عن هذا المشروع في هذا الفيديو: التخلص من النفايات من أجل حياة أفضل في الضفة الغربية
موضوعات ذات صلة:
خلق الصناعات والوظائف في غزة من خلال الطاقة الشمسية على الأسطح
تحدي الظروف؟ كيف تعمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص في البلدان الهشة؟
مستقبل أكثر إشراقا لقطاع غزة؟
الشراكات بين القطاعين العام والخاص تؤدي إلى إدارة النفايات بطريقة أفضل في اليونان
إنجاح الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الظروف الهشة
انضم إلى النقاش