هذا الأسبوع ، يجتمع أكثر من 1500 من العاملين في مجال التنمية من جميع أنحاء العالم في المؤتمر السنوي للبنك الدولي حول الأرض والفقر لمناقشة أحدث الأبحاث والابتكارات في السياسات والممارسات الجيدة في إدارة الأراضي.
يعد ضمان حقوق الملكية ووجود المؤسسات الفعالة لتسجيل الأراضي حجر الزاوية في أي اقتصاد حديث. فهي تمنح الثقة للأفراد والشركات للاستثمار في الأراضي، وتسمح للشركات الخاصة بالاقتراض- باستخدام الأرض كضمان- لزيادة فرص العمل، وتمكين الحكومات من تحصيل الضرائب العقارية، وهي ضرورية لتمويل مرافق البنية التحتية والخدمات للمواطنين . ولسوء الحظ، فإن 30٪ فقط من سكان العالم لهم الحق في تسجيل أراضيهم ومنازلهم بصورة قانونية.
فبدون نظم فعالة لحيازة الأراضي، تخاطر البلدان بفقدان أساس النمو المستدام وتهديد سبل عيش الفقراء والضعفاء أكثر من غيرهم. ببساطة، لا يمكن القضاء على الفقر وتعزيز الرخاء المشترك دون تحقيق تقدم حقيقي في حقوق الأرض والملكية.
لقد أدرك المجتمع الدولي الدور الأساسي الذي تلعبه الأرض في النمو الاقتصادي المستدام بإدراجها في ثمانية مقاصد و12 مؤشرا لأهداف التنمية المستدامة. ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذه الأهداف الطموحة أن يضع صانعو السياسات والحكومات كفالة حقوق الأراضي والملكية بشكل صريح على قمة جدول الأعمال العالمي. فيما يلي سبعة أسباب لذلك:
1. تعد الحقوق المضمونة في الأراضي ركيزة مهمة للزراعة.
مع استمرار نمو السكان والاستهلاك، سيستمر الطلب العالمي على الغذاء في الزيادة أيضا. ومن الضروري وجود استراتيجية عالمية متعددة الجوانب وشاملة لضمان الأمن الغذائي المستدام والعادل. ويجب أن تشمل هذه الاستراتيجية إجراءات تدخلية لزيادة المحاصيل الزراعية من خلال تحسين سبل ضمان حقوق الأرض، والبحوث والإرشاد الزراعي، وتوفير المزيد من المستلزمات الزراعية (مثل الأسمدة). وأظهرت الأبحاث أن سندات الملكية الآمنة توفر حوافز للمزارعين للاستثمار في الأراضي، واقتراض الأموال لشراء المستلزمات الزراعية وإدخال تحسينات على أراضيهم، وتمكين أسواق بيع الأراضي وتأجيرها من ضمان الاستغلال الكامل للأراضي.
2. تعتبر الحقوق المضمونة في الأراضي ضرورية للتنمية الحضرية.
في عام 1950، كان نحو ثلثي سكان العالم يعيشون في مناطق ريفية وثلثهم يسكن الحضر. بحلول 2050، سنشهد توزيعا عكسيا حيث سيعيش أكثر من ستة مليارات شخص في المناطق الحضرية. وستحدث معظم الزيادة في المناطق الحضرية في أفريقيا وآسيا. إن الفشل في تحديد حقوق حيازة الأرض وإصلاح سياسات الأراضي المشوهة يسهم في زيادة قيمة الممتلكات، مما يجعلها بعيدة عن متناول الفقراء في المناطق الحضرية. وقد أدت هذه الفجوات بالفعل إلى إنشاء مناطق سكنية عشوائية ضخمة في العديد من المدن حول العالم. ووفقا لتقرير البنك الدولي "مدن أفريقيا: فتح الأبواب على العالم" فإن الأولوية القصوى للمدن الأفريقية لتوفير بيئات حضرية ترتفع فيها مستويات تحمل نفقات الحياة والقدرة على العيش فيها تتمثل في إضفاء الطابع الرسمي على أسواق الأراضي، وتوضيح حقوق الملكية، ووضع تخطيط حضري فعال.
3. تساعد حقوق الملكية المضمونة في حماية البيئة.
تكشف الأبحاث عن أن المواطنين يصبحون أكثر حرصا على البيئة وعلى قاعدة مواردهم الطبيعية عند ضمان حقوق الملكية الخاصة بهم. وكان تدهور الغابات أحد أكثر الممارسات البيئية تدميرا خلال السنوات الخمسين الماضية. وفي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حاول الكثير من البلدان حماية الغابات من خلال رسم حدودها، لكن هذه البلدان فشلت في ذلك لأن الوضع القانوني لهذه الأراضي لم يكن واضحا. ولتغيير هذا النمط، ستحتاج الحكومات إلى وضع سياسات لتحسين أمن الحيازة في مناطق الغابات - بحيث تبقى الأرض ذات الأهمية البيئية على صورتها كغابات - وتسمح بتحويل استخدام الأراضي في المناطق غير المهمة بيئيا إلى الزراعة أو غيرها من أشكال الإنتاج.
4. حقوق الملكية المضمونة والحصول على الأرض من الأمور الأساسية لتنمية القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
يحتاج القطاع الخاص إلى الأرض لبناء المصانع والمباني التجارية والعقارات السكنية. ووفقا لتقرير يقيم أداء القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن أكبر العوائق أمام القطاع الخاص في المنطقة تشمل صعوبة الحصول على الأراضي بالإضافة إلى الأمور المتعلقة بتملك الأراضي وتسجيلها. وغالبا ما تستخدم الشركات سندات ملكية الأراضي أو الممتلكات كضمان لتمويل تكاليف التشغيل وكذلك لتوسيع نطاق الأعمال التجارية القائمة أو فتح شركات جديدة، وبالتالي توفير المزيد من فرص العمل.
5. حقوق الملكية المضمونة مهمة لتمكين المرأة.
تسلط استراتيجية المساواة بين الجنسين التي وضعتها مجموعة البنك الدولي الضوء على إمكانية الحصول على الأصول باعتبارها إحدى الركائز الرئيسية الثلاثة لتمكين المرأة. ومع الأسف، لا تزال الكثير من النساء في جميع أنحاء العالم محرومات من حقوق ملكية الأرض لأسباب متعددة: 1) أن الإطار القانوني لا يدعم بشكل كامل المساواة في حيازة الممتلكات أو استخدام سندات ملكية الأراضي كضمان دون وصي ذكر، 2) لا يسجل الرجال دائما ممتلكاتهم باسم كل من الزوج والزوجة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان المرأة منزلها أو أرضها في حالة الطلاق أو وفاة الزوج، 3) في بعض الثقافات، لا ترث المرأة الأرض أو العقارات على الرغم من تمتعها بالحق القانوني في ذلك - وغالبا ما يجبرها الأقارب الذكور على التنازل عن حقوقها. ولسد الفجوة بين القانون والممارسات المتعلقة بحقوق المرأة في الأرض، أطلق البنك الدولي حملة عالمية متعددة الأطراف باسم “ساند حقها في الأرض” بالتعاون مع مؤسسة لانديسا، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية -الشبكة العالمية لأدوات الأراضي، ومؤسسة هابيتات فور هيومانيتي، ولجنة هوايرو، ونساء من المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم.
6. تساعد حقوق الملكية المضمونة في كفالة حقوق الشعوب الأصلية.
لا تعترف العديد من البلدان قانونا بحقوق الشعوب الأصلية في الأرض، على الرغم من أنها عاشت على أرض أجدادها لعدة أجيال، وسبق وجودها إنشاء الدولة الحديثة وتسجيل الحقوق بشكله الحديث. والاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية في الأرض ليست مسألة تتعلق بحقوق الإنسان فحسب، بل أيضا أمر له وجاهته من الناحية الاقتصادية والبيئية. حالما يتم الاعتراف بحقوقهم في الأرض، سيتمكن السكان الأصليون من استخدام الموارد المتاحة في أرضهم بشكل أكثر استدامة، وبالتالي تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية كقوة بناءة في المجتمع.
7. حقوق الملكية المضمونة مسألة حاسمة للحفاظ على السلام.
نشهد اليوم أهوال الحروب والصراعات في الكثير من مناطق العالم. تجبر الصراعات ملايين البشر على الفرار وترك ممتلكاتهم. وبدون حماية حقوق الملكية الخاصة بهم، لن يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم ومصادر رزقهم. في الواقع، لا يمكن تحقيق السلام بشكل كامل إذا لم تتم معالجة حقوق الأرض والعقارات على نحو مناسب، مما قد يؤدي إلى تفجر جولة ثانية من الصراع. لكن ما يبعث على الأمل أنه عندما تنتهي هذه الصراعات، يمكن أن تصبح حقوق الملكية المضمونة أساسا مهما لإعادة الإعمار.
من خلال الالتزامات الحالية التي تبلغ حوالي 1.5 مليار دولار، قدم البنك الدولي الدعم لأكثر من 50 بلدا خلال الـ 25 عاما الماضية لتحسين أمن حيازة الأراضي من خلال الدعم السياسي والقانوني، وتنمية المؤسسات والقدرات، وتمويل جهود تمليك الأراضي ورقمنة أنظمة تسجيل الأراضي، بالإضافة إلى المنتجات التحليلية والمساعدة الفنية للعديد من البلدان.
حقوق الأرض والملكية الآمنة ليست فقط في صميم التنمية المستدامة، ولكن يجب أيضا أن توضع على قمة جدول الأعمال العالمي.
ما يبعث على الأمل هو أنه من خلال الأدوات الحديثة المستخدمة في جمع البيانات - مثل رسم الخرائط عن طريق الطائرات بدون طيار وأجهزة النظام العالمي لتحديد المواقع المحمولة باليد - والتكنولوجيات المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل blockchain، يمكننا أن نقوم بذلك بشكل أسرع وأفضل وبتكلفة أقل.
يحدونا الأمل في أنه بحلول عام 2030، يمكننا معا عكس نسبة أمن الحيازة، لنرى 70٪ من سكان العالم يتمتعون بحقوق ملكية آمنة – والاستفادة من المساندة التي تقدمها التكنولوجيا الجديدة، ومواصلة العمل على الأطر القانونية والمتعلقة بالسياسات، وزيادة التمويل. وهذا من شأنه أن يقربنا خطوة واحدة كبيرة من تحقيق مجتمعات مرنة مستدامة وتشمل الجميع.
هذه المدونة نشرت في الأساس في بوابة الأرض.
انضم إلى النقاش