في فيلم الخريج عام 1986، وهو من كلاسيكيات السينما العالمية، يتأمل بن برادوك - الذي يلعب دوره داستن هوفمان - مستقبله. وقد أخبره أحد أصدقاء العائلة حسن النية أن يدرس مستقبله جيدًا. وقال إن المستقبل يكمن في المواد البلاستيكية. "هناك مستقبل رائع في منتجات البلاستيك" هذا ما قاله السيد ماكجوير لبطل الفيلم بن.
قبل عقد من الزمن، جاء غلاف مجلة لايف في عام 1955 ليحتفي بإمكانية "العيش مع المواد التي تستخدم لمرة واحدة" - عصر ساعد فيه استخدام البلاستيك على نطاق واسع على "تقليل الأعمال المنزلية". واكتشف أن هذا المنتج "المعجزة" رخيص الثمن وخفيف الوزن وقابل للتشكيل ولا ينفذ منه الماء.
وبالانتقال سريعا إلى المستقبل بعد 64 سنة، فإن الخصائص نفسها التي تجعل من البلاستيك متعدد الاستخدامات في تطبيقات لا حصر لها - المتانة ومقاومة التحلل - هي التي تجعل من الصعب، بل من المستحيل، على الطبيعة استيعاب هذه المواد.
خلال نصف القرن الماضي (ولاسيما في السنوات الخمس عشرة الماضية)، فاق نمو إنتاج المواد البلاستيكية إنتاج أي مادة مصنعة أخرى بفارق ضخم. وفي الآونة الأخيرة، مع الطفرة الهائلة في المنتجات البلاستيكية للاستخدام لمرة واحدة، فإن آثارها على الأرض والنظم الإيكولوجية البحرية، وعلى القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل السياحة، وصيد الأسماك وعلى صحتنا أصبحت أكثر وضوحًا بكثير.
في الوقت الراهن، في منتصف عام 2019، انتبه العالم لخطر تداعيات الاستخدام العشوائي للمنتجات البلاستيكية. وتظهر المقالات الإخبارية اليومية ومقاطع الفيديو واسعة الانتشار حيتانًا نافقة بسبب الاختناق بالأكياس البلاستيكية وأسماك بها جزيئات بلاستيك متناهية الصغر وأنهارًا من البلاستيك تتدفق عبر المناطق الريفية. ولا يبدو أن هناك مكان آمن. فالبلاستيك عُثر عليه في أعمق نقطة على وجه الأرض. وأشارت مقالة بحثية في عام 2015 إلى أن ما يقدر بثمانية ملايين طن من النفايات البلاستيكية تجد طريقها إلى المحيطات كل عام. وأظهر التقرير المنشور في مطبوعة ساينس جورنال البعد الإقليمي للنفايات البلاستيكية التي تُدار بشكل سيء - والتي تتركز بصفة أساسية في منطقة شرق آسيا. ففي أوائل عام 2019، خلق حظر الصين واردات البلاستيك عنصرًا عابرًا للحدود إلى التجارة العالمية في نفايات البلاستيك - حيث يجب إيجاد خيارات جديدة للتخلص من 111 مليون طن متري من نفايات البلاستيك أو إعادة تدويرها. ويجب إعادة تفعيل إعادة تدوير المواد البلاستيكية، لكن ما كان مطلوبًا بصفة عاجلة هو مواد جديدة ونماذج أعمال جديدة وتكنولوجيا جديدة وتمويل جديد.
إن ما وُلد من الابتكار، يحتاج الآن إلى الابتكار للمساعدة في التعامل مع ما أحدثه من تأثيرات. وبدأت البلدان والشركات والمجتمعات المحلية تمضي قدمًا بمبادرات وابتكارات واستثمارات تسعى جاهدة للتصدي للتلوث المتزايد بسبب المواد البلاستيكية في البحار. وتوجد هيئات دولية وإقليمية (من قرار الأمم المتحدة 2017 إلى استراتيجية الاتحاد الأوروبي للبلاستيك وإعلان بانكوك لرابطة أمم جنوب شرق آسيا بشأن المخلفات البلاستيكية في البحار) والبلدان (بما فيها إندونيسيا والهند وماليزيا وتايلاند) تقدم تعهدات بشأن سياسات ولوائح تتسم بالمسؤولية، وتحدد الاستثمارات الرئيسية للمساهمة في خفض إنتاج البلاستيك، وبشأن الاقتصاد الذي يعتمد على إعادة التدوير حيث يمكن أن تصبح النفايات ذات قيمة.
أما شركات الأغذية والمشروبات التي تتحمل وطأة عمليات تدقيق العلامات التجارية الأكثر شيوعًا (الآن)، فتدخل مجال تمويل إدارة النفايات. وتشمل المبادرات الالتزام العالمي باقتصاد البلاستيك الجديد الذي تقوده مؤسسة إلين ماك آرثر، والذي وقعه العديد من أكبر منتجي التعبئة والتغليف والعلامات التجارية وتجار التجزئة والقائمين بإعادة التدوير على مستوى العالم، بالإضافة إلى الحكومات والمنظمات غير الحكومية. وتجري الشركات - كل على حدة - عمليات البحث والتجريب لزيادة المحتوى المعاد تدويره في الزجاجات أو دراسة توسيع نطاق استخدام النفايات البلاستيكية في المنتجات الاستهلاكية مثل الأحذية.
على المستوى المحلي، يطور المبتكرون في جميع أنحاء منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ حلولًا إبداعية للحد من النفايات البلاستيكية، ويجربون نماذج أعمال جديدة، ويوسعون نطاق الفوائد التي تتحقق للمجتمعات المحلية من حيث سبل كسب العيش والدخل. يمكن الاطلاع على معلومات عن بعض هؤلاء المبتكرين هنا.
وفي البنك الدولي، نعمل على التصدي لهذه المشكلة الهائلة على المستوى العالمي والإقليمي وعلى صعيد البلد المعني. في هذا السياق، يُعد برنامج الاقتصاد الأزرق صندوقًا استئمانيًا عالميًا جديدًا متعدد المانحين تم تدشينه عام 2018، مع تركيز قوي على المخلفات البحرية. وفي منطقة شرق آسيا، حدد البنك الدولي المخلفات البلاستيكية البحرية بوصفها موضوعًا له أولوية ووضعنا إطار عمل البنك الدولي الإقليمي للنفايات البلاستيكية البحرية وخطة عمل لمواءمة مشاركاتنا في مختلف القطاعات والبلدان. على المستوى الوطني، نعمل بالفعل مع الحكومات الوطنية لتنفيذ السياسات واللوائح ذات الصلة، وتعزيز التحليلات والقدرات، وتمويل الاستثمارات المهمة في هذا المجال. وفي إندونيسيا، لدينا صندوق استئماني متعدد المانحين للمحيطات سيساعد في تمويل المبادرات الرئيسية للتصدي للمشكلة في الأرخبيل الإندونيسي. وفي الفلبين وفيتنام، وكمبوديا، والصين، وتايلاند، وميانمار، نعمل على مجموعة من المهام التحليلية بدءًا من عمليات تقييم البلاستيك إلى تحليل السياسات والمساعدة في خطط العمل الوطنية.
ومن الجدير بالذكر أن فريقنا يجمع القطاعين العام والخاص للمساعدة في تعزيز الحلول المبتكرة عبر سلسلة القيمة وتوسيع نطاقها. بالنسبة للمواد البلاستيكية، يتراوح هذا الأمر بين ابتكار المواد الأولية، وإنتاج البلاستيك من مواد مستخلصة من النباتات وقابلة للتحلل البيولوجي، إلى تقنيات إعادة التدوير/تعزيز التكنولوجيا والحلول المبتكرة. وبينما نستكشف طرقًا لتقليل المواد البلاستيكية والتغليف بالمواد البلاستيكية وزيادة عمليات إعادة التدوير، يجب علينا بالطبع ضمان مزايا المواد الجديدة وعيوبها النسبية، وإعادة تصميم المنتجات، وإعادة الاستخدام، وإعادة تدوير المواد، وتحويل النفايات إلى طاقة، وتقنيات إعادة التدوير التي تراعي التحديات المختلفة التي تنطوي عليها النفايات في جميع أنحاء منطقتنا التي تتسم بالتنوع.
ونحن أيضًا، مثلنا مثل بن برادوك في فيلم الخريج، نعيش مرحلة النضج المثيرة. فما بدأ كنمط حياة جديد رائع أصبح اليوم مصدر إزعاج محلي وثانوي. أخيرًا، فإننا نرى هوسنا بالبلاستيك على حقيقته الآن: تحدٍ عالمي - بتكاليف حقيقية، وتأثيرات فعلية. لكن الابتكار في التعامل مع النفايات البلاستيكية يكتسب زخمًا، ويجب علينا تسخير ذلك للابتعاد عن ثقافة التخلص من تلك النفايات والمضي قدمًا نحو مستقبل يتسم بالمسؤولية.
انضم إلى النقاش